Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 141-141)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وهُو الَّذى أنشَأ } خلق بإبداع { جنَّات } من بين الكروم { مَعْروشَاتٍ } مرفوعات الكروم على بناء يبنى لها ، أو على نحو خشب تغرز أو تمدها فتكون عليها { وغيرَ معْروشاتٍ } غير مرفوعات لم يبن لها ذلك ، ولم يغرز فتكون منبسطة على الأرض ، يقال عرّشت الكرم أعرشه بالتخفيف وبالتشديد إذا جعلته عريشا ، أى سقفاً على ما غرز له أو بنى ، أو رفعته على سقف سابق ، واعترش الكرم صار عريشاً على غيره أى سقفاً ، أو على سقف فالجنات المعروشات ، وغير المعروشات ، كلها من الكروم ، وذلك قول الضحاك ومجاهد ، ويسمى الكرم عريشاً . وقال ابن عباس والكلبى المعروشات كل ما ينفرش على الأرض ولا ساق له ، فيكون كسقف عليها كالكروم والقرع والبطيخ ، وفيه نظر ، فإنهُ لا يعهد نحو نبات القرع والبطيخ فى جنات ، وغير المعروشات ما لا يكون كالسقف على الأرض ، لأن له ساقاً يرفعه كالنخل والزرع وغير ذلك ، ونسب أيضا لابن عباس القول الأول ، وقيل المعروشات ما من شأنه أن يعرش عرش أو لم يعرش وهو ما فى البساتين المتخذة عند القرى والأمصار من الكروم وغيرها ، وغير المعروشات ما كان فى البرارى والجبال من الكروم وغيره ، فإنهُ لمن شأنه أن لا يعرش ، وفيه نظر ، لأنهُ لا تعهد تسمية الشجرة الواحدة أو اثنين جنة ، ولا تعهد الكثرة والاتصال فى البرارى إلا أن يعد شجر البرارى المثمرة ، وقيل المعروشات الكروم ، وغير المعروشات ما ينبت على الأرض ينبسط عليها . { والنَّخل والزَّرع } ذكرهما بالعطف على الجنات إذا لم يدخلا فى المعروشات وغير المعروشات وعلى دخولهما ، فذكرهما لأنهما المقصود الأصلى ، وكذا ذكر الزيتون والرمان والزرع وكلما يحرث كالبر والشعير ونحوهما ، وكاللفت والجزر ونحوهما . { مُخْتلفاً أُكُلُه } حلاوة وحموضة ، وجودة ورداءة ، وهيئة وقدرا ولونا ، والهاء للزرع والنخل وغيرهما ، بتأويل ما ذكر ، ولذلك أفرد ، أو أفرد باعتبار فرد فرد على العموم البدلى ، أى أكل كل واحد أو الهاء لأقرب مذكور وهو الزرع ، ويعلم الباقى بالقياس عليه ، قيل أو للنخل والباقى يحمل عليه ، واختص لأنه أول بالنسبة للزرع ، فهو كالعمدة مع فصله عما بعده ، ومختلفا حال مما عادت إليه هاء أكله وهى مقدرة لا مقارنة ، لأنه حال لأنشأ ليس فيه ما يؤكل ، فضلا عن أن يختلف هذا الذى يؤكل ، والأكل بضم الهمزة ما يؤكل وهو ثماره ، لكن الضم منقول عندنا للتنوين . { والزَّيتُون والرُّمان مُتشابهاً وغيرَ مُتشابهٍ } يتشابه بعضه مع بعض ، ولا يتشابه بعضه مع الآخر لوناً وطعماً ، وقدراً وهيئة ، وورقاً وثمراً ، ومر كلام فى ذلك عند قوله { وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات } الآية فإن هذه الآية وتلك سواء ذكر فيهما أنواعاً خسمة ، ولكن اختلف الترتيب بينهما ، ذكر هنالك الحب والنخل أولا لكونهما العمدة ، وذكر هنا العنب أولا لكونه ألذ مع ما زاد من تطريته بتنويعه إلى معروش وغيره ، إذا قلنا إنه العنب ، وذكر هنا متشابهاً مرتين ، وهنالك الأول مشْتبها ، والأخير متشابها لزيادة التأكيد هنا ، فإن متفاعلا أبلغ من مفتعل ، لأن التفاعل للمسابقة أظهر ، وما للمسابقة يشتد التفاوت فيه ، واختص المبالغة بما هنا لأنه ثانٍ بالنسبة لما هنالك ، وهكذا كان مترفاً تزداد تشديداً وكالمبالغة بثم فى قوله { كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون } دالة على ازدياد الإنذار والتشديد فيه ، وقال هنالك { انظروا إلى ثمره } قصداً للاستدلال على الوجود والوحدانية والقدرة التامة ، فالآية سبقت فى ذلك وقال هنا . { كلُوا من ثَمره إذا أثمرَ } وقرئ بضم الثاء والميم قصداً إلى ذكر الانتفاع والامتنان به ، والدلالة على وجود الله ، والقدرة التامة والوحدانية أحق بالتقديم ، لأن هذا هو المقصود بالذات ، أعنى ما ذكرته من الوجود والقدرة والوحدانية ، وهاء ثمره كهاء أكله ، ومعنى الأمر بالأكل من ثمره الأمر بالأكل منه ، ولو لم يدرك ، أو إباحة الأكل منه ، ولو قيل إيتاء حقه دفعاً لما يتوهم من تحريم الأكل منه ، لأن فيه حقا لأهله وهم المساكين ، وضمير أثمر عائد إلى ما عادت إليه الهاء لا إلى ثمره ، أى كلوا من ثمره إذا أخرج ثماراً ، وقد يعود إلى ثمره على معنى الإدراك ، أى إذا كمل ذلك الثمر بأن أدرك ، كما ضيقوا على أنفسهم بتحريم البحائر ونحوها ، وتحريم نصيب من الحرث والأنعام يجعلونه للأصنام وغير ذلك ، ويكون الأمر للإرشاد إذا كان أثمر بمعنى كمل ثمره بأن أدرك . { وآتُوا حقَّه يَوم حَصَاده } أوصلوا حقه الواجب فيه إلى أهه أعطوهم إياه وهم المساكين يوم قطعه ، والحصاد فى الآية أصل لقطع ثمر النخل وحقه والزكاة إذا بلغ ثمره خمسة أو ساق كما بينته السنة ، وكان الحب ثمراً أو براً أو شعيراً أو زبيباً أو ذرة أو سلتاً كما جاءت الآثار عندنا ، وقيل بالزكاة فى جميع الحبوب والثمار حتى الرمان والزيتون والتين والفول ، بتقدم عموم الجنات ، وعموم الزرع ، وقيل بوجوب الزكاة ولو فى القليل لعموم الآية ، وليس كذلك ، لأن السنة قد بينت . ومنها ما روى أنه صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فأمره أن يأخذ الزكاة من التمر والزبيب والبر والشعير والذرة ودخل السلت ، أما فى البر أو الشعير فقال صلى الله عليه وسلم " ليس فى الخضروات زكاة " وذلك الحق هو العشر فيما يسقى بلا علاج ، ونصفه فيما يسقى كالسقى على الناضح وغيره من الدواب ، وكالسقى بالدولاب والبابور ، ويعتبر الفرض يوم الحصاد ، فكلما حصد وجب فيه إذا جمع عرمة أو عرمات فلا يأكل منه إلا بحساب ، ولكن إن ضاع قبل الدوس والتصفية بلا تضييع لم تغرم فيه ، وإن جف ونقص عن النصاب وجبت بالقدر الذى هو حال الحصاد ، وذلك يوجب تحزيراً كما قيل أيضا تجب إذا أدركت فلا يأكل فى هذا القول إذا أدركت إلا بحساب ، وقيل تجب بالإدراك ويؤدى على الموجود فقط إذا دوس إذا أمرنا بالأكل منه إباحة وأمرنا بالإعطاء منه إذا حصد ، وذلك على الإمكان منه ما يمكن الإعطاء ، والكيل منه بمجرد القطع كالتمر . ومنه ما يحتاج للتصفية ، وعلى هذا فقال { يوم حصاده } تعجيلا وإنشاطا وترغيبا ، ولقربه حينئذ من التصفية ، فيوم بمعنى زمان ، ووقت حصاده وتصفيته زمان واحد متصل يحمل الإعطاء على قدر الإمكان وهو يمكن إذا صفى ، ومسائل الزكاة مبسوطة فى الفقه ، وحمل الآية على الزكاة الواجبة المعهودة هو قول ابن عباس ، وأنس ، وطاووس ، والحسن ، وجابر بن زيد ، وسعيد بن المسيب ، ومحمد بن الحنفية ، وقتادة . والزكاة مشروعة فى المدينة ، ففى هذا القول نزلت هذه الآية فى المدينة ، وجعلت فى هذا الموضع من الأنعام وهى محكمة ، وقيل ليست الآية فى الزكاة المذكورة ، بل المراد صدقة واجبة فى مكة عند الحصاد لا قبله ، ولا يؤخر فنسخت بآية الزكاة ، وعن ابن عباس نسخت آية الزكاة كل صدقة فى القرآن ، فإن كانت هذه غير الزكاة فقد نسخت بأول آية نزلت فى الزكاة ، وإن كانت هذه فى الزكاة فهى ناسخة لكل صدقة غير الزكاة . وقيل إن هذه غير الزكاة الواجبة المعهودة الآن ، وإنما غير واجبة ، فليست منسوخة بالزكاة ، بل بقى استحبابها ، وبه قال سعيد بن المسيب فى رواية عنه ، وهو قول مجاهد قال إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم منه شيئا قبل لقط السنبل ، فإذا دوسته وذريته فاطرح لهم منه ، وإذا عرفت كيله فاعزل زكاته عشره أو نصف عشره ، وهذا بيان الحق المندوب إليه ، وكذا بيانه على القول بأنه حق واجب غير الزكاة ، فإنه هو الذى ذكره من الطرح فى الوقتين ، ولكن لفظ الحق أنسب بالوجوب فقد وجب ، ثم نسخ بالزكاة ، وأنسب بأن يكون هو الزكاة ، لكن يضعفه لزوم إيجابه فى كل ما يخرجه ، وفى كل غلات الشجر المتخذ حتى الرمان . وقيل فى بيان الحق المذكور إنه غير الزكاة واجبا أو مندوبا إليه على القولين أنه إطعام من حضرك ، وترك ما سقط من الزروع والتمر لمن يلقطه ، وهو رواية عن الحسن ، وعطاء ، ومجاهد ، وحماد ، وعن ربيعة هو السنبل ، وعن مجاهد كانوا يلقون العذق عند الصرام فيأكل منه من مر ، وقيل كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيعلقونه فى جانب المسجد فيضربه بعصاه ، فما سقط أكله ، واتفقوا أن لا واجب من ذلك بعد نزول الزكاة ، قال صلى الله عليه وسلم للأعرابى القائل بعد ذكر الزكاة هل علىَّ غير ذلك ؟ قال " لا إلا أن تطوع " والحديث فى صحيح الربيع بن حبيب ، وقرأ غير الأخوين والحرمين بفتح حاء حصاده وذلك لغتان . { ولا تُسْرفوا } لا تجاوزوا ما حده الشرع بأن تنفقوا فى المعصية ولو قليلا كالنفقة على الصنم ، وتحريم نحو البحيرة وسهم الصنم ، أو تضيعوا أو تمنعوا الزكاة أو بعضها ، أو يأخذ السلطان الزكاة مما لم تجب فيه ، أو يأخذ أكثر مما وجب ، أو يعطوا ما لهم ويبقوا يتكففون الناس ، أو يحتاج عيالهم { ولا تبسطها كل البسط } قال سفيان ما أنفقت فى غير طاعة الله فهو سرف ولو قليل ، قال مجاهد لو أنفقت درهماً أو مداً فى معصية الله كنت مسرفاً ، قالا وما أنفقت فى طاعة الله فلا سرف ولو كان أباقبيس ذهبا إذا أبقى لنفسه ولعياله . ولما صرم ثابت بن قيس بن شماس خمسمائة نخلة فقسمها فى يوم واحد ، ولم يترك لأهله شيئا ، نزلت فيه { ولا تسرفوا } فهى مدنية ، ولعله فعل ذلك ، وقرأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى { ولا تسرفوا } وذلك لأنه لم يترك لعياله ، وكذا قال السدى الإسراف أن تعطى مالك وتقعد فقيراً ، قال الزجاج إن أعطى ولم يوصل لعياله شيئاً فقد أسرف ، وقد جاء فى الحديث " ابدأ بمن تعول " وعن سعيد الإسراف هنا منع الزكاة لأنه مجاوزة الحد . { إنَّه لا يحبُّ المسْرفينَ } لا يعد لهم ما يعد الحبيب لحبيبه ، بل يعاقبهم إذ لم يرض عن إسرافهم .