Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-150)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولمَّا رجَعَ مُوسى إلى قَوْمهِ } بنى إسرائيل من مناجات ربه { غَضْبانَ أسِفاً } حزينا عند ابن عباس والسدى ، وشديد الغضب عند أبى الدرداء ، قيل إذا جاءك ما تكره ممن تقدر عليه حزنت ، فالغضب هنا على قومه إذا اتخذوا العجل إلهاً ، والحزن من حيث إن الله فتنهم . { قالَ بئْسَما خَلفْتُمونى مِنْ بَعْدى } ما مصدرية ، أى بئس خلافتكم نكرة موصوفة بخلفتمونى ، واقعة على خلافة ، والرابط محذوف ، أى بئس خلافة خلفتمونيها وهى فاعل ، أو تمييز لفاعل مستتر ، والمخصوص بالذم محذوف ، أى خلافتكم ، والخطاب لعبدة العجل ، أى بئس مقام أقمتموه من بعد انطلاقى ، أو من بعد إيضاحى لكم الحق وهو التوحيد إذ عبدتموا العجل ، أو لهارون ومن معه من المؤمنين ، أى بئس مقام أقمتموه عنى من بعد انطلاقى أو إيضاحى ، إذ لم تكفوهم عن عبادة غير الله ، أو للكل وهو أفيد ، واختار بعضهم الثانى لقوله تعالى { اخلفنى فى قومى } وسكن غير نافع وابن كثير وأبى عمر ياء من بعدى . { أعجِلْتم أمْر ربِّكُم } منصوب على نزع الخافض ، أى عن أمر ربكم ، أى مأموره أو ضمن عجل معنى سبق فتعدى بنفسه ، أى أسبقتموه مثل من كان مماشيا للشىء ثم سبقه وتركه وراءه ، أو هو من عجل الذى بمعنى سبق لا المتعدى المضمن معنى سبق ، وذلك أنهم تركوا أمر الله غير تام ، وإتمامه أن يدوموا على العبادة والتوحيد ، أو أن وعد الله على تمام الأربعين فسبقوه بعبادة العجل ، أو قدروا موت موسى أو ضلاله عن الله ، وغيروا كما تغير الأمم بعد أنبيائها ، روى أن السامرى قال لهم بعد الثلاثين أو العشرين إن موسى لا يرجع وقد مات ، فأمر الله دينه أو وعده لموسى ، وقيل سخطه أى أعجلتم إلى سخطه . { وألْقى الألْواحَ } طرحها من شدة الغضب والحمية لدين الله ، وشدة ملله منهم ، كان يجتهد فى استقامتهم ، وما زالوا يعوجون فتكسرت بإلقائه ، فرفع من التوراة ستة أسباع ما فيها ، وهى تفصيل كل شىء ، وإخبار الغيب ، وبقى سبع هو المواعظ والأحكام ، والحلال والحرام ، ونفس الألواح باق لقوله { أخذ الألواح } وقيل لم تتكسر ولم يرفع منها شىء ، وقد قيل إن الألواح سبعة ، وفى ذلك مصداق لشيئين الأول ذم العَجَلة إذ غاب الله عليهم عجلهم أمر ربهم ، أى أعاملتم أمر الله بقبيح وهو العَجَلة ، وهى عمل الشىء قبل وقته ، وليس قول موسى { وعجلت إليك رب لترضى } دليلا على حسن العجلة كما قال بعض فإنه لا يخفى أن الوقوف على الشىء فى وقته إذا كان محدودا بوقت أولى ، بل أوجب ، وأما السرعة فغير مذمومة وهى عمل الشىء فى أول وقته . الثانى ما يقال من أنه ليس الخبر كالعيان ، فإن موسى قد أخبره بفتنة قومه بالعجل ، فلم يلق الألواح وهو مصدق بأخباره تصديقا راسخا ، فلما شاهد الأمر ألقاها . وما قيل عن قتادة من أنه ألقى الألواح لما رأى فيها من فضيلة لهذه الأمة ، لا لأمته غير صحيح عنه ، وغير جائز وصف موسى به ، ولو كان فى خلقه ضيق ولذلك أخا لى أحب بنى إسرائيل هارون منه ، إذا كان ألين وأسهل عليهما السلام ، وكان هارون حمولا ، وفى عرائس القرآن ألقى الألواح فتكسرت فصعدت منها ستة أسباعها ، وبقى سبع فى أعيدة له فى لوحين ، وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يرحم الله أخى موسى ما الخبر كالمعاينة ، لقد أخبره بفتنة قومه فلم يلق الألواح ، ولما عاين الفتنة ألقى الألواح فكسرها " ، وعن تميم الدارى " قلت يا رسول الله مررت بمدينة كيت وكيت - قرية من ساحل البحر - قال صلى الله عليه وسلم " تلك أنطاكية أما إن فى غار من غيرانها رضاضا من ألواح موسى ، وما من سحابة شرقية ولا غربية تمر عليها إلا ألقت عليها من بركاتها ، ولكن لا تذهب الليالى والأيام حتى يغزوها رجل من أهل بيتى يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما " . { وأخَذَ برأسِ أخِيهِ } هارون ، أى بشعر رأسه ، قال بعض وكان ذوائب وذلك بيمين موسى ، وأخذ بلحيته بشماله { يَجرُّه إليهِ } يجره موسى إلى نفسه غضبا إذ توهم أنه قصر فى كفهم ، وحق على الخليفة أن يسير بسيرة مستخلفه ، وقيل فعل ذلك ليدنو منه فيكلمه سرا ، فخشى هارون أن يتوهم الناظر إليهما أن ذلك لغضب ، ولذلك نهاه ورغَّب إليه ، وهو ضعيف لقوله { فرقت بين بنى إسرائيل } كذا قيل ، وكان هارون أكبر من موسى كما يأتى فى سورة طه إن شاء الله . { قالَ ابْنَ أمَّ } منادى بمحذوف وأم مضاف إليه ، والفتحة فيه لمناسبة الألف المحذوفة المبدلة عن ياء مضافة ، وقيل للتركيب تشبيها بخمسة عشر ، ونسب لسيبويه ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر فى رواية حمزة والكسائى بكسر الميم ، قال سيبويه حذفت الياء تخفيفا كحذفها من لا أبالى ، ولا أدرى ، أو لجعل الاسمين كاسم واحد منادى ، ثم أضافوه كقولك يا أحد عشرى اقبلوا ، كما يقال يا غلام بكسر الميم وهذا أقيس ا هـ بزيادة وإيضاح . وقيل الفتح تخفيف للطول ، وقرىء بإثبات الياء ، وقرىء بكسر الهمزة والميم وإضافة اللام لأنه كان أخاه لأمه ، وتضمن ذلك استعطافا ، وقيل كان أخاه لأبيه وأمه ، واقتصر على الأم استعطافا وترقيقا فى اختصار ، فإن الأم أرحم وأعظم حقا ، لأنها التى قاست فيه المخاوف والشدائد ، وذلك أدعى للعطف ، قيل ولأنها كانت مؤمنة واعتد بنسبها ا هـ اعتد بالنسبة إليها . { إنَّ القَوْم } عبدة العجل { اسْتضْعفُونى } اعتقدوا أنى ضعيف { وكادُوا يقْتُلوننى } لاجتهادى فى الوعظ والإنذار ، والنهى ولست مقصرا { فَلاَ تُشْمِت } تُفْرح فإن الشماتة الفرح ببلية العدو { بِىَ الأعْداءَ } بفعلك بى ما هو إهانة ومكروه ، وقرأ مجاهد فى حكاية أبى الفتح بفتح التاء والميم فقيل إن شمت قد يتعدى والأعداء مفعوله ، وقال أبو الفتح لا تشمت يا رب بى ، وجاز هذا كما قال { الله يستهزىء بهم } { ويمكر الله } { وهو خادعهم } للمناسبة ، أى أولا تشمت بى يا موسى ، والأعداء مفعول بتشمت بضم التاء وكسر الميم محذوفا متعديا بالهمزة كقراءة الجمهور ، قال عياض وفى كلام أبى الفتح تكلف ، وقرأ بن محيصن فى رواية المهدوى بفتح التاء وكسر الميم ، والكلام فيه كالكلام فى قرءاة مجاهد المذكورة ، وقرأ مجاهد فى رواية أبى حاتم بفتح التاء والميم ورفع الأعداء ، وكذا قرأ حميد بن قيس فى رواية أبى حاتم ، إلا أنه قرأ بالياء التحتية ، والمعنى عليهما نهى الأعداء عن الشماتة ، والمراد نهيه عن فعل ما يشتمون به ، وهذا كناية بذكر اللازم ، وإرادة الملزوم مثل قولهم أريتك هاهنا ، والمراد لا تكن هاهنا ، ومنه { فلا يكن فى صدرك حرج منه } { ولا تَجْعلنِى مَعَ القَوم الظَّالمينَ } بعبادة العجل فى عقابهم ، أو فى النسبة إلى الظلم ، فإنهم ظالمون بعبادته ، ولست بظالم بالتقصير ، فإننى لم أقصر فى نهيهم عنها .