Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 12-12)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ لمن مَّا فى السَّماواتِ والأرْضِ } سؤال توبيخ بما عرفوه ، فإنهم عرفوا أن السماوات والأرض وما فيهما مالك لهُ تعالى ، وخلق لهُ كما قال { قُلْ للهِ } أى قُل هو الله ، فإنهم قد اعترفوا بذلك ، ولا يخالفونك ، ولا يمكن أن يجيبوا بغير ذلك ، فلا تتوقف حتى ينطقوا به جواباً ، وهذا الوجه أولى من أن يقال قل لمن ما فى السموات والأرض ، وقل أنت هو الله إن لم يجيبوك ، ولا تملك الأصنام نفعاً ولا ضراً لنفسها ولا لغيرها . { كَتَبَ على نَفْسه الرحْمة } أثبتها على نفسه تفصلا لا إيجاباً ، أى لا يجب على الله شئ ، لكن لابد من وقوعها ، لأنه لا يخلف الميعاد ، والمراد رحمة الدنيا والآخرة ، ومن ذلك الهداية إلى معرفته بالأدلة والكتب ، ومن ذلك إمهال الكافرين ، وعن أبى هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش أن رحمتى غلبت غضبى " وفى رواية " تغلب غضبى " وفى رواية " سبقت غضبى " ومعنى قضى الله الخلق أظهر قضاءه . قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام اسأل لنا ربك هل يصلى لعلنا نصلى بصلاة ربنا ؟ قال يا بنى إسرائيل اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ، فأوحى الله إليه إنما أرسلتك لتبلغهم عنى ، وتبلغنى عنهم ، قال يا رب يقولون ما قد سمعت ، يقولون أسأل ربك هل يصلى لعلنا نصلى بصلاة ربنا ؟ قال فاخبرهم أنى أصلى ، وأن صلاتى سبق رحمتى غضبى ، ولولا ذلك لهلكوا عن آخرهم . وعن أبى هريرة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وأنزل فى الأرض جزءاً واحداً ، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق ويتعاطفون ، والجن والإنس ، والبهائم والهوام ، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ولو يعلم الكافر بكل الذى عند الله من الرحمة لم ييأس من الرحمة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذى عند الله من العذاب لم يأمن العذاب " وفى الحديث " فى يوم القيامة يكمل مائة رحمة بما بقى من الرحمة التى أنزل فى الدنيا ، يرحم عباده مائة رحمة " وفى الحديث عن سلمان مرفوعاً " كل جزء طباق ما بين السماء والأرض " وعن عمر " قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى ، فإذا امرأة من السبى إذ وجدت صبياً فى السبى أخذته وألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أترون هذه المرأة طارحة ولدها فى النار وهى تقدر أن لا تطرحه ؟ " فقلنا لا والله يا رسول الله ، فقال الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها " { لَيجمعنَّكم إلى يَوم القيامة } والله ليجمعنكم فى يوم القيامة ، إلى بمعنى فى ، ولا يجوز أن تكون تقدير ليجمعنكم من قبوركم إلى يوم القيامة ، لأن الزمان لا يكون غاية للمكان ، والمكان لا يكون غاية للزمان ، ويجوز تقدير المكان ، فيصح أى ليجمعنكم من قبوركم إلى موقف يوم القيامة ، فيكون المكان غاية للمكان ، ويجوز أن يكون المعنى والله ليسكننكم فى القبور إلى يوم القيامة فيبعثكم ، ولا يصح أن يكون ليجمعنكم إلى يوم القيامة مع القسم المحذوف بدلا من الرحمة ، لأن الجملة لا تبدل من المفرد ، ولأن الجمع إلى يوم القيامة بعضه رحمة وهو جمع السعداء ، وبعضه غير رحمة وهو جمع الأشقياء ، فهو أعم من المبدل منه إلا عند مثبتى بدل الكل من البعض . وكذلك لا يكون ذلك بدلا من جملة كتب على نفسه الرحمة ، لأن كَتْب الرحمة أخص من الجمع من حيث إن الجمع نشر إلى الجنة وإلى النار ، فليسه كله رحمة إلا على ذا القول ، بل الشاهر أن الخطاب للكفار فقط ، وقد يدعى أن ذلك بدل إضراب من الجملة ، والتحقيق أن الجملة مستأنفة ، وعلى كل حال فالمراد البعث الجزاء ، ففيه وعيد الكفار ووعد للمؤمنين . { لا ريْبَ فيه } لا شك فى إتيان يوم القيامة ، الهاء ليوم القيامة ، ويجوز عودها إلى المدلول عليه بقوله تعالى { ليجمعنكم } لا شك فى الحشر ، ولا شك فى جمعكم فى القبور ، أى فى إسكانكم فيها ماكثين إلى يوم القيامة ، وجملة { لا ريب فيه } مستأنفة أو حال من يوم أو نعت لمصدر محذوف ، أى جمعاً لا ريب فيه . { الَّذين خَسرُوا أنفسهم } منصوب على الاختصاص من عموم كاف ليجمعنكم ، فإن لفظه عام ، والمراد به الكفار فقط على الظاهر ، فبين بالذين خسروا أنفسهم نحو ما أفصحكم وأكرمكم معشر العرب ، فى أخص ذا الخطاب الذين خسروا ، أنفسهم أو أعنى الذين خسروا أنفسهم ، وفى ذلك ذم لهم أو خبر لمحذوف ، أى هم الذين أو مبتدأ خبره جملة هم لا يؤمنون من قوله { فهم لا يؤمنُون } ثبتت فيه الفاء لشبه المبتدأ باسم الشرط فى العموم ، أو للإبهام وترتبه على خسرانهم ، كترتب الجواب على الشرط ، على معنى أنهم رسخوا فى الخسران ، بالتوغل فى إهمال نظر العقل ، وفى التقليد فصاروا لا يؤمنون بذلك ، وإما على أن الذين ليس مبتدأ ، فالفاء عاطفة على الصلة عطف اسمية على فعلية ، والفاء فى هذا الوجه أيضاً السببية والترتب ، ومعنى خسران أنفسهم تضييعها للنار ، أو تضييع الإسلام الذى ولدوا عليه .