Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 29-29)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنِّى أُرِيدُ أَن تَبُوءَ } ترجع الى الله . { بِإِثْمِى } أى باثم قتلى . { وَإِثْمِكَ } الذى عملته ، قيل فلم يتقبل به قربانك ، وعن ابن عمر انا لنجد ابن آدم القاتل يعنى قابيل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة ، عليه شطر عذابهم ، فلا مانع على هذا أن يريد هابيل أن يأخذ قابيل شطر ذنوبه ، ولكن يشكل ذلك بقوله { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ولعل ذلك مخصوص بقابيل ، أو معنى المقاسمة أن عليه شطر عذابهم زيادة عليه دون أن ينقص عليهم ، بل صح فى الحديث أنه " من سن سنة قبيحة فله وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة " فله مثل عذاب من عمل بها كله لا شطره فقط من غير أن ينقص عن العامل ، ولعله لم تصح الرواية عن ابن عمر . وعن ابن مسعود ، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقتل نفس ظلماً الا كان على ابن آدم الأول شطر من دمها لأنه أول من سن القتل " أى بلا نقص ، ويدل لذلك التأويل " أن رجلا قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يعرض لى يريد نفسى ومالى ؟ قال تناشده الله ، قال ناشدته الله ولم ينته ؟ قال استعن عليه السلطان ، قال ليس يحضرنا سلطان ، قال استعن عليه المسلمين ، قال نحن بأرض فلاة ليس قربنا أحد ، قال فجاهده دون مالك حتى تمنعه أو تكتب فى شهداء الآخرة فى الجنة " . وانما ساغ لهابيل رضى الله عنه أن يريد أن يبوء قابيل بالذنب من حب المعصية لا يجوز ، لأنه لم يرد الذنب من حيث أنه ذنب ، بل أراده لقابيل من حيث أنه يعاقب به قابيل ، وحب العقاب للجانى جائز كما أجاز بعض أصحابنا أن يدعى على المنافق بزيادة النفاق ، وأجاز بعض ذلك ، وأن يدعى عليه بالشرك ، وليس ذلك حباً للمعصية ، بل ازدياداً للعقاب ، ومتابعة لكون المعصية تجر الأخرى كما هو عادة الله . ويحتمل أن تكون الارادة عبارة عن سبب الرجوع بالاثم ، وذلك أن هابيل أراد أن لا يبسط يده الى قابيل ، وعدم بسطه اياهما اليه سبب لوصول قابيل الى قتله ، أى أريد ما هو سبب لرجوعك بالاثم ، أو شبه اذعان قلبه الى قتل قابيل لعنه الله اياه بارادة أن يقتله هابيل لجامع عدم الدفع ، ويجوز أن يكون المراد أنه ان كان القتل واقعاً بيننا ولا بد ، فانى أريد أن يكون منك لا منى ، والمراد بالذات الا أن يكون منى مع قطع النصر أن يكون منك ، لكن لما فرضه محصوراً بينهما كان اذا لم يكن منه كان من قابيل فقال { أَن تَبُوءَ } . ويجوز أن يكون المعنى فى قوله { بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ } أنى لو قتلتك لكان لى اثم ، فأردت أن يكون اثماً لك هذا الذى لو فعلته لكان اثما لى ، وذلك بأن تباشره أنت منى فتبقى الارادة ، فيجاب فيها بأحد الأوجه المارة . قال صلى الله عليه وسلم " المستبَّان ما قالا فعلى البادى ما لم يعتد المظلوم " المستبان بتشديد الباء وتخفيف النون ، وهى نون التثنية ، وهو مفتعلان من السبب بمعنى متفاعلين ، كل يسب الآخر ، وما ظرفية مصدرية ، يعنى أن البادى هو الظالم ، لأن للآخر أن يقول مثل ما قيل له اذا قيل له بباطل ما لم يجاوز الحد ، بأن يزيد على ما قيل له ، أو اقتصر على ما لا يجوز له ، مثل أن يقول لك يا سارق ، وتقول له يا زانى ، أو يا مشرك ، وليس بزان أو مشرك فالسباب حامل لاثم سبه واثم مجازيه على السب بمثل ذلك السب ، فان الدخول فى السب بالمجازات ذنب فى الأصل حط عن المجازى به لمبتدئه ، واقع فى الجملة ذنوب المبتدى اذ كان سبباً له ، فكذلك لو بسط هابيل يديه للقتل بسبب بسط قابيل لكان لقابيل الذنبان أحدهما بالمباشرة ، والآخر بالتسبب للجزاء . { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزآءُ الظَّالِمِينَ } ذلك كله من كلام هابيل ، وقيل قوله { وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ } من كلام الله تعالى ، أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاشارة الى الكون من أصحاب النار .