Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 190-190)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلمَّا آتاهُما } أى آدم وحواء { صَالحاً } كما أرادا وكان ذكرا { جَعَلا } أى آدم وحواء { لَهُ } أى لله { شُركاءَ } أى شركة { فِيما آتاهُما } متعلق بجعلا أو بشركاء ، وفى ظرفية أو سببية ، وقرأ أبىّ شركاء فيه ، وكذا فى مصحفه ، وهذه الشركة هى اتباعهما إبليس فى قوله سمياه عبد الحارث ، وكان اسم إبليس فى الملائكة الحارث ، أو هى إضافته للحارث لا إشراك فى العبادة ، وسمى ذلك شركا بالنظر إلى اللغة إذ اتبعناه كما يتبعان أمر الله ، وأضافاه للحارث كما تضاف الأشياء لله ، وفى ذلك تلويح بعتابهما على ذلك ، أو بالنظر إلى علو مرتبتهما ، حتى يعد ذلك إشراكا مع أنه ليس بإشراك ، ولا سيما أن آدم نبى ، وإنما أراد بتسميته عبد الحارث أنه كان سبب حياته ، وسلامة أمة الحارث والإضافة تكون لأدنى ملابسة . وقد قال يوسف فى العزيز { إنه ربى } وأراد إنه مربينى وكافلى لا معبودى ، وتقول أنا عبد فلان تريد أنك تخدمه وتقوم بحقه ، لا أنه معبودك فعوتبا على التسمية بما يوهم الشرك ، وعلى النظر إلى السبب ، وقد فسر أبو عبيدة الشرك هنا بالحظ والنصيب . روى أن حواء لما حملت أول حمل لم تدر ما هو كما قرئ فمرت به بتخفيف الراء فجزعت لذلك ، فوجد إبليس لها سبيلا فقال لها حين أثقلت ما يدريك ما فى جوفك ؟ لعله خنزير أو حية أو بهيمة أو كلب أو حمار ، وروى أنه قال بها ما الذى فى بطنك ؟ فقالت ما أدرى ، قال إنى أخاف أن يكون بهيمة أو كلبا أو خنزيرا أترين فى الأرض إلا بهيمة أو نحوها ، قالت إنى أخاف بعض ذلك ، وكان فى صورة رجل لا تعرفه ، فقال وما يدريك من أين يخرج ؟ أينشق له بطنك فتموتى أو من فيك أو أنفك ؟ ولكن إن أطعتينى وسميتيه عبد الحارث فسأخلصه لك ، وأجعله بشرا مثلك ، فان لم تفعلى قتلته لك . فأخبرت آدم فقال لها ذلك صاحبنا الذى أغوانا فى الجنة ، لا نطيعه ، وقيل قال لها ما يدريك ما هو ؟ ومن أين يخرج ؟ خافت وذكرت لآدم فلم يُرَ إلا فى غم ، ثم عاد إليها إبليس فقال لها إنى من الله بمنزلة ، فإن دعوت الله أن يجعله خلقا سويًّا مثلك ويسهل خروجه فسميه عبد الحارث ، فذكرت ذلك لآدم فقال لعل ذلك صاحبنا فلا تطيعيه ، ولم يزل بها حتى سمياه عبد الحارث . وقال ابن عباس سمياه عبد الله فمات ، وولد آخر فسمياه عبيد الله فمات ، وولد آخر فسمياه عبد الرحمن فمات ، فقال لهما إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث ، فسميا الرابع عبد الحارث فعاش ، وقيل قال لهما هذا بعد موت الثانى ، فسميا الثالث عبد الحارث فعاش ، وروى أن الله سلطه على أولادهما فيموتون ، فقال ذلك . وفى رواية عن ابن عباس أتى آدم حين ولد له أول ولد فقال أنصحك فى شأن ولدك هذا سمه عبد الحارث ، فقال أعوذ بالله من طاعتك ، أطعتك فى أكلى من الشجرة فأخرجتنى من الجنة ، فلن أطيعك ، فمات وولد له ثان فقال أطعنى وإلا مات كما مات الأول فعصاه فمات ، فقال لا أزل أقتلهم حتى تسميه عبد الحارث ، وروى أنه لما ولَدَت أول أول ولد وقد قال لها ما خوفها به مما مر قال لها ألا تسميه بى كما وعدتنى ؟ قالت فما اسمك ؟ قال اسمى الحارث ، فسمته عبد الحارث ، وذلك أنه جاءها لما كانت حاملا فقال لها يا حواء ما الذى فى بطنك ؟ قلت لا أدرى ، قال لعله بهيمة من هذه البهائم ، قالت لا أدرى ، فأعرض عنها حتى أثقلت فقال لها كيف تجدين نفسك يا حواء ؟ قالت إنى أخاف أن يكون الذى خوفتنى ما أستطيع القيام إذا قعدت ، قال أفرأيت إن دعوت الله فجعله إنسانا مثلك أو مثل آدم أتسميه بى ؟ قالت نعم ، وقالت لآدم إن الذى فى بطنى بهيمة ، وإنى لا أجد له ثقلا . وروى أنه أتى آدم وقد مات له ولد اسمه عبد الله ، فقال إن شئت أن يعيش لك الولد فسمه عبد شمس فسماه ، وتم الكلام فى آدم وحواء واستأنفه فى مشركى مكة وغيرها بقوله { فتَعَالى اللهُ عمَّا يُشْركونَ } وهو حسن ، وعليه الطبرى ، لكن خصه بمشركى العرب وهو تحكم ، وقيل هذا فيهما أيضا ، وعبر عنهما بصيغة الجماعة مجازا أو لأن ألقها اثنان ، وقيل الضمير لهما ولإبليس لا اشتراكهم فى التسمية بعبد الحارث ، أو عبد شمس ، وهما قولان مقبولان أيضا ، وعلى هذا تم الكلام هنا ، أو فى ينصرون عليهما ، أو على إبليس . وقال الحسن ، وعكرمة إن فى الكلام حذفا الأصل جعل أولادهما له شركاء فيما آتاهم فحذف المضاف وهو أولاد ، فناب عنه المضاف إليه ، فاعتبر المضاف إليه دون المضاف ، فقيل فيما آتاهما لا فى ما آتاهم ، وقد اعتبر المضاف فى { فتعالى الله عما يشركون } الخ أو الأصل جعل أولادهما له شركاء فيما أتى أولادهما ، فحذفنا مضافان ، ولا يخفى إشراك بنى آدم غير الله فى العبادة وفى التسمية ، وقد سموا عبد العزى ، وعبد مناة ، وعبد مناف ، وعبد اللات ، وغير ذلك ، أو خوطب الأبوان آدم وحواء بفعل الأبناء ، كما جاء العكس وأعنى بالخطاب نسبة إليهما أو نسب إليهما فعل الأولاد ، لأنهما السبب فى وجودهم وفعلهم ، ولا ضير عليهما فى هذه السببية . وفى رواية عن عكرمة أن الله سبحانه خاطب بقوله { هو خلقكم من نفس واحدة } كل واحد على حدة ، فأبو زيد نفس واحدة ، وأبو عمرو نفس واحدة ، وأبو بكر نفس واحدة ، وأبو خالد نفس واحدة ، وهكذا فان كل واحد أبوه واحد لا متعدد ، أى خلق كل واحد من أبيه ، وجعل منها زوجها بمعنى وجعل من جنس النفس الواحدة زوجها آدمية مثلها ، ويجوز أن يكون الخطاب لقريش الذين فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم آل قصى ، خلقوا من نفس واحدة هى قصى ، وكان له زوج من جنسه آدمية عربية ، قرشية ، ولما تغشاها حملت حملا خفيفا ، ولما ولد اسميا أولادهما عبد العزى ، وعبد قصى ، وعبد مناف ، وعبد الدار ، فضمير التثنية لهما ، وضمير الجمع لهما ، ولأعقابهما المقتدين بهما ، أو لعامة المشركين ، وبه قال ابن كيسان ، واستحسنه جار الله وغيره . وقد قرأ غير نافع ، وأبى بكر ، وابن عباس ، وشيبة ، وعكرمة ، ومجاهد ، وإبان بن ثعلب ، وأبى جعفر جعلا له شركاء بضم الشين وفتح الراء والمد ، وهى أنسب بقول الحسن وعكرمة فى روايته ، وهذا الاحتمال الأخير ، وكذا قرأ حفص ، وأهل هذه القراءة لا يقولون بأن آدم وحواء هما بأنفسهما أشركا بالتسمية أو باتباع إبليس فيها ، لأنهما اتبعاه فى تسمية واحدة لولد واحد . وإن قلت فما وجه قراءة نافع ، ومن ذكرت معه بكسر الشين وإسكان الراء وتنوين الكاف على تأويل الحسن وعكرمة والوجه الأخير ؟ قلت وجهها أن الشرك مصدر أو اسمه يصدق على إشراكة واحدة ، وعلى شركاء ، أو الأصل ذوى شرك وهم الشركاء ، وقيل ، كما مر عن الحسن ، وعكرمة لكن فى اليهود والنصارى ، رزقوا أولادا فهوًّدوهم ونصَّروهم ، والصحيح أن نافعا وغيره قرءوا عما يشركون بالتحتية ، وروى عنه وعن الحسن وأبى جعفر وأبى عمرو وعاصم بالفوقية .