Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 12-12)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ } الله بواسطة ملك أو خلق كلاما { مَا منَعَك } استفهام توبيخ ، ويترتب عليه إظهار عناده وكفره وكبره ، وافتخاره بأصله إذ أجاب { ألا تَسْجد } لا صلة منبهة على أن السجود متأكد عليه ومتحقق ، فكأنه قيل ما منعك أن تحقق السجود ، وقد كان عليك حقا لازما ؟ وأن الموبخ عليه ترك السجود ، ويقدر حرف الجر قبل أن ، أى مِنْ أن لا تسجد ، أو عن لا تسجد ، أو لا يقدر لأن منع قد يتعدى لاثنين ، فمصدر تسجد هو الثانى ، وقيل ضمن منع معنى اضطر فتقدر إلى ، وتكون لا نافية ، أى ما اضطرك إلى أن لا تسجد ، وقيل تقدر ما منعك من السجود وأحوجك إلى أن لا تسجد ، أو اضطرك إلى أن لا تسجد ، أو حملك على أن لا تسجد ، أو نحو ذلك ، وقيل ضمن ما منعك معنى من أمرك ، ويوضح زيادتها إساقطها فيما منعك أن تسجد . { إذ أمرْتُك } بالسجود متعلق بمنع أو بتسجد ، والآية دليل واضح على أن الأمر للوجوب والفور ما لم تصرفه قرينة ، وذلك أنه سبحانه وتعالى قطع عذره - أبعده الله - بعدم امتثال مجرد الأمر ، ولولا أنه للوجوب ما قطع عذره حتى يخبره بالوجوب ، إلا إن قيل أما التوبيخ فيكون لترك ما ينبغي ، كما يكون لترك الواجب ، وأما الطرد والإبعاد واللعنة والإهباط فى الآية وغيرها فلاستكباره ، لا لمجرد عدم امتثاله ، ثم تعين هذا عندى بالفاء ، ولو كان السجود عليه واجبا لدليل خارج ، وأيضا قد علم الله منه إباءه من السجود فى الفور والتراخى ، هذا أوضح ما ظهر لى أن يجيب به من قال ليس الأمر للوجوب والفور . { قالَ أنا خَيْر منْهُ } جواب لم يطابق أسلوب السؤال ، والذى يطابقه أن يقول مثلا منعنى أنى خير منه ، أو المانع أنى خير منه ، وعدل عن ذلك إلى ما قال ميلا عن التصريح فى الجواب إلى الكناية عنه بأن استأنف قصة أخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم ، وعلى علة الفضل ، فيعلم الجواب وزيادة وهى استبعاد أن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثل آدم وإنما يكون ذلك طبقا لسؤال أيكما أخير من صاحبه ، وقد قيل إنه جواب أحمق . { خَلقْتنى مِن نارٍ وخَلقْتَه مِنْ طينٍ } بيان لعلة خيريته ، وذلك أن النار أقوى من الطين ، وأنها مضيئة وصاعدة خفيفة متحركة ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لا أسجد ، قال أنا خير منه ، وأكبر سنا ، وأقوى خلقا ، وليس مجرد كبر السن بموجب فضلا ، وخفى عنه ، أبعده الله ، أن النار والتراب سواء ، فإنهما مخلوقان لله تعالى لا عقل لهما ، قيل وهما جمادان ، وإطلاق الجماد على النار بمعنى أنها غير حيوان ، وإلا فهى تنمو كالنبات وتتحرك . وهو أول من سن التكبر ، وأول من قال بالحسن والقبح العقليين ، والحق أنه لا تحسين ولا تقبيح للعقل مع ورود الشَّرع ، وأول من قاس قياسا فاسدا رأى الفضل كله باعتبار الأصل المخلوق منه ، وغفل عما يكون باعتبار الخالق ، فإن الله خلق بيده أى بلا واسطة ، وعما يكون باعتبار الصورة كما قال { ونفخت فيه من روحى } وقصر نظره على المبدأ ولم يدر ما تصير إليه الغاية ، فإنه يكون أعلم من الملائكة كما قال الله سبحانه ، وله خواص ليست لغيره ومعتمد إلا من خواتمه مع أن قياسه فاسد ، فإن الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع التى هى من طبع النار مرجوحة ناقصة ، وبها وقع فى الهلاك بخلاف الثقل والثبات والتواضع التى هى من طبع التراب فإنها راجحة حسنة ، وبها فاز آدم فثبت للتوبة والرجوع إلى الحق وسؤال المغفرة ومن تواضع لله رفعه الله ومن لم يتواضع خفضه الله والفضل إنما هو بالطاعة . قال الحسن وابن سيرين أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس ، قال الطبرى يعنيان القياس الفاسد ، ولم ينكر القياس ، قيل ذهب عنه ، لعنه الله ، أن الروح الذى نفخ فى آدم ليس من طين ، قلت فيه إنه خلق فيه الروح كما خلقه فى آدم ، نعم الروح الذى فى آدم روح شريف كما أضافه الله عز وجل لنفسه تعظيما له ، بخلاف روح إبليس فإنها خبيثة ، وغفل عما فى النار من الأضرار ، فإنها محرقة مفسدة ، فترى طبع الشياطين الفساد ، وكفر إبليس قيل كان جهلا لسلب العلم عنه فى ذلك الوقت ، وقيل كان عنادا وهو الصحيح عندى . وقال الثلاثى إنه بعيد ولو كان جائزا ، والآية دليل حدوث الوجود ، ودليل فساد الموجود ، أعنى فساده بالفناء والعدم ، ودليل على وجود الشياطين والجن ، وأنها أجسام ، ففيها رد على الزنادقة المنكرة لوجودهم ، وإضافة الإنسان إلى الطين ، والشيطان إلى النار ، باعتبار الجزاء الغالب ، وإلا فقد تركبا من الطبائع الأربع ، وتركب آدم عليه السلام من نفس الماء .