Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 148-148)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سيقُولُ الَّذينَ أشْركوا } مشركو قريش والعرب { لو شَاءَ اللهُ } أن لا نشرك نحن وآباؤنا ولا نحرم شيئا { ما أشْرَكْنا ولا آباؤنا } شيئا بالله تعالى ، وعطف آباؤنا على الضمير المرفوع المتصل لفصله بلا { ولا حَرَّمْنا } نحن وهم ، فهذا الضمير لهم ولآبائهم { مِنْ شئٍ } أى شيئا كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامى . ووجه احتجاجهم اغترارهم برحمة الله بالإمهال فقالوا لو كان الله ما شاء إشراكنا وتحريمنا لم يمهلنا ، بل يعجل بإهلاكنا ، فالمشيئة فى هذا الوجه فى كلامهم بمعنى الإباحة ، ويجوز أن يكون وجه احتجاجهم أنهم جعلوا قضاء الله إجباراً وسلبوا عن أنفسهم الاختيار ، أى هو الذى قضى علينا بالإشراك والتحريم ، فكيف تخرج عما قضاه علينا ؟ فهم فى هذا الوجه قدرية إجبار لما أشركنا وحرمنا علمنا أن الله أجبرنا على ذلك ، ولو شاء الله أن يجبرنا على ترك الإشراك والتحريم لفعل فلم نشرك ولم نحرم فلا عقاب علينا ، أو إنَّا على حق لا على باطل ، ولو كنا على باطل لأزالنا عنه ، فهذه الآية رد على المجبرة المشركين وغير المشركين كالمعتزلة . والجواب ان الله شاء كفر الكافرين ومعصيتهم بمعنى قضاها وخلقها ، وفعلوا هم باختيارهم ، ولولا ذلك لما أمر ونهى بالوحى والكتب والأنبياء والرسل ، وأثاب وعاقب ومدح وذم ، وكلهم يقرون بذلك فى الجملة ، ولو أنكر المشركون القرآن والله تعالى مريد لجميع الكائنات ، وشاء لها ولا عذر لأحد فى إرادة الله تعالى ومشيئته ، وإنما قدرت مفعول شرط أو من جنس الجواب ، لأن ذلك هو الغالب فيها ، ولم أحتج إلى تقديره بالرضا مع ذلك لما علمت من أن شاء فى كلامهم بمعنى أباح وهو نفس الرضا ، أو من أنهم يثبتون المشيئة بمعنى الإجبار ، والله عز وجل عاب عليهم ما زعموا من ذلك ، فتحمل من عيبه إياهم على ذلك أنه لم يبح الإشراك والتحريم ، أو لم يشأهما مشيئة إجبار . وبعد ما قررت الآية رأيت بعضا قدر لو شاء الله أن لا نشرك ولا نحرم مع رضاه بعدم الإشراك والتحريم ، ولا حاجة لذلك ، لأن ما ذكرته غنى عنه ، ولا ينافى عدم إمكان تفسير المشيئة بالإباحة فى قوله تعالى { ولو شاء لهداكم أجمعين } تفسيرها هنا بالإباحة ، لأن آية الأنعام هذه من كلامهم لا من كلامه تعالى ، ولو قال قائل لو شاء الله ما فعلت كذا من المعصية والطاعة ، بمعنى لو قضى عليه بذلك لم يخرج عما قضى ، بل ييسر لما قضى عليه باختياره لكان مدحاً لله تعالى ، وحقا واجباً ، ومما يرد به عليهم أن يقال لهم إنكم تحجون وتفعلون بعض مكارم الأخلاق ، وتحبون أن يمدحكم الله على ذلك ويثيبكم فى الدنيا ، وتتقربون إليه بالأصنام ، وتقولون تقربنا إلى الله زلفى ، فإن كان ما فعلتم ، من ذلك إجباراً من الله فلا مدح لكم ، ولا يثيبكم فى الدنيا ، كما لا يثيبكم فى الآخرة ، وأنتم أنكرتموها ، وإن لم يكن إجباراً منه فكيف تقولون إن الله أجبركم على الشر ولا يجبر على الخير . { كَذلكَ كذَّب الَّذينَ من قَبْلهم } كما كذبوك فى قولك إن ، إن الله لم يحرم هذه الأشياء التى حرموها ، وقولك إنه تعالى حرم الشرك كذب المشركون قبلهم أنبياءهم ورسلهم فيما يأمرونهم به ، وينهونهم عنه كالشرك ، وهذا يناسب قولى عنهم لو كنا على باطل لأزالنا عنه وهو تفسير المشيئة فى كلامهم بالإباحة ، لأنه صلى الله عليه وسلم يقول لهم لم يبح الله لكم ما تفعلونه فكذبوه ، وأما ما قلت من الوجه الآخر عنهم من أنهم أرادوا أنهم مجبرون على ما فعلوه فلا يناسب ما قبله ، لأنه لم يقل صلى الله عليه وسلم قبل هذه الآية إنكم لستم مجبرون حتى يكذبونه فيه ، ولو كان قد قاله لهم فى الجملة ، ومع ذلك أثبت هذا الوجه الأخير ، لأن ذكر العقاب لهم على أفعالهم وتسميتهم من المجرمين أو مجرمين كالتصريح بنفى الإجبار عنهم . وكذلك يناسب قولى عنهم لو كنا على باطل إلى آخر قوله تعالى بعد ذلك { قد علم شهداءكم } لأنه صريح فى أنهم يقولون إن الله هو الذى حرم ما حرمنا ، وإنا على حق ، لكن لا يمنع الوجه الآخر بهذه الآية لجواز أن الله يريد أن حجة الإجبار داحضة ، ولم يبق إلا أنكم مختارون ، وأن تقولوا إن ذلك التحريم حق من الله فأتوا بمن يشهد لكم على أنه حق منه تعالى . { حتَّى ذَاقُوا بَأسَنا } الذى أنزلناه عليهم لتكذيبهم ، فاحذروا أن ينزل بكم مثله لتكذيبهم كما كذبوا ، وقرئ يكذبوا بكسر الذال مخففة . { قُلْ هَلْ عنْدَكم من علمٍ } تعجيز وإنكار أن يكون لهم علم صحيح من الله ، يدل على أن الشرك وتحريم البحيرة وما معها حق من الله ، وعند متعلق بمحذوف خبر العلم ، أو رافع لعلم على الفاعلية لاعتماده على الاستفهام { فَتُخرجُوه لنا } تظهروه ، والنصب فى جواب الاستفهام إن كان لكم علم فأظهروه لنا فى صحة شرككم وتحريمكم ، كما أظهرنا لكم خطأكم ببرهان نقلى وعقلى . { إنْ تتَّبعُون إلا الظنَّ } تحسبون أنكم على حق ، وأنتم على باطل لما رأوا أمهلوا ظنوا أنهم على صواب { وإنْ أنتم إلا تخْرصُون } تكذبون أو تحذرون ، واتباع الظن لا يجوز ولا سيما فى الأصول وهى التوحيد ، وما يتصل به ، وأما المذاهب فى الفروع فظنية بالاجتهاد .