Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 5-5)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ اليَومَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } كرر التأكيد ، وقيل الأول بيان للحلال وجواب للسؤال ، وهذا ذكر امتنانا من الله جل وعلا ، وقيل هذا بمعنى أنه أتم النعم باحلال الطيب ، كما أتم الدين وبيان أحكامه ، وقيل الطيبات أحدهما الحلال وفى الآخر المستلذات . { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُم وَطَعَامُكُم حِلٌّ لَّهُم } يعنى ذبائح اليهود والنصارى والصابئين ، الا الذين يعبدون النجوم ولا يقرءون الكتاب حل لنا معشر المسلمين ان أعطوا الجزية للامام العادل ، قيل أو لمن قادت ديانته من أهل الاسلام ، وقيل تحل مطلقا أعطوها أو لم يعطوها ، كان الامام أو لم يكن ، حاربوا أو سالموا ، وألحقت بهم السنة المجوس فى الزام الجزية خاصة ، فلا تحل ذبائح المجوس ، ولو أعطوا الجزية ، وكذا لا يحل نكاح نسائهم ، قال صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " يعنى فى الجزية خاصة ، لرواية " سنوا بهم سنة ، أهل الكتاب غير ناكحى نسائهم ولا آكلى ذبائحهم " وزعم ابن المسيب أنه اذا كان المسلم مريضا ، فأمر المجوس أن يذكر الله ويذبح فلا بأس ، وزعم أبو ثور أنه ان كان صحيحا ، وأمره فلا بأس وقد أساء . وأفادت الآية والأحاديث أنه يحل ما صاد الكتابى بجارحته من كلم أو غيره ، أو بمحدده وأنه ان أعطاك مكلبه فصدت به جاز ، ولو وجدت الصيد مقتولا . قيل لبعضهم ما تقول فى الرجل يستعير كلب اليهودى والنصرانى يصيد به ؟ قال لا بأس به انما هو بمنزلة شفرته ، يعنى مثل حديدته التى يذبح بها ، ولا يجوز ما صيد بكلاب المجوس ، ولا ما أخذت كلابهم الا ما أدركنا حيا وذكيناه . وعن الحسن أنه كره ما سوى كلاب المسلمين يقول الا ما علمتم أنتم ، لقوله تعالى { تعلمونهن مما علمكم } ولم تستثن الآية نصارى العرب ، فذبائحهم قبحهم الله حلال ، سئل ابن عباس عنها فقال حلال ، وقرأ { ومن يتولهم منكم فإِنه منهم } وبه قال الحسن وعطاء بن أبى رباح ، والشافعى ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهرى ، وحماد ، وأبو حنيفة ، ومالك وأحمد فى رواية عنه ، وانما أعنى بالعرب من دخل فى دين النصارى منهم وهو مشرك لم يسلم قط ، ولم يلده من أسلم ، وذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبى بكر وعمر وبعد ذلك ، أسلمت العرب كلهم والمشركون من العرب فى ذلك الزمان غسان وجذام وبجيلة وثعلبة . وقيل من دخل فى دين النصارى أو اليهود أو الصابئين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من سائر الأمم حلت ذبيحته ، ومن دخل فى دينهم من العرب فلا تحل ذبيحته ، وعن على بن أبى طالب لا تأكلوا من ذبائح نصارى بنى ثعلبة ، فانهم لم يتمسكوا بشىء من النصرانية الا بشرب الخمر ، وذلك قول ابن مسعود ، والشافعى ، وأحمد فى قوله عنه . وكذلك لم يستثن الله من يذكر المسيح ، قيل للحسن ان النصارى اذا ذبحوا قالوا باسم المسيح ، قال كلوا ذبائحهم ، فان الله أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون ، وكذا قال الشافعى ، وعطاء ، والجمهور أنه قد علم الله ما يقولون ، وأحل ذبائحهم . وعن الحسن اذا ذبح اليهودى أو النصرانى ، وذكر غير اسم الله فلا تأكل ، واذا غاب عنك فكل ، فقد أحله الله لك . وقال ابن عمر وربيعة ان ذكر يهودى أو نصرانى اسم غير الله فلا يؤكل ، وكذلك حلت ذبائح الصابئين العابدين للملائكة ، لكنهم يقرءون الكتاب ، وأما سائر المشركين فلا تؤكل ذبائحهم ، وانما فسرنا الطعام بالذبائح لأنه لا يحرم طعام أهل الكتاب المطلق ، والا حرم تمرهم وبرهم وشعيرهم ، ولأن الكلام قيل فى الذبائح فبلل أهل الكتاب حلال بلا كراهة ، لأن الأصل فى اباحة ذبائحهم أن يؤكل لحمهم بلا غسل فلا ينجس منهم الا ما ينجس من المسلمين كذا يقال ، وقيل ، بكراهة بللهم فينجس غسل لحمهم ، فتكون الآية أخرجت ذبائحهم عن حكم الميتة فقط . ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم لأبى ثعلبة الخشنى " ان وجدت غير آنيتهم فلا تأكل فى آنيتهم " وقيل ينجس بللهم ، وعنه صلى الله عليه وسلم " اغسل آنيتهم وكل فيها " ، وحمل الأمر بالغسل على الندب ، ليست الآية مجمعا على أن الطعام فيها الذبائح ، بل هو قول أصحابنا والجمهور ، وقيل هو كل ما يؤكل واختلفوا فيما لا يحل لهم من الشحوم ، وفى الذى يقولون له الطريف الصحيح أنه يحل لنا ذلك كله من ذبائحهم ، ثم أن فائدة قول الله جل وعلا { وَطَعَامُكُم حِلٌّ لَّهُم } أن أصل الذبائح التقرب ، فقد يتوهم أحد أنه لا يجوز لنا أن نعطيهم ما ذبحنا . وأفادت أنهم مخاطبون بفروع شرعنا ، وأنه لا سبت لهم قد حلت لهم ذبائح من يحل السبت بعد أن حرم ، وأنه تحت الذبائح منا لهم ، ولهم منا لا كالنكاح يحل أن نتزوج حرائرهم المحصنات ، ولا يحل لنا أن نزوجهم المسلمات . { وَالمُحصَنَاتُ مِنَ المؤمِنَاتِ } أى الحرائر ، لأن شأنها أن تحصن نفسها ، وباتفاق أيضا يجوز نكاح الاماء المؤمنات ، وانما اختلفوا فى وجوب خوف العنت ، وعدم القدرة على الحرة ، وقيل المحصنات العفائف من الحرائر الاماء . وعلى كل حال فذكر الاحصان بعث على التخير للنطف ، فلو تزوج أحد غير العفيفة التى لم يزن هو بها لم يفرق بينهما ، وقال بعض المؤمنة الزانية لا تدخل فى هذا التحليل الا ان تابت وحسنت توبتها ، وأراد رجل تزويج أخته فقالت أخاف فضيحتك أنى قد زنيت ، فذكرها لعمر فقال أليست قد تابت ؟ قال بلى ، قال فزوجها . { وَالمُحصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم } بينت السنة أنهن الحرائر المحصنات من أهل الكتاب ، وأنه لا يجوز نكاح اماء أهل الكتاب ولا تسريهن ، فالأولى تفسير المحصنات المذكورات قبل هؤلاء بالحرائر المحصنات من المؤمنين ، فيلتحق نكاح اماء المؤمنين وتسريهن بغير هذه الآية ، ومن أجاز نكاح البالغة الأمة الكتابية أو تسريها كفر ، ومن أجاز نكاح الطفلة أو تسريها من غيرهم لم يشرك . وعن أبى حنيفة الأمة الكتابية كالمسلمة ، فانظر شرحى على النيل ، وكان ابن عمر لا يرى نكاح الحرائر ممن يقول عزير ابن الله ، أو المسيح ابن الله ، أو من الصابئين العابدين للملائكة ، لأن ذلك شرك . قال عطاء رخص الله فى الكتابيات قبل أن تكثر المؤمنات ، وليس كذلك بل يكره كراهة فقط ، اذ كثرت المسلمات ، وليس لأحد أن يقول قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات } ناسخ لنكاح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، بل مخصوص العموم بقوله { وَالمُحصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم } وانما تحل الكتابية ان كانت من أهل الذمة ، وان كانت من أهل الحرب فلا الا ان أذعنت هى للذمة حلت . قال ابن عباس من نساء أهل الكتاب من يحل لنا ومنهن من لا يحل لنا ، وقرأ { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } الى { صاغرون } يعنى لا تحل الحربيات ، وهذا مذهبنا ، وزعم بعض غيرنا أنهن يحللن ، قيل تزوج عثمان بن عفان فاطمة بنت الفرافصة وهى نصرانية ، وتزوج طلحة ابن عبيد الله يهودية . والكتاب جنس الكتاب ، فصدق بالتوراة والانجيل ، ومن قبلكم متعلق بأوتوا ، وذلك أنا أوتينا القرآن من بعدهم والحمد لله . { إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، مهورهن أى اذا لم تتزوجوا على أن لا أجور لهن ، بل ذكرتم وأحضرتم أو عاجلتم أو أجلتم أو عفلتم أو سكنتم على أنه ذكر لكم ، أو طولبتم أعطيتم ، ومن يتزوج على أن لا أجر حرمت ان مسها على الأصح . { مُحْصِنِينَ } بهن . { غَيرَ مُسَافِحِينَ } لهن حالان من ضمير الرفع فى آتيتموهن ، أو غير حال من المستتر فى محصنين ، ومعنى محصنين مريدين احصان أنفسهم عن الزنى ، ومعنى غير مسافحين غير مريدين الزنى . { وَلا مُتَّخِذى أخدَانٍ } وصف مضاف للمفعول الثانى بعد حذف الأول ، أى ولا متخذينهن أخدانا أى صواحب لهم لأجل الزنى ، وليست هذه الأحوال الثلاثة مؤكدات لعاملهن وهو الفعل من قوله { آتَيْتُمُوهُنَّ } لأن الله جل وعلا ساق لفظ الآية على الألفاظ اللغوية المطلقة ، بل بمنزلة قولك وأحل لكم وطء المحصنات اذا آتيتموهن أجورهن بوطئهن محصنين أنفسهم بوطئهن ، غير مريديدن الزنى بهن ، ولا متخذينهن أخدانا ، والوطء يصدق بالوطء الحلال والحرام ، فما تم فهم النكاح الحلال الشرعى حتى قيل { وَلا مُتَّخِذى أخدَانٍ } على أن المراد بمسافحين زانون جهرا ، وبمتخذى أخدان الزنى سرا ، فبقى الزنى سرا غير مذكور حتى يقال { وَلا مُتَّخِذى أخدَانٍ } . والاحصان ولو كان عن الزنى كما مر لكن باعتبار الحقيقة ، وأما باعتبار مجرد اللفظ فيفسر بمجرد الاحصان عن وطء غيرهن مما ليس له زوجا ، ولا سرية . والسفاح فعال ، والمراد به معنى المجرد لا المفاعلة ، أى غير زانين بهن ، أو المفاعلة لأنه اذا زنى بها برضا فقد زنى كل بالآخر ، ومتخذى جمع مذكر سالم مضاف ، وكان أهل الجاهلية يعيرون من يزنى جهراً لا من يزنى سراً . { وَمَن يَكْفُر بِالإيمَانِ } أى بما يجب الايمان به ، فالايمان مصدر بمعنى المفعول ، أى المؤمن به بفتح الميم الثانية ، أو يبقى على أصله أى بأمر الايمان . { فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ } ذهب أجر عمله . { وَهُوَ فِى الأَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ } الجملة معطوفة على الجواب لكن الأولى فعلية ، وقد مقربة للاسمية أو حال والمعنى يخسر حظه من الجنة ، ويتحصل بحظه فى النار ، وسواء فى ذلك من لم يسلم قط فانه لا ثواب لأعماله التى عمل فى شركة أن مات مشركاً أو أسلم ثم ارتد فانه قد بطل ما عمل قبل الردة ، وفى الآخرة متعلق بمحذوف جوازاً أى وهو خاسر فى الآخرة ، والخبر هو المحذوف لم ينب عنه الجار والمجور { مِنَ الخَاسِرِينَ } متعلق بمحذوف وجوباً خبر ناب عنه الجار والمجرور أى ثابت من جملة الخاسرين ، ولا يتعلق بخاسرين بعده الا على قول من لا يجعل أل فى الوصف الصريح موصولة ، أو قول من زعم أنه يجوز تقديم معمول الصلة الظرفى . قال بعضهم لما نزل تحليل نساء أهل الكتاب ، قال بعض الصحابة كيف نتزوج نساء من غير أهل ديننا ؟ فزجرهم الله عن هذا القول باخباره بأن من أنكر من أمر الدين شيئاً فقد حبط عمله ، وهو فى الآخرة من الخاسرين ، وقيل لما أباح الله نكاح الكتابيات قلن فيما بينهن لولا أن الله قد رضى أعمالنا لم يبح للمؤمن تزوجنا ، فأنزل الله هذه الآية بمعنى أنه لا ثواب لهن فى الآخرة لكفرهن بالله ورسله والقرآن ، ولو حل تزوجهن ، وقيل ان أهل الكتاب ولو حصل لهم فى الدنيا فضيلة اباحة ذبائحهم ونسائهم ، وحرمة دمائهم وما لهم وأولادهم بالجزية ، لكن لا خير لهم عند الله لكفرهم ، والمذكور فى الآية الذبائح والنساء ، وذكرت تحريم الدماء وما بعدها اذ هذا التحريم سبب لذبائحهم ونكاح نسائهم ، اذا لو هيجوا بالقتل ، وأخذ المال والولد لم تبق مساكنة حتى تتزوج نساؤهم وجملة هو من الخاسرين كالتوليد لقوله { فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ } .