Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 2-2)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللهِ } لا تجعلوها كالشىء الذى يجوز تركه ، ويحل الاعراض عنه ، حتى انه غير طاعة ، أى لا تبطلوها بالنهى عنها ، أو تركها ، أو جعل ما نهيتم عنه كأنه قيل لا تزيلوا حرمتها ، والمفرد شعيرة فعيلة بمعنى فاعلة ، أى مشعرة بكسر العين ، أى دالة على الله ، أو بمعنى مفعولة مجعولة شعيرة ، أى دالة يقال أشعره الشىء فهو مشعر بفتح مشعر بفتح العين ، أى مجهول دالا وهى دين الله عز وجل ، فشملت الحج وغيره من التكاليف والطاعات غير الواجبة ، أى لا تتركوا شيئا مما فرض الله أو ندب اليه ، وذلك تفسير الحسن وعطاء بن رباح . وقيل شعائر الله فرائضه ، وقيل أعمال الحج ومواضعه كالميقات والبيت ومنى وعرفات وجمع ، وذلك مشعر بالله ، وهو أيضا علامات الحج ، وهو قول ابن عباس . قيل كان المشركون يحجون ويسوقون الهدى ، وأراد المسلمون أن يغيروا على هديهم ومالهم ، فنهاهم الله عن ذلك بهذه الآية ، ونزلت فى ذلك . وقيل " نزلت فى الحطم ، واسمه شريح بن هند بن ضبيعة البكرى ، أتى المدينة وحده ، وخلف خيله خارج المدينة ، فقال للنبى صلى الله عليه وسلم الى مَ تدعون الناس ؟ فقال " الى شهادة أن لا اله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة " فقال حسن الا أن لى قوما لا أقطع أمرا دونهم ، ولعلى أسلم وآتى بهم ، فخرج وقيل قال لأن قبلوا كنت معهم ، وان أبوا كنت معهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه " يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان " ولما خرج شريح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد دخل بوجه كافر وخرج بقفا غادر وما الرجل بمسلم " فمر بسرح من سرح المدينة فساقه وانطلق به مرتجزا يقول * قد لفها بالليل سواق حطم * ليس براعى ابل ولا غنم * * ولا بجزار على ظهر وضم * باتوا نياما وابن هند لم ينم * بات يقاسيها غلام كالزلم * خدلج الساقين ممسوح القدم * فتبعوه ولم يدركوه ، ولما كان فى العام القابل خرج حاجا مع حجاج بكر بن وائل من اليمامة ، ومعه تجارة عظيمة ، وقد قلد الهدى وهو ما أخذ من سرح المدينة ، وذلك عام تمام قصة العمرة التى أحصروا عنها فى الحديبية ، فقال المسلمون يا رسول الله هذا الحطم قد خرج حاجا معتمرا فخل بيننا وبينه ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " انه قد قلد الهدى " فقال يا رسول الله هذا شىء كنا نفعله فى الجاهلية ، فأبى النبى صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللهِ } " . ولهذا قال من قال الشعائر بالهدايا المشعرة بفتح العين وهى الابل التى تساق الى مكة للنحر ، يطعن فى سنام البعير بحديدة حتى يسيل الدم ، فيكون ذلك علامة أنه هدى ، ولا يلزم من فعل ذلك أن فاعله محرم مكث أو مضى معها للحج ، وقيل هو بذلك محرم ، ولو لم يحرم فان فعل ما لا يفعله المحرم لزمه ما يلزم المحرم اذا فعل ما لا يجوز ، ويدل للأول ما روى عن عائشة رضى الله عنها " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشعر الهدى وقلده ولم يحرم على نفسه ما يحرم على المحرم " ، وما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما " أنه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذى الحليفة ، فدعى بناقته فأشعرها فى صفحة سنامها اليمنى ، وسلت الدم عنها ، وقلدها نعلين ثم ركب راحلته ، فلما استوت به على البيداء وهو هنا اسم موضع لا مطلق المغازة هلَّ بالحج " . وعن أبى حنيفة أنه يكن الاشعار ومبسط المسائل فى كتب الحج ، وعن ابن عباس معنى لا تحلوا شعائر الله أن تصيد وأنت محرم ، فيكون تقرير القولة غير محلى الصيد . { وَلا الشَّهرَ الحَرَامَ } شعائر الله على عطف ، والمعنى ولا تحلوا الشهر الحرام بالقتال فيه والاغارة ، والمراد جنس الشهر الحرام فشمل رجبا وذا القعدة وذا الحجة والمحرم . ابن جرير الطبرى قال المراد برجب ، وقيل أى لشدة أمره فى الحرمة ، وكان تحريمه مختصا بقريش ، وكانت تعظمه ، وقيل ذو القعدة ، وفسره الزمخشرى بشهر الحج فلعله أراد ذا الحجة ، ويحتمل أنه أراد جنس أشهر الحج ، أى لا تزيلوا الشهر الحرام . { وَلا الهَدىَ } واحده هدية بفتح الهاء واسكان الدال ، وهى ما يهدى الى البيت من بعير أو بقرة أو شاة ، قيل أو غير ذلك من المال مطلقا تقربا الى الله ، ونسب للجمهور والأول لابن عباس ، أى لا تزيلوا حرمة الهدى بالتعرض له بالاغارة عليه ، أو بالحمل عليه ، والركوب لغير ضرورة ، وبالتصرف فيه بنحو البيع والاجازة . { وَلا القَلائِدَ } جمع قلادة وهى ما يعلق على الهدى ، ليعلم أنه هدى من نعل أو قشر عود الشجر أو غيرهما ، فلا يتعرض له بأخذ ، أو ما مر فانك اذا رأيت العلامة لم تتعرض أيضا لبيعه أو نحوه لو كان قلده ابنك أو شريكك الشركة العامة ، أو من فوضته على مالك فيقدر مضاف ، أى ولا ذوات القلائد من الهدى ، وعطفها عطف خاص على عام لمزيتها ، وذلك أن الهدى شامل لها ، كما عطف الهدى مع دخوله فى شعائر ، لذلك اذا فسرنا الشعائر بمناسك الحج وأعماله ، أو بما يعمها وغيرها . ويجوز أن يكون المعنى لا تقربوا الى حلال الهدى ولو بالقرب الى احلال ما قلد به ، وذلك تأكيد فى النهى ، أو لأن ازالة القلادة يوهم أنه غير هدى فيتعرض له ، ففى هذا الوجه بعلتيه لا يعتبر مضاف ، وقيل المراد أصحاب القلائد ، وكانت العرب اذا أرادوا أن يخرجوا من الحرم فى الجاهلية قلدوا أنفسهم وابلهم من لحى شجر الحرم ، فكانوا يأمنون بذلك فلا يتعرض لهم أحد ، فنهى الله المؤمنين عن فعل ذلك ، وعن استحلال لحى الشجر الحرم . { وَلا آمِّينَ البَيتَ الحَرَامَ } عطف على شعائر ، أى ولا تحلوا قاصدين البيت الحرام وهو الكعبة يقصدون زيارته ، ويقدر مضاف ، أى ولا قتال آمين البيت الحرام ، أو ولا أذى آمين البيت الحرام ، والبيت مفعول لآمين ، وقرأ عبد الله بن مسعود ولا آمى بحذف النون للاضافة ، وآمين اسم فاعل أم يؤم على حذف المنعوت ، أى قوم آمين أو تأس آمين . { يَبتَغُونَ } وقرأ حميد بن قيس والأعرج بالتاء الفوقية خطابا للمؤمنين . { فَضلاً مِّن رَّبهِم وَرِضوَاناً } والجملة حال من الضمير المستكن فى آمين ، واختبر أن اسم الفاعل العامل لا ينعت ، فليست الجملة نعتا لآمين ، ومعنى ابتغائهم الفضل من ربهم والرضوان ، طلبهم أن يثيبهم الله على قصدهم البيت الحرام بالعبادة وتعظيمه ، ويرضى عنهم أو طلبهم ربح المال ورضوان الله ، فان المشركين ، ولو كان لا ينفعهم عمل ولا ثواب لهم ، ولا يرضى الله عنهم كان لا يحسن أن يتعرض لمن يعظم البيت ، ويدعى ابتغاء الفضل على عناده والرضوان ، والآية كما مر فى شريح بن ضبيعة لما أراد المسلمون التعرض له ولمن معه ، نهاهم الله عز وجل ذلك كما قال { فاقتلوا المشركين حين وجدتموهم } وقال { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } قال الشعبى لم ينسخ من المائدة الا هذه الآية ، ومثله لمجاهد والحسن وقتادة والجمهور ، وقيل نسخ منها { وَلا آمِّينَ البَيتَ الحَرَامَ } نسخها { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } فأجاز الله التعرض للمشركين أينما كانوا ، وعلى أى صفة كانوا ، وقيل المراد بآمِّين البيت الحرام المؤمنون ، فيكون ابتغاء الفضل والرضوان صحيحا حقيقا نافعا ، ويكون النهى عن التعرض لهم غير منسوخ ، الا أنه يقال كيف يتعرض المؤمنون للمؤمنين ، أم كيف يخيفونهم حتى ينهاهم الله ، الا أن الأنسب أن يكون ابتغاء الفضل والرضوان ، وشعائر الله من المؤمنين كافر المشركين ، ثم ان الرضوان والثواب اللذين يطلب المشركون من العرب الدنيويان لأنهم لا يقرون بالبعث . { وَإِذا حَلَلتُم فَاصطَادُوا } هذا الأمر للاباحة ، أباح الله لنا الاصطياد اذا حللنا من احرام الحج أو العمرة أو كليهما ، والمراد صيد الحل ، وأما صيد الحرم فلا يجوز أبدا لأحد ، وليس الأمر مستقلا بافادة الاباحة ، بل بواسطة أن العلة فى تحريم الاحرام فيزول بزواله ، وقرىء بكسر الفاء نقلا من حركة الوصل بعدها وهو ضعيف ، اذ لا حركة لها فى الوصل ، فضلا عن نقلها ، وقرىء فاذا أحللتم ، يقال حل من احرامه وأحل منه . { وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَئَانُ قَومٍ أَن صَدُّوكُم عَنِ المَسجِدِ الحَرَام أَن تَعتَدُوا } لا يحملكم بغضكم لقوم وعداوتهم ، لأجل صدهم اياكم عن المسجد الحرام على أن تعتدوا عليهم بالقتل ، وأخذ المال ، واحلال هديهم ، فان صدوكم على تقدير لام التعليل ، وان مصدرية داخلة على الماضى وان تعتدوا على تقدير على ، وذلك أن المشركين صدوهم عام الحديبية عن المسجد الحرام ، فمن قائل أراد المسلمون الانتقام منهم ، فنهاهم الله عز وجل ، وأن تعتدوا مفعول ثان ليجرم على تضمين معنى يكسب بضم الياء التحتية ، وكسر السين أى لا يضركم شنآنهم ، كما سبق الاعتداء ، ويدل لتقدير على ذكر ما فى قوله على أن لا تعتدوا ، والفعل شنىء ، ومنه { ان شانئك هو الأبتر } والشنئان البغض ، وهو مصدر أضيف الى المفعول كما رأيت ، ويجوز أن يكون مضافا للفاعل ، أى لا يحملنكم أو لا يكسبنكم بغض قوم اياكم أن تعتدوا ، وفتح النون الأولى من شنآن هو المشهور الأصح عن نافع ، وقرأ عنه اسماعيل ، وابن عباس ، عن عاصم بسكونها ، وهو قراءة ابن عامر ، وهو أيضا مصدر كذلك بمعنى البغض كليان بفتح اللام وتشديد الياء بمعنى المطل ، لكن فعلان بفتح فاسد قليل فى المصادر لا كما قيل فى المصادر لا كما قيل انه خطأ ، وأما الأوصاف نكثر فيها كسكران وعطشان وفعلان بفتحتين ، قليل فيها كعدوان لكثير العداوة ، كثير فى المصادر كغليان ونزوان . ويجوز أن يكون شنآن بالسكون وصفا مضافا لغير فاعله وغير مفعوله ، أى مبغض قوم بكسر الغين ، أى المبغض من بينهم ككاسب عياله فى مجرد كونه غير مضاف اليهما ، أو وصفا مضافا لمنعوته ، أى القوم مبغض بأن اعتبر لفظ قوم فأفرد ثم معناه فجمع له ، أو الاضافة للجنس فهى فى معنى الجمع ، أى قوم مبغضين ، وقرأ عبد الله بن مسعود بضم ياء يجرمنكم ، وقرأ ابن كثير ، وأبو بكر بكسر همزة ان على الشرط ، وأعنى عن جوابها لا يجرمنكم شنآن قوم . { وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِ } عمل الطاعة . { وَالتَّقوَى } اجتناب المعاصى ، أشد الحذر أمرنا الله أن يعين كل منا الآخر على ذلك بأى وجه أمكن ، مثل أن تأمر بالمعروف ، ومن تركه واجبا أو غير واجب ، جرى ذكره أو تستأنفه ، وتنهى عن الحلال والحرام ، وتأمره بالاتباع ، ومثل أن تراه يريد أن يفشى سرا المعصية من يفعلها ، أو خفت سيفعلها ذكرت أو يستأنف لها ، وتعلم له فتقول له لا تفعل . وعن ابن عباس البر متابعة السنة ، وما ذكرته أولى وهم أعم ، وهو رواية عنه أيضا . قال أحمد بن نصر الداودى ، قال ابن عباس البر ما أمرت به ، والتقوى ما نهيت عنه ، والمندوب اليه مأمور به أمر ندب على الصحيح عندى ، وقيل البر يتناول الواجب والمندوب فعلا وتركا ، والتقوى رعاية الواجب فعلا أو تركا ، وقيل هما بمعنى واحد ، وهو فعل الطاعة ، ترك المعصية . وعن وابصة بن معبد " أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال " جئت تسأل عن البر والاثم ؟ " قال نعم . قال " استفت قلبك ، البر ما اطمأنت اليه النفس واطمأن اليه القلب والاثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر وان أفتاك الناس أفتوك " . وعن النواس بن سمعان ، عن النبى صلى الله عليه وسلم " البر حسن الخلق والاثم ما حاك فى نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس " وللمعاون لأحد على الخير أو ترك الشر ثواب فعل الخير ، أو ترك الشر من غير أن ينقص للفاعل أو التارك أن فعل ، وله أيضا ذلك ، ولو لم يفعل . وفى الحديث " من سعى فى حاجة أخيه المسلم قضيت له أو لم تقض غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق " وعنه صلى الله عليه وسلم " الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه " . { وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ } أى لا تتعاونوا ، فحذفت احدى التاءين ، على الاثم المعصية ، والعدوان التعدى فى حقوق الخلق ، وعبارة بعض فى حدود الله ، والأظهر ما ذكرت ، نهانا الله أن نتعاون على الاثم والعدوان للتشفى والانتقام . { وَاتَقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ } فانتقامه أشد لمن لم يتقه بفعل الواجب وترك الحرام .