Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 59-59)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وعنْدَه مَفاتح الغَيْب } جمع مفتح بكسر الميم وفتح التاء بلا ألف بعدها ، وقيل يجوز أن يكون جمع مفتاح بالألف ، قلبت ياء فى الجمع وحذفت تخفيفا وهو خلاف الأصل ، وقرئ مفاتيح بالياء جمع مفتاح بالألف ، وترك الألف هو الأفصح ، والمراد بالمفاتح والمفاتيح ما يفتح به الباب ، ومفرداهما أسماء آلة ، وقراءة المفاتيح بالياء دلت أن المراد بالمفاتح بلا ياء جمع آلة الفتح ، والمعنى أن عنده لا عند غيره أمر المغيبات ، يخرجها ويظهرها إذا شاء ، لأنه عالم بها ، مالك لها ، كمن عندهم مفتاح البيت إذا شاء فتحه وأخرج مما فيه ، ولكن ليست الآية فى العطاء ، بل فى أنه تعالى يعلم الغيب ، فتكون تقريراً لقوله { والله أعلم بالظالمين } ولكن تحتمل أن تكون فى العطاء بمعنى أن عنده مفاتح الغيب ، إذا شاء أعطى من الغيب ، فعنده رزق هؤلاء الضعفاء المسلمين ، وسيفيض عليهم المال ، شبه الغيب بالخزائن المستوثق منها بالأقفال ، ولم يذكر المشبه به فرمز إلى التشبيه بذكر لازمه ، وهو آلة الفتح ، ويجوز أن يكون المفاتح بلا ياء جمع بفتح الميم والتاء بلا ألف وهو المخزن ، قال السدى مفاتح الغيب خزائن الغيب . { لا يعْلَمها إلاَّ هو } قال ابن عباس وابن عمر يرفعان الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة بمفاتح الغيب التى لا يعلمها إلا هو إلى الخمسة التى فى آخر لقمان { إن الله عنده علم الساعة } الآية ، قال موسى بن على ، عن أبيه كنت عند عمرو بن العاص بالإسكندرية ، وقال لهُ رجل زعم قسطال هذه المدينة أن القمر يكسف به الليلة ، وقال رجل كذب ، هذا ما ظننت أنكم تعلمون ما فى الأرض ، فكيف تعلمون ما فى السماء ، فقال عمرو بن العاص إن الله يقول { إن الله عنده علم الساعة } الآية ، وما سوى هذا يعلمه قوم ويجهله آخرون ، وفى رواية عن ابن عباس خزائن غيب السماوات والأرض من الأقدار والأرزاق ، وقال الضحاك ومقاتل مفاتح الغيب خزائن الأرض ، وعلم نزول العذاب ، وقال عطاء هو ما غاب عنكم من الثواب والعقاب ، وقيل انقضاء الأجل ، وعلم أحوال العباد من السعادة والشقاوة وخواتم أعمالها ، وقيل هو علم ما لم يكن أيكون أم لا يكون ، وعلم ما لا يكون كيف يكون لو كان يكون ، قال ابن مسعود رضى الله عنه أوتى نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شئ إلا مفاتح الغيب ، والآية نص فى أن الله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها . { ويعْلَم ما فى البرِّ والبَحْر } أى يعلم الغيب كما تشاهدون من البر والبحر ، وأل فى البر والبحر للاستغراق ، والبحر الماء المغرق مطلقاً ، والمراد هنا البحر المحيط والبحار الصغار والنيل ودجلة وغيرهما ، وعن مجاهد البر المفاوز والقفاز ، والبحر القرى والأمصار ، ويعلم ما فيها من كلام وأصوات وخواطر قلوب ، وكل ما فيها ، وما يحدث فيها من أجسام وأعراض ، والصحيح الأول وعليه الجمهور . { وما تسقُطُ مِن ورقةٍ إلا يعْلَمها } أى ما تسقط ورقة من شجرتها إلا يعلمها الله نفسها عينها ، ويعلم سقوطها ، وكم مرة تقلبت فى الهواء حتى وصلت إلى الأرض ، وعلى أى جهة وصلت ، ويعلم ما بقى فيها كذلك ، وكم هو ، وهذا نص فى علم جزئى دقيق ، وكذا ما بعده فيكون دليلا وبرهاناً على العلم الكلى الإجمالى فى قوله { وعنده مفاتح الغيب } إلخ وقوله { ويعلم ما } إلخ ، وذكر أولا أنهُ عالم بكل غيب فهو أعلم فى الغيوب ، وذكر بعد ما أنه عالم أيضا بما هو فى البر والبحر ، وهو مما نشاهد بعضه ، ثم ذكر أشياء دقيقة ، وجملة يعلمها حال من ورقة ولو نكرة لتقدم المعنى . { ولا حبَّةٍ فى ظُلُمات الأرض ولا رَطْب ولا يابِسٍ } معطوفات على ورقة ، أى ولا تسقط من حبة فى ظلمات الأرض ، ولا من رطب ولا يابس . { إلا فى كِتابٍ مُبِينٍ } يتعلق بمحذوف وجوباً حال من حبة ورطب ويابس ، كقولك ما جاء زيد إلا راكباً ولا عمرو إلا مسروراً ، فهو من العطف على معمولى عامل واحد ، لأن من صلة للتأكيد ، وإن اعتبرتها صح ، وكان عطفا على معمولى عاملين ، لكن المعمول الأول المعطوف عليه ، والمعمول الأول المعطوف عمل فى كل منهما عاملان . وهما من إذ عملت فى لفظ ورقة ولفظ حبة وتسقط ، إذ عمل فى تقدير ورقة وتقدير حبة هذا تحقيق المقام فى ما ظهر لى . ويجوز وجه آخر ، هو أن يعتبر قوله { ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس } فى نية التقديم على قوله { إلا يعلمها } ففى هذا الوجه يعود ضمير النصب فى يعلمها إلى ورقة وحبة ورطب ويابس ، لا إلى ورقة فقط كما فى الوجه الأول ، فالتقدير وما تسقط من ورقة ولا حبة فى ظلمات الأرض ، ولا رطب ولا يابس إلا يعلمها فى كتاب مبين ، فيكون قوله { إلا فى كتاب مبين } بدل كل من قوله { إلا يعلمها } إن فسرنا الكتاب المبين بعلم الله تعالى ، أو بدل اشتمال إن أريد به اللوح المحفوظ ، واختيار الفحر أنه علم الله تعالى ، وقرئ برفع حبة ورطب ويابس عطفاً على تقدير الرفع فى ورقة ، أو هو مبتدأ خبره فى كتاب ، وفى هذا الوجه خاصة ليس معنى { ولا حبة } إلخ أن سقوطها ثابت فى كتاب مبين ، بل جميع شأن الحبة ما بعدها فى كتاب مبين ، ولا شئ أخفى من حبة فى ظلمات الأرض وهى داخل الأرض لصغر الحبة وسعة ظلمات الأرض ، ولا يخرج شئ من المخلوقات عن الرطب واليابس ، فذلك كله تقدير لقوله { عنده مفاتح الغيب } و { فى ظلمات الأرض } نعت لحبة ، وسمى داخل الأرض ظلمة مع أنه لا هواء فى الأرض ، بل جسم منضم ، لأن داخل الجسم غير الأجوف ، ظلمة ، لأنه لا نور فيه ، ولأنه لو كان أجوف لكانت فيه ظلمة . والظاهر أن المراد إما حبة ما يزرع لو كانت فى داخل الأرض وعمقها ، وإما حبة تراب ، وقيل المراد الحبة التى ألقيت فى الأرض قبل أن تنبت ، وقيل الحبة التى فى الصخرة أسفل الأرضين ، وأما الرطب واليابس فعلى العموم السابق . وقال ابن عباس الرطب الماء ، واليابس البادية ، وقال عطاء الرطب واليابس ما ينبت وما لا ينبت ، وقيل الحى والميت ، وعن جعفر ابن محمد الورقة السقط من أولاد بنى آدم ، والحبة التى ليست بسقط ، الرطب الحى ، واليابس الميت ، قيل لا يصح ، هذا جار على الرموز لا يصح عنه ، ولا ينبغى أن يلتفت إليه ، ويجوز أن يكون ذكر الورقة والحبة تنبيهاً للملكين على أمر الحساب . قال عبد الله بن الحارث ما فى الأرض شجرة ولا مغرز إبرة إلا عليها ملك موكل يأت الله بعلمها ، بيبسها إذا يبست ، ورطبها إذا رطبت ، وقيل المعنى فى كتبها أن هذا ليس فيه ثواب ولا عقاب ، وهو مع ذلك مكتوب فكيف ما فيه ثواب أو عقاب ، قال الشيخ هود رحمه الله ذكروا أن سورة الأنعام نزلت جملة ، وشيعها سبعون ألف ملك ، ومع هذه الآية الواحدة منها اثنا عشر ألف ملك { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } إلى آخر الآية .