Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 79-79)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فتولَّى } أعرض { عَنْهم } عقب هلاكهم { وقَالَ يا قَوْم لَقَد أبلغتُكم رسالاتِ ربِّى ونَصحتُ لكُم ولكنْ لا تُحبُّون النَّاصحِينَ } وذلك أن كلام الناصح صعب لمضادته لشهوة المنصوح ، وإنما كلم الموتى تفجعا عليهم وتحسراً على إيمانهم ، أو لأنهم يسمعونه توبيخا وتقريعا ، وقد اشتهر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم موتى بدر الكفرة بعد إلقائهم فى القليب " يا فلان يا فلان إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ " وقال عمر يا رسول الله كيف تكلم أقواما موتى ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم لكن لا يجيبون " " كما يأتى إن شاء الله . وفى خطاب صالح بذلك عبرة لمن يأتى وزجر ، وقيل تولى عنهم وهم أحياء ، وخاطبهم بذلك أحياء قبل نزول العذاب ، والصحيح عندى الأول ، وأما الثانى فترده الفاء إلا أن يقال الترتيب الذكرى ، أو بمعنى الواو العاطفة المقدم على الآخر ، ولا دليل له فيما قيل إنه لم تهلك أمة ونبيها ، فإن معناه ونبيها بينهم ، وأما أن تهلك هو بمعزل عنهم ، خارج عنهم فواقع ، نعم يتعين ذلك القائل الثانى أن الأصح ما روى أنه ارتحل بمن معه حتى جاء مكة فما أقام بها حتى صيح عليهم . قال فى عرائس القرآن عزت ثمود وكثرت بعد عاد ، وجعل أحدهم يبنى المسكن من المدر فيهدم وهو حى ، فاتخذوا الجبال بيوتا ، وكانوا فى سعة معاش وخالفوا أمر الله ، وعبدوا غيره ، فبعث الله إليهم صالحا وهو شاب يدعوهم حتى كان أشمط ، وما آمن إلا قليل مستضعفون قلت وقيل بعث إليهم وهو غلام ، فكان يدعوهم حتى شمط . وقيل بعث إليهم لأربعين عاما من عمره ، وبقى فيهم عشرين عاما ، ولما ألح عليهم صالح بالدعاء وأكثر التحذير والتخويف سألوه أن يريهم آية تكون مصدقة لما يقول ، ويعتبرون بها ، قال أى آية تريدون ؟ قالوا تخرج معنا إلى عيدنا ، وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم فى يوم معلوم من السنة ، فتدعو إلهك وندعوا إلهنا ، فإن استجاب لك اتبعناك أو لنا اتبعنا ، قال نعم ، فخرجوا بأصنامهم إلى عيدهم فدعوا أن لا يستجاب لصاللح فى شىء مما يدعو به . ثم قال جندع بن عمرو بن حواش ، وروى جدع بإسقاط النون بعد ما دعوها ولم تستجب ، وهو سيد ثمود يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة ، وكانت صخرة منفردة عن البلد فى ناحية البحر يقال لها الكاثبة ، وقيل قالوا من هذه الهضبة وهى أيضا الصخرة أخرج ناقة مخترجة ، أى على صورة البعير جوفاء ، أى لها بطن كبير ، أو فى بطنها جنين وبراء ، أى لها وبر ، فإن فعلت ذلك صدقناك ، فأخذ عليهم الميثاق على ذلك ، فصلى ركعتين ودعا الله فتمخضت الصخرة تمخض الثلوج لولدها ، وتحركت فانصدعت عن ناقة مخترجة جوفاء وبراء كما قالوا عشراء أى أتى عليها عشرة أشهر منذ نتجت ، لا يعلم ما بين جنبيها وعظمها إلا الله ، وخرج معها سَقَبها بفتح السين والقاف ، وهو ولد الناقة الذكر . وقيل خرجت وهى حامل به ثم ولدته وهو مثلها فى العظم ، وقد فسر بعضهم العشراء بالتى أتى عليها عشرة أشهر منذ حملت ، فآمن به جندع بن عمرو ورهط من قومه ، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ، فنهاهم دواب بن عمرو بن لبيد ، وروى ابن لبيب والحباب صاحبا أوثانهم ، وربان بن صمغر كاهنهم ، وكان لجندع ابن أم له اسمه شهاب أراد أن يؤمن فنهاه هؤلاء . وقيل خرجت الناقة وحدها غير حامل ، وضاربها جمل من جمالهم فحملت بفصيلها المشهور ، ولما خرجت قال لهم { هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } فكانت ترعى هى وولدها ، وإذا كان يومها وضعت رأسها فى بئر الحجر يقال لها بئر الناقة ، فيرتفع الماء إليها فما ترفع رأسها حتى يفرغ الماء ، ولم تبق فيها قطرة ، ولعل فصيلها يشرب مما يجتمع بعد ذلك فى اليوم أو من غيره أو فى يومهم . وقيل إن ماءهم من جبل لآخر تشربه كله فى يومها لعظمها ، وإذا شربت وسعت ما بين رجليها فيحلبون ما شاء من لبن ويشربون ويملئون أوانيهم ، ويدخرون ، وتصدر من غير الفج الذى وردت منه لضيقه عنها بعد شربها . قال أبو موسى الأشعرى أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا ، وإذا كان الغد شربوا هم ودوابهم وادخروا ليومها ، وكانوا منها فى ساعة ونصف بظهر الوادى ، فتهرب أغنامهم ودوابهم كلها خوفا منها إلى بطنه فى حر وجدب ، وتشتوا فى بطنه فتهرب دوابهم إلى ظهره فى برد وجدب ، فأضر ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار ، وكانت الناقة ترعى وادى الحجر كله ، وشق ذلك عليهم وقالوا ما نصنع باللبن ، الماء أحب إلينا منه ، نسقى حروثنا به ، ونستقل به نحن ودوابنا ، وننتفع وحدنا بالحشيش ، وحملهم ذلك على عقرها . وكانت امرأة من ثمود يقال لها عنيزة بنت غنم بن مخلد ، وكانت عجوزا مسنة ولها بنات حسان ومال كثير من الإبل والبقر والغنم ، وامرأة أخرى يقال لها صدق بنت المحيا بن دهر ، وقيل بنت المختار ابن دهر ، وكانت غنية جميلة ذات مواش كثيرة من إبل وبقر وغنم ، وكانتا شديدتى العداوة لصالح عليه السلام لماشيتهما . وكانت صدوق عند ابن خال لها يقال له خيثم بن مراوة بن سعيد ابن الغضريف بن هليل ، أسلم وحسن إسلامه ، وقد وضعت مالها عنده فأنفقه على من أسلم ، فعاتبته على ذلك وما بقى إلا قليل ، فأظهر للها دينه ودعاها إلى الله فأبت وشنعت ، فأخذت أولادها منه فغيبتهم فى بنى عبيد الذين هى منهم ، فقال لها خيثم رديهم علىَّ ، فقالت لا ، وألح عليها ، فقالت حتى أنافرك إلى بنى عبيد وبنى جدع بن عبيد ، فقال خيثم أنافرك إلى بنى مرداس بن عبيد وهم مسلمون ، فقالت لا أنافرك إلا لمن دعوتك إليهم ، فقال لها بنو مرداس والله لتعطينهم له طائعة أو كارهة ، فأعطته إياهم . ثم إن صدوق وعنيزة تحيلتا فى عقرها للشقاء الذى كتب الله عليهما ، فدعت صدوق رجلا من ثمود يقال له الحباب لعقرها ، وعرضت عليه نفسها إن فعل فأبى ، فدعت ابن عم لها يقال له مصدع بن مهرج بن المحيى ، وجعلت له نفسها على أن يعقر الناقة ، وكانت من أوفر الناس حالا وأكثرهم مالا وأحسنهم نسبا ، فأجابها إلى ذلك . ودعت عنيزة وهى امرأة دواب بن عمرو ، قدار بن سالف من أهل قرح ، واسم أمه قديرة ، وكان أحمر أزرق قصيرا وقالوا إنه لزنى من رجل يقال له ضبيان ، ولد على فراش سالف ، فقالت له أعطيك أى بناتى شئت على أن تعقر الناقة ، وكان عزيزا فى قومه شريرا ، فذهبا فاستغووا غواة ثمود فاتبعهم سبعة ، فذلك تسعة رهط يفسدون فى الأرض ولا يصلحون ، تأتى أسماؤهم فى النمل إن شاء الله ، قيل منهم داعر بن دواب بن أخى مصدع ، واجتمعا على عقرها . قال السدى أوحى الله إلى صالح أن قومك سيعقرون الناقة ، فقال لهم ذلك ، قالوا ما كنا لنفعل ذلك ، فقال إنه سيولد لكم فى شهركم غلام يعقرها ، ويكون هلاككم على يديه ، فقالوا لا يولد ولد فى هذا الشهر إلا قتلناه ، فولد التسعة منهم فى ذلك الشهر بنون فذبحوهم ، وولد للعاشر فأبى ذبحه لأنه لم يولد له قبل ذلك ، وكان أحمر أزرق ، نبت نباتا سريعا ، وكان إذا مر بالتسعة فرأوه ندموا على ذبح أولادهم ، وغضبوا على صالح لأنه السبب فى قتل أولادهم ، ولم يكن قتلهم برضا منهم ، فتقاسموا لنبيتنه وأهله ، نخرج فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى السفر ، ونأتى الغار فنكون فيه ، حتى إذا جاء الليل خرج صالح إلى مصلاه فنقتله ، ثم نرجع إلى الغار فنكون فيه حتى تمضى ليال وأيام ، ثم نرجع فنقول ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون فيصدقوننا . وكان صالح لا ينام فى القرية معهم ، وكان يأوى إلى مسجد يقال له مسجد صالح فيبيت فيه ، فإذا أصبح توعَّدهم وذكرهم ، فإذا أمسى خرج إلى المسجد ، فدخلوا الغار ليخرجوا القتلة ليلا ، فسقطت عليهم صخرة فقتلتهم ، فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك ، فإذا هم قد رضخوا ، فرجعوا يقولون ويصيحون أيا عباد الله ، أما قنع صالح بأن أمرهم بقتل أولادهم حتى قتلهم ، فاجتمعوا على عقر الناقة . وقال ابن إسحاق إنما تقاسمت التسعة على قتل صالح بعد عقر الناقة وقالوا تعالوا نقتله ، فإن كان صادقا كنا قد عجلنا قتله ، وإن كان كاذبا قد ألحقناه بناقته ، فأتوه ليلا فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلما أبطئوا انطلق أصحابهم إلى منزل صالح فوجدوهم مشدخين ، فقالوا لصالح أنت قتلتهم ، وهموا بقتله ، فقامت عشيرته دونه ، وأخذوا السلاح وقالوا لهم والله لا تقتلوه أبدا وقد وعدكم أن العذاب واقع بكم فى ثلاث ، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضبا ، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون فانصرفوا . قال السدى كان ابن العاشر يشب فى اليوم ما يشب غيره فى جمعة ، وفى الشهر ما يشب غيره فى السنة ، وهو قدار ، فلما كبر جلس مع أناس يشربون الخمر ، فأرادوا ماء يمزجونها به ، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة ، فوجدوا الماء قد شربته الناقة ، فاشتد ذلك عليهم ، فقال لهم هل لكم أن أعقرها ؟ قالوا نعم . وقال كعب كان سبب عقرهم الناقة ، أن امرأة يقال لها ملكة ، كانت قد ملكت ثمود ، فلما أقبل الناس على صالح ، وصارت الرياسة إليه ، حسدته فقالت لامرأة يقال لها قبال ، وكانت معشوقة مصدع بن مهرج ، ومصدع بن دهر ، وكان يجتمعان معها كل ليلة ، ويشربون الخمر فقالت لها ملكة إن أتاك الليلة قدار ومصدع فلا تطيعهما وقولى لهما إن الملكة حزينة لأجل صالح وناقته ، ولا نطيعكما حتى تعقرا الناقة ، فإن عقرتماها أطعتكما ، فلما أتياها قالت هذه المقالة ، فقالوا نحن نكون من وراء عقرها ، فانطلقوا قدار ومصدع وأصحابهما السبعة ، فرصدوا الناقة حين صدرت من الماء ، وقد كمن لها قدار فى أصل شجرة على طريقها ، وكمن لها مصدع فى أصل شجرة أخرى ، فمرت الناقة على مصدع فرماها بسهم ، فانتظم فى عضلة ساقها ، وخرجت لهم غنم وعنيزة ، وأمرت ابنتها ، وكانت من أحسن النساء ، فأسفرت لقدار وحرضته على عقرها ، فشد عليها بالسيف ، فكشف عن عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة ، ثم طعنها فى لبنها فنحرها ، وخرج أهل البلد فقسموا لحمها وطبخوه . فلما رأى سبقها ذلك انطلق حتى أتى جبلا منيعا يقال له ضوء ، وقيل صبور ، وقيل قاره ، وروى ذلك مسندا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتى صالحا آت فقال له أدرك الناقة فقد عقرت ، فأقبل صالح عليهم فخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه ، ويقولون يا نبى الله إنما عقرها فلان وفلان ، ولا ذنب لنا ، فقال لهم صالح انظروا اهل تدركون فصيلها ؟ فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا إليه يطلبونه ، فلما رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه ، فأوحى الله إلى الجبل فتطاول فى السماء حتى لا يناله الطائر ، وجاء صالح إلى الجبل ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ، ثم رغا ثلاثا فانصدعت له الصخرة حتى دخلها قال صالح لكل رغوة أجل تمنعوا فى داركم ثلاثة أيام ، ثم يأتيكم العذاب . وقال محمد بن إسحاق اتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة ، وفيهم مصدع وأخوه دواب ، فرماه مصدع بسهم فأصاب قبله ثم جروه برجله وألقوا لحمه مع لحم أمه ، فقال لهم صالح انتهكتم حرمة الله ، فأبشروا بالعذاب ، فقالوا له مستهزئين ومتى ذلك يا صالح ؟ وما آية ذلك ؟ وكانوا يسمون الأحد أولا ، والاثنين أهون ، والثلاثاء جبار والأربعاء دبار ، والخميس مؤنسا ، والجمعة عروبة ، والسبت شبار ، قال شاعرهم @ أؤمل أن أعيش وأن يومى بأول أو أهون أو جبارا أو التالى دباراً فإن ابته فمؤنس أو عروبة أو شبارا @@ وكان عقرها يوم الأربعاء فقال لهم حين سألوه عن وقت العذاب إنكم تصبحون غداة مؤنس وجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم عروبة وجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شبار وجوهكم مسودَّة ، ثم يصحبكم العذاب يوم أول . فأصبحوا يوم الخميس وجوههم مصفرة كأنها طيبت بالخلوق ، فصلبوه ليقتلوه ، فخرج هاربا إلى بطن من ثمود يقال له بنو غنم ، فنزل بسيدهم واسمه نفيل ويكنى أبا هدب وهو مشرك ، فكلموه فى ذلك فقال نعم عندى صالح وما لكم إليه سبيل ، فتركوه وأعرضوا عنه ، وأشغلهم ما بهم من العذاب . وقيل إنهم عذبوا أصحاب صالح ليدلوهم عليه ، فدلَّهم عليه مبتدع بن هرم ممن آمن وقال إنه عند فلان بأمر صالح ، فكلموه فأبى أن يعطيهم إياه ، ثم أعرضوا واشتغلوا بما هم فيه ، فجعل بعضهم يخبر بعضا ما يرون فى وجوههم ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل فلما أصبحوا فى اليوم الثانى إذا وجوههم محمرة كأنهم خضبت بالدم ، فصاحوا وضجوا وبكوا ، وعرفوا أنه صادق ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل ، فلما أصبحوا فى اليوم الثالث إذا وجوههم مسودَّة كأنها طليت بالقار ، فصاحوا جميعا ألا قد حضركم العذاب . فلما كانت ليلة الأحد خرج صالح عليه السلام من بين أظهرهم ، وخرج معه من أسلم حتى أتوا الشام ، فنزل رملة فلسطين ، ولما أصبحوا فى اليوم الرابع تكفنوا وتحنطوا ، وكانت أكفانهم الأنطاع ، وحنوطهم الصبر والمر ، ثم ألقوا بأنفسهم فى الأرض مرة ينظرون إلى جهة ، وأخرى إلى جهة ، ولا يدرون من أين يأتيهم العذاب . فلما اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، وصوت كل شىء له صوت فى الأرض ، وقيل صوت كل شىء كمثل الصوت ، فتقطعت قلوبهم فى صدورهم ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك ، كما قال الله تعالى { فأخذتهم الصيحة فأصبحوا فى دارهم جاثمين } ولم ينج منهم إلا جارية مقعدة يقال لها دريعة بنت سابق ، كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام ، أطلق الله رجليها بعدما شهدت العذاب ، وخرجت كأسرع شىء حتى أتت وادى العرى حد ما بين الحجاز والشام ، وأخبرتهم بما رأت من العذاب ، وما أصاب ثمود ، ثم استسقت الماء فسقيت فماتت . وروى ابن الزبير ، عن جابر بن عبد الله " لما مر النبى صلى الله عليه وسلم بالحجر فى غزوة تبوك قال لأصحابه " لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خوفا أن يصيبكم مثل ما أصابهم " وأمرهم أن لا يستقوا من مائها ، ولا يعجبوا ، فقالوا قد فعلنا فقال " أريقوه واعلفوه لعجين الإبل " " وروى " واطرحوا العجين " وأمرهم أن يستقوا من بئر الناقة . قال " ولا تسألوا رسولكم " الآيات هؤلاء قوم صالح سألوها فبعث الله إليهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، وتشرب ماءهم يوم ورودها وأراهم موثقى فصليها من الغارة ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها ، فأهلك مَن تحت أديم السماء منهم إلا رجل واحد يقال له أبو رغال ، وهو أبو ثقيف ، كان فى حرم الله فمنعه حرم الله من العذاب ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ودفن معه غصن من ذهب ، وأراهم قبره ونزلوا فابتدروه بأسيافهم وحفروا فاستخرجوا ذلك الغصن ، ثم اعتجر صلى الله عليه وسلم بعمامته ، وأسرع السير حتى جاوز الوادى . وقال قوم من أهل العلم توفى صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، كان يعبد الله فيها بعد ما بلغ الشام بعد مهلك قومه ، وقيل خرج منهم إلى مكة ، وقيل كانت الفرقة المؤمنة من قومه أربعة آلاف ، خرج بهم إلى حضرموت ، ولما دخلوها مات صالح فسمى حضرموت ، وبنوا مدينة سموها حضرموت ، وفى خبر أبى رغال ما يبطل قولهم أنه كان دليل أصحاب الفيل إلى مكة . وذكر الطبرى أن امرأتين من ثمود من أعداء صالح ، جعلتا لقدار ومصدع أنفسهما وأموالهما على أن يعقراها ، وقيل إن قداراً شرب الخمر مع قوم فطلبوا ماء يمزجون به الخمر ، فلم يجدوه لشرب الناقة إياه ، وعزموا على عقرها ، وكمن لها قدار خلف الصخرة ، فلما دنت منه رماها بالحربة ، ثم سقطت فنحرها ، ثم اتبعوا الفصيل فهرب منهم حتى علا ربوة ورغا ثلاث مرات ، واستغاث فلحقوه وعقروه . وروى أنهم وجدوه على رابية من الأرض ، وقيل صخرة فارتفعت الرابية أو الصخرة حتى حلفت به فى السماء ، فلم يقدروا عليه فرغا ثلاثا مستغيثا بالله ، وعن الحسن أنطق الله الفصيل فنادى أين أمى ؟ وروى أن المسافة التى أهلك الله أهلها بتلك الصحيفة ثمانية عشرة ميلا ، وروى أنه خرج عنهم فالتفت فرأى الدخان ساطعا فبكى ، وهم ألف وخمسمائة ، وروى أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارهم ، والله أعلم .