Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 110-112)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يُريدُ أنْ يخْرجكُم } بسحْرِه { من أرضكم } أيها القبط ، وهى أرض مصر قال فرعون { فَماذا تأمُرونَ } أى تأمروننى أن أفعله فى دفعه ، وقرأ نافع فى رواية كردم منا ، وفى الشعراء بكسر النون ، وماذا مبتدأ فخبر ، أو خبر فمبتدأ ، وتأمرون صلة ذا ، وذا واقعة على الأمر ، والرابط ضمير الأمر مفعول مطلق ، أى فما الأمر الذى تأمرونيه ، أو ماذا مفعول تأمرون ، أى أى أمر تأمروننى ، وذلك أولى من كون التقدير فماذا تأمروننى به ، وتم كلام الملأ فى قوله { من أرضكم } . واستدل بعضهم بالآية على أن لفظ الأمر يطلق ولو من الأدنى إلى الأعلى ، وقد يجاب بأن الأمر هنا بمعنى الإشارة من آمرته بالمد فأمرنى بالقصر ، أى شاورته فأشار علىَّ ، كأنه قال فماذا تشيرون علىَّ أو بأن الأمر هنا بمعنى الشأن كأنه قال فما الشأن الذى ندخل فيه أو نعمل به ، أو قال ذلك تواضعا لهم وتسفلا ، بأنه محتاج إلى رأيهم ، أو أراد ماذا تأمرون رعيتكم لو كنتم سلاطين ، ووقعت هذه الواقعة فيها ، وهذا لا يناسبه رواية كردم ، وقيل الخطاب لفرعون ، وكان بلفظ الجميع تعظيما له ، ولأن الرعية تحت حكمه ، فكأنه هم والأول أوضح ويدل قوله { قالُوا أرْجِه وأخاهُ } أخر أمرهما لعل العجلة تكون عليك ، ولعلك إن قتلته قال الناس إنما قتله لعجزه عن محاورته وسحره ، وقال قتادة أرادوا بإرجائهما الحبس والسجن ، ورد بأنه ما كان ليقدر على حبسهما بعد ما رأى من أمر العصا ولا يشيرون إليه فى وقت الجد بما لا يمكن ، وهمزة { أرجه } مفتوحة وجيمه مكسور وهاءه مشبعة بياء ، ولا ياء ولا همزة بين الجيم والهاء ، هذه قراءة نافع رواها ورش وإسماعيل ، وهى من أرجأ بالألف بعد الجيم يرجيه بالياء بعده ، وكذلك قرأ الكسائى وقرأ نافع فى رواية قالون بلا ياء بعد الهاء اكتفاء بالكسر . ونظرا للياء المحذوفة قبل الهاء قال المبرد يجوز أن يكون المعنى أطمعه من الرجاء ، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب أرجئه من أرجأت بالهمزة ساكنة بعد الجيم وضم الهاء بدون واو بعدها ، والمعنى التأخير أيضا ، وقرأ ابن كثير أرجئه كذلك لكن بالواو بعد الهاء إشباعا نظرا لأصل الهاء مع إلغاء حكم الكسون قبلها ، وبهذا قرأ هشام كما قال الإمام أبو عمرو الدانى ، وقرأ عاصم وحمزة بسكون الهاء ولا ياء ولا همزة بينهما وبين الجيم ويكسران الجيم ، وقيل ذلك على لغة الوقف على هاء الضمير فى الوصل إذا تحرك ما قبلها . وقال القاضى على تنزيل الجيم والهاء المكسورتين المختلستين ، ووو العطف المنفصل عنهما بكونه كلمة وبالخط منزلة كلمة ثلاثية مكسورة الوسط ، والأول مخفف بإسكان الوسط ، وهو هنا الهاء كما يقال فى إبل بكسر الهمزة والباء إبل بسكون الباء ، ونسب القاضى بهذه القراءة إلى حفص يعنى عن عاصم ، واعترضه شيخ الإسلام بأن الصواب تركه ، لأن عاصما قرأ بذلك من طريقه . وأقول وجه كلام القاضى أن عاصما قرأ بذلك فى رواية عن حفص عنه ، وروى عن حفص عنه أنه قرأ أرجه بكسر الجيم وضم الهاء مختلستين ، وهو رواية عن الكسائى ، وعن إبان عن عاصم القراءة التى قبل هذه القراءة المروية عن الكسائى ، وقرأ ابن عامر فى رواية ابن ذكوان أرجئه بالهمزة وكسر الهاء ، قال الفارسى وهو غلط أى لأن الهاء لا تكسر إلا بعد كسرة أو ياء ساكنة ، وأجيب بأن الهمزة لما كانت تقلب ياء أجريت مجراها ، وإذا وقف على الهاء سكنت بلا خلاف إلا فى مذهب من ضمها بإشباع أو باختلاس ، فإن الروم والإشمام جائزان فيها . { وأرْسِلْ فى المدائنِ } أى إلى المدائن أو فى على أصلها ، كأنه قيل مكن وأوغل فى المدائن ، وهو جمع مدينة بوزن فعيله ، من مدن بالمكان أقام به ، فلذلك يهمز ومن قال الميم زائد والوزن مفعلة ، ونقلت حركة العين للدال من دان يدين لم يهمزه { حَاشِرينَ } جامعين يجمعون لكن من المدائن ما تريد وهو السحرة كما قال { يأتوكَ بكلِّ ساحرٍ عليمٍ } وهؤلاء الحاشرون طائفة من أعوان ولاته ، ويقال لهم الشرط بضم ففتح ، لأن عليهم علامات ، وإلاَّ شرط العلامات ، ويطلق الشرط أيضا على أعوان الملك أيضا ، قال الحسن قال له أصحابه لا تقتله فإن سحْر سحرتك يغلب سحره ، وإن قتلته أدخلت الشبهة فى أمره ، قال النقاش لم يكن يجالس فرعون ولد سوء ، وإنما كانوا أشرافا ولذا أشاروا بالإرجاء لا بالقتل ، وقالوا إن قتلته أدخلت على الناس شبهة ، ولكن اغلبه بالحجة . فأرسل إلى أقصى مدائن الصعيد وفيها رؤساء السحرة ، فإن غلبهم موسى صدقناه ، وإن غلبوه علمنا أنه ساحر ، فقال نعم ، لا نقابل موسى إلا بمن هو مثله ، أو أعلم منه ، وقال ابن عباس ، والسدى ، وابن إسحاق اتخذ غلمانا من بنى إسرائيل ، وبعث بهم إلى الفرما ، فتعلموا فيها السحر العظيم ، فجاءوا مع معلمهم ، وقال له ماذا صنعت ؟ قال له قد علمتهم سحراً لا يطلق إلا بأمر من السماء ، وروى أنه لم يترك ساحرا فى مملكته إلا أتى به ، ويأتى عددهم فى سورة طه إن شاء الله . وقال عطاء كان رئيس السحرة بأقصى مدائن الصعيد ، وله ولدان علمهما ، ثم مات ، وكان فرعون يعد فى مملكته السحرة لأمر إذا أتاه ، فلما جاءهما رسول فرعون قالا لأمهما دلينا على قبر أبينا ، وكان لم يعلماه ، فدلتهما فصاحا باسمه ، فأجابهما فقالا إن الملك وجه إلينا أن نقدم عليه ، لأنه أتاه رجلان لا سلاح ولا رجال معهما ، ومعهما عصا إذا ألقياها لا يقوم لها شىء ، تبلع الحديد والخشب والحجارة . فقال انظر إذا هما ناما ، فإن قدرتما أن تسلباه العصا فاسلباها ، فإن الساحر لا يعمل سحره وهو نائم ، فإن عملت العصى وهما نائمان فذلك أمر رب العالمين فلا طاقة لكما به ، ولا للملك ، ولا لجميع أهل الدنيا ، فأتياهما فى خفية وهما نائمان ليأخذاها فقصدتهما . وروى أن فى السحرة اثنين وسبعين شيخا قد انحنت ظهورهم من الكبر ، وأن على رأسهم سابور وعاد وروحفط ، وحطوط ومعصى ، وهم أول من آمن منهم . وقراءة حمزة والكسائى هنا وفى يونس بكل سحار ، واتفقت العشرة عليه فى الشعراء وهو صفة مبالغة ، نص فى عظم سحره ، بخلاف الساحر فإنه محتمل لعظيم السحر وصغيره ، ويبين بالقرينة كما بين عظمه بقوله { عليم } هذا هو الحق ، وادعى بعضهم أن الساحر هو المبتدئ فى صناعة السحر يتعلم ولا يعلم ، والسحار هو الماهر فيها ، وبعض أن الساحر هو الذى يكون سحره وقتا دون آخر ، والسحار الذى يدوم سحره ، وعليهما فمعنى { ساحر عليم } مبتدئ فى السحر ، أو واقع منه تارات وتمهر فيه بعد ذلك أو لازمه ، وأصل السحر العلم والفطنة ، وقيل إفساد الشىء ، فإن الساحر يفسد نظر العين ويأخذ به ، ويخيل الأمر على غير ما هو ، وربما سحر الدهن ، يقال سحر المطر الأرض أفسدها حتى لا يمكن فيها عمل .