Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 61-61)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وهُو القاهِرُ فَوقَ عِبادهِ } القاهر لخلقه بما شاء بعد وجودهم ، والقاهر لهم بالإيجاد قيل الوجود ، بمعنى أنهم لا متنازع لهم عن الوجود إذا أراده ، وفوق حال مؤكدة لعاملها ، لأن القاهر للشئ يكون فوقه بالشأن والعظمة ، ويجوز أن يكون الحال غيره مؤكدة ، لأن القاهر قد يكون خبيثاً لا شرف له ، فتكون الحال مؤكدة ، لأن القهر فى الجملة قد يكون بلا شرف … وأريد بالفوقية عظمة الشأن والشرف ، وزعم سلف الأشعرية أن الفوقية فى صفة الله يجب الإيمان بها ، ويوكل علمها إلى الله ولا يؤولونها بعظمة الشأن ، وذلك خطأ منهم ، ثم إن القهر على أقسام منها قهر المخلوق على إيجاده بمعنى يوجده ، ولا يتعاصى عن الوجود ، وسواء للأجسام والأعراض ، ولا جسم بلا عرض ، ومنها قهر المخلوق على ما يكره ، ولا يستطيع دفعه ، ودخل فى القسم الأول فهو الظلمة بالنور ، والفقر بالغنى ، والضعف بالقوة ، والمرض بالصحة ، والليل بالنهار ، ونحو ذلك من الأضداد والمتناقضات ، كالذل بالعز ، وعكوس ذلك ، والحياة بالموت ، والعدم بالوجود ، ودخل قهر المتنافيات بالجمع كالروح مع البدن ، فالبدن جسم يفسد لا يبقى ، ليس فيه نور فهم ومعرفة ، كثيف سفلى ظلمانى ، ومع ذلك اجتمع مع الروح الذى ليس يفسد ، وهو نورانى ذو فهم ومعرفة ، لطيف وعلوى . { ويُرسل عَليْكم حَفظةً } ملائكة يحفظون أعمالكم وهم الكرام الكاتبون { وإنّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين } وحكمة إرسال الحفظة مع أن الله قادر على ابن آدم أن يحفظه عن الجن بدونهم ، إظهار شرف بنى آدم على الجن والملائكة إذا استخدم لهم الملائكة ، وحكمة إرسال الحفظة لحفظ الأعمال ، مع أن الله عالم بها أن يستحى ابن آدم منهم ، فلا يعصى الله ، لأن الله قد أخبرنا أن معكم ملائكة يحفظون أعمالكم ، ولو لم يرسل الملائكة لحفظ الأعمال لزدت يا ابن آدم جراءة على المعاصى . @ لعلمك إن الله عاف وستار أقل عثراتى فابن يوسف معثار @@ وأيضا إذ علمت أن أعمالك تكتب وتقرأ على رءوس الأشهاد قرب ما انزجرت ، قيل مع كل إنسان ملكان كانت الحسنات عن يمينه إذا قعد أو قام ، وكاتب السيئات عن يساره ، وإن اضطجع فكاتب الحسنات عند رأسه ، وكاتب السيئات عند رجليه ، وإن مشى فكانت الحسنات أمامه وكاتب السيئات خلفه ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، إذا فعل سيئة وأراد أن يكتبها قال له أمهل لعله يتوب ، فيهمل خمس ساعات ، وقيل سبعاً ، وقيل تسعا . وعن ابن عباس رضى الله عنهما مع كل مؤمن خمسة من الحفظة واحد عن يمينه يكتب الحسنات ، وواحد عن يساره يكتب السيئات ، وواحد أمامه يلقنه الخيرات ، وواحد خلفه يدفع عنه الآفات ، وواحد على ناصيته يكتب صلاته على النبى صلى الله عليه وسلم ويبلغها إليه ، وقيل مع كل مؤمن أربعة اثنان ليلا واثنان نهاراً وقيل ستون ، وقيل مائة وستون ، وقيل غير ذلك كما شهر فى شروح الحديث والفقه ، يدفعون عنه الشياطين ، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين . روى أن الأصمعى كان ينتقل فى قبائل العرب يكتب ما يسمع ، فقال له أعرابى ما أنت إلا كالحفظة ، تكتب لفظ اللفظة . وروى أن أبا حاتم السجستانى كان يكتب عن الأصمعى كل شئ يتلفظ من فوائد العلم ، فقال له الأصمعى أنت شبه الحفظة تكتب لفظ اللفظة ، فقال له أبو حاتم وهذا أيضا مما يكتب ، واختلفوا فى الحفظة فى الآية فقيل الذين يكتبون الأعمال ، قال صلى الله عليه وسلم " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " وبه قال السدى وغيره ، واستظهره بعض ، وقال بعض المفسرين المراد يحفظون الإنسان من كل سوء حتى يأتى أجله ، والعطف على قوله { هو القاهر } وأل فى القاهر اسم موصول بصورة حرف التعريف ، وهو فى نفسه بمعنى الذى ، وقاهر بمنزلة يقهر فيجوز عطف يرسل على قاهر ، لأن الفاصل ليس أجنبيا ، لأن قوله { فوق } متعلق بمحذوف حال ، وصاحب الحال ضمير قاهر ، وعامله قاهر ولا سيما أنه ظرف . { حتَّى إذا جاء أحدَكم الموتُ } وقت الموت . { توفَّته رُسُلنا } ملك الموت وأعوانه ، أى استوفوا روحه ، قال مجاهد جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست ، يتناول كل من شاء أن يتناوله ، وما من أهل بيت إلا ويطوف عليهم فى كل يوم مرتين ، والآية دليل على أن قوله تعالى { قل يتوفاكم ملك الموت } بمعنى يتوفاكم ملك الموت وأعوانه أو تنزعها الملائكة حتى إذا وصلت فى الحلقوم أخذها ملك الموت ، ومعنى قوله تعالى { الله يتوفى الأنفس } أنه خلق توفى الملائكة أو أمرهم بتوفيها ، وقيل إن الدنيا بين يديه كالمائدة الصغيرة ، يتناول من هاهنا ومن هاهنا ، وقيل إذا كثرت الأروح على ملك الموت دعاها فتستجيب لهُ ، وقيل المراد بالرسل ملك الموت جمع تعظيما ، قيل ينزعها الملائكة ، فإذا وصلت الحلقوم قبضها ملك الموت وأصحابنا رحمهم الله لا يجيزون أن يقال قبض الملك أو الملائكة أو ملك الموت الروح ، ولا يجيزون أن إسناد قبضها إلا إلى الله تعالى ، وقالوا من قال يقبضها ملك الموت أو الملك أو الملائكة أشرك ، وهو مشكل لوروده ، وقرأ حمزة توفاه رسلنا بألف ممالة ، وهو فعل ماض ويجوز أن يكون مضارعاً حذفت إحدى تاءيه ، وأصل الأول إذ لا دليل للثانى ، ولا داعى إليه إذ فيه الحذف . { وهُم لا يُفرِّطُون } لا يتأخرون عن توفيه إذا حضر موته ، ولا يقدمونه إذا لم يحضر ، ولا يتعدون ما حد لهم فى التسهيل والتشديد ، وعن على ، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار ، فقال صلى الله عليه وسلم " أرفق بصاحبى فإنه مؤمن " فقال أبشر يا محمد فإنى بكل مؤمن رفيق ، وإنى لأقبض روح ابن آدم ، فإذا صرخ صارخ من أهله قلت ما هذا إلا الصراخ ، فوالله ما ظلمناه ولا استبقينا من أجله فما لنا فى قبضه ذنب ، فإن ترضوا بما صنع الله تعالى تؤجروا ، وإن تسخطوا أو تجزعوا تأثموا ، وما لكم عندنا من عتبة ، وإن لنا عليكم لبغتة وعودة ، فالحذر الحذر ، وما من أهل بيت شعر ولا مدر ، فى بر ولا فى بحر ، إلا وأنا أتصفح فى وجوههم فى كل يوم وليلة خمس مرات حتى إنى لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، والله يا محمد لو أنى أردت أن أقبض بعوضة ما قدرت ذلك حتى يكون الله تعالى هو الآمر بقبضها " وفى الحديث إسناد القبض إلى ملك الموت .