Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 45-45)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكَتَبنَا عَلَيْهِم } فرضنا عليهم . { فِيهَا } فى التوراة . { أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفسِ } الخبر كون خاص محذوف جوازاً ولم ينتقل عنهم ضميره ، ولم ينب عنه بالنفس ، هذا وفيما بعد أى أن تقتل بالنفس ، والباء سببية أو عوضية وكذا فيما بعد . { وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ } تفقأ بالعين . { وَالأَنفَ بِالأَنفِ } تجدع بالأنف . { وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ } تصلم بالأذن . { وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ } تقلع بالسن ، وذلك عطف على معمولى عامل ، كأنه قيل وان العين بالعين ، وان الأنف بالأنف ، وان الأذن بالأذن ، وان السن بالسن ، فالتوكيد مسلط فى كل ، وقرأهن الكسائى بالرفع عطف للحمل على نفسه أن واسمها وخبرها ، فالتأكيد ليس مسلطاً فيهن ، لأنهن لم يعطفن على ما أكد بأن ، بل على نفس أن وما بعدها ، فأما نصب كتبنا للمصدر من خبر أن فظاهر ، أى كتبنا عليهم فيها قتل النفس بالنفس ، وأما الجمل بعد فى قراءة الرفع هذه فانما يتوجه اليها كتبنا لتضمنه معنى قلنا ، ويجوز ان يكون التقدير وكذلك العين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن عطفاً على أن واسمها وخبرها . وان جعلنا الخبر كوناً عاماً مثل تكون بالنفس ، أو تستقر بالنفس ، صح انتقال ضميره الى بالنفس فيعطف العين على هذا الضمير عند من لا يوجب الفصل فى العطف على الضمير والمرفوع المتصل ، والصحيح أن يجب الفصل ويضعف عدم الفصل ، وأما اذا قدرنا الكون الخاص مثل مأخوذ ومقتولة ، أو تؤخذ ، فالفصل موجود ، لأن الكون الخاص حذر وفيه ضميره فقوله بالنفس فاصل . { وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ } وشأن الجروح قصاص ، أو الجروح ذات قصاص ، وقراءة الكسائى ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر بالرفع على حد قراءة الكسائى لما مر بالرفع ، وهو فى النصب والرفع اجمال بعد بيان كذا قيل ، ولعل المراد العموم بعد التخصيص ، فيدخل كل ما يمكن فيه القصاص كقطع الذكر أو البيضتين أو اليد أو الرجل من المفصل ، وأما ما لم يمكن حده فالأرش . وكانت اليهود غيروا الرجم كان النضير اذا قتلوا من قريظة أدوا لهم نصف الدية ، واذا قتل بنو قريظة منهم أدو الدية كاملة ، وقيل لا يقبلون الا بقتل من قريظة ، وقيل ان قبلوا الدية فلهم ديتان وقيل كانوا يقتلون بالنفس النفسين ، ويفقئون العينين بالعين ، ولعل ذلك فى أزمنة أو بلاد أو أقوام منه ، فحكى صاحب كل قول ما علم من ذلك ، فأخبر الله عز وجل سيدنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فى التوراة من حكم الرجم والقصاص ، وما فى الآية من القصاص مذكور فى التوراة ، وقيل تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم التوراة فيه ، وقيل أخذه من قصاص القتلى ، اذ هو تنبيه بالأعلى على الأدنى ، ويدل لهذا استثناء السنة المشرك والعبد لا يقتصان من الموحد والحر ، ولهما الأرش وان القتل وجب على اليهود ، ولم يجب فى شرعنا بدلنا أخذ الدية ، فعلمنا أن ذلك ليس تبعاً لما فى التوراة . وفى السؤالات ما نصه فان كان فى شريعة غير هذه ذكر شىء لم يكن فى هذه ، هل يعمل به ؟ قال نعم ، قال الله { وبهداهم اقتده } وقال بعضهم كل واحد منهم وشريعته ، قال الله تعالى { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } يعنى بقوله قال نعم ، قال أبو نوح نعم . وفى السؤالات فان قال هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متعبداً بشريعة من قبله ؟ قال كان عليه الصلاة والسلام متعبداً بشريعة من كان قبله ما لم تنسخ ، يعنى قال أبو عمرو عثمان بن خليفة وقيل لم يكن متعبداً بشىء من الشرائع الا شريعة أبيه ابراهيم ، قال الله تعالى { ثم أوحينا اليك أن اتبع ملة ابراهيم حنيفا } واختلف الناس فى شرع من قبلنا على خمسة أوجه فمنهم من قال ليس مشروعاً لنا ، وقال بعض هو شرع لنا الا ما ثبت نسخه ، وقيل شرع ابراهيم وحده لا غير ، وروى الشيخ أبو عمر ، وعن الشيخ ابن أيوب أن ليس شرع ابراهيم يلزمنا الا فى مناسك الحج ، ومنهم من قال شريعة موسى شريعة لنا الا ما نسخت منه شريعة عيسى ، ومنهم من قال شريعة عيسى شرع لنا دون غيرها ، وقال آخرون تعبدنا بشريعة نوح لقوله عز وجل { وان من شيعته لابراهيم } أى من دينه أى على دين نوح ، وقيل من ذريته ، وقال آخرون لم نتعبد بشىء من تلك الشرائع الا ما لا يجوز نسخه ، كالتوحيد ، أو محاسن الأخلاق ، واليه يتوجه قوله { فبهداهم اقتده } وبهذا القول يقول بعض أصحابنا لاجماع الأمة قاطبة على أن ليس على المجتهد أن يرجع الى ما فى كتب المتقدمة والسنين الماضية انتهى . ولا تتوهم أن ما فى أيدى أهل الكتاب اليوم يكون حجة ، ولا أن خبرهم حجة لأنهم مشركون وصفوا بالتحريف ، وانما ذلك بوحى الله الى رسوله أن هذا مما فى التوراة ، أو مما فى الانجيل ، أو نحو ذلك ، أو باخبار من أسلم منهم ، وكان مأمونا ثقة ، ثم رأيت والحمد لله فى الخازن أنه نقل عن أصحاب أبى حنيفة ، وبعض أصحاب الشافعى ، وأمحد فى احدى الروايتين عنه أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متعبداً بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحى اليه ، لا من جهة كتبهم ، ونقل أربابها الا ما نسخ ، واختاره ابن الحاجب ، لكن لم يعتبر قيد الوحى ، لأن ما بالوحى لا مانع منه ولا خلاف . قلت ليس كذلك لأنه ليس مرادهم بالوحى أن يوحى اليه افعل كذا أو لا تفعل كذا ، بل يوحى اليه أن كذا من شرع نبى الله فلان ، أو من كتاب الله كذا ، وأكثر الأشعرية ، وكل المعتزلة قالوا لم يتعبد بذلك ، واستدل من قال بالتعبدية بعمله بالقصاص من هذه الآية ، وأجاب المانع بأنه أوحى اليه أن يعمل بذلك ، أو عمل بالقياس على قصاص القتلى ، وعن ابن عباس كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ، فنزل { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } الآية . { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ } بالقصاص المفهوم من المقام ، أو من الجرح كذلك ، أو عن ثبوت النفس بالنفس ، والعين بالعين ، الخ اذا قدرنا المكون عاماً أو عن واحد مما ذكر من قبل النفس بالنفس وفقء العين بالعين الخ ، ومعنى التصدق بذلك العفو عن الجانى ، ففى القتل يعفو الولى فله الأجر ، وللمقتول أيضا ، وفى غيره يعفو المجنى عليه ، وقد يعفو المقتول أيضا قبل أن يموت ، وبعد أن ضَرب أو ضُرب فان ذلك تابع للجانى فى أمر آخرته والقتل ، وأما فى أمر الدية فقد يدركها الورثة أو الغرماء ، أو الموصى لهم فى بعض الصور على ما قررته فى الفقه . { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } تمحى له به ذنوبه كلها ، أو ما شاء الله منها ، ويمحى الباقى بغير ذلك ، قال ابن عمر يمحو عنه ذنوبه بقدر ما تصدق به ، قال الحسن ان كان أرشه عشر ديته حظ عشر ذنوبه أو تسعة فتسع ذنوبه ، وكذا أقل وأكثر ، فالهاء للمجنى عليه ، أو على وليه فى القتل ، قاله ابن عمر ، وعبد الله بن عمر ، وابن العاصى ، وابن مسعود ، والحسن ، ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم " ما من رجل يصاب بشىء فى جسده فيتصدق به الا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة " . وهذا يدل على أن الضمير للمجنى عليه ، ومثله ما اذا كان المجنى عليه وليه ، ويدل على أن العفو كفارة لبعض ذنوبه ، لأنه قال خطيئة بتاء لا هاء بعدها ، ولو كان بعدها لا احتمل الجنس احتمالا راجحاً ، ويدل لذلك أنه لو رددنا هاء له الى الجانى لم يبق رابط الجواب بالشرط ، فيكون كقولك من قام فانى قائم وهو مرجوح ، ولو قلنا خبر اسم الشرط جملة الشرط ، أو هى وجملة الجواب ، والعائد الجواب ، والخبر يقدر فانى قائم مثله وقبله أو نحو ذلك ، أو يقدر الجواب أى فمن تصدق به فهو غير هذا التصدق ، بل ينتفع الجانى لأنه كفارة له . وقد قال ابن عباس رضى الله عنه ، ومجاهد ، ومقاتل ، أن هاء له عائدة على الجانى ، ومعنى كون تصدق المجنى عليه أو على وليه بالقتل كفارة للجانى ، وأنه وقاية له ، ماحية للقصاص عنه والمؤاخذة ولو فى الآخرة ان تاب لم يؤخذ فى الآخرة ، وكفاه العفو ، ولو لم يعف صلحت توبته بالقود أو الدية أو الأرش ، والندم والعزم على عدم العود ، والصحيح عود الهاء لمن وهو المجنى عليه ، أو على وليه فى القتل لما مر ، ولأنه لا يحسن ان فعلت أنت كذا فهو كفارة لفلان ، ولو صح بالتأويل . وعن أنس ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع اليه شىء فى قصاص الا أمر فيه بعفو ، وهذا يناسب بعض مناسبة العود لمن ، وقيل معنى من تصدق به من أذعن للقصاص من نفسه ، فمكن منه صاحب الحق ، فذلك الأذعان كفارة له تمحى بها جنابته هذه ، ووجهه أن التكفير عن الجانى أحق بالذكر ، لأنه أشد احتياجاً الى التكفير ، ولأنه الذى ذكر عنه فى المقام ما يحتاج الى التكفير ، ولأن القصاص أصعب على الجانى فسهل له بذكر ثوابه ، فأنه لا توبة له الا باذعانه اليه الا ان عفا عنه صاحب الحق فى هذه الأمة ، أو أخذ الدية أو الأرش فما يبقى عليه الا الندم الى الله ، والعزم على عدم العود ، وقيل المعنى أنه ان لم يعلم الجانى فتاب فأقر وأذعن فاقراره واذعانه كفارة له . { وَمَن لَّم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ } بأن حكم بغيره أو ترك الحكم رأساً فتعطلت الأحكام ، ولا قائم بها أو لم يعلم الحكم الشرعى فترك الحكم فتعطل فرض الكفاية ، أو تحاكم اليه اثنان الى أن أظهر له الحق لصاحبه بعد ادلاء كل بحجته فسكت لا لشبهة ، ولا أمر يجوز له شرعاً . { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } لأنفسهم ولغيرهم .