Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 89-89)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدِ افْتريْنا عَلى اللهِ كَذباً } أو وجدنا كذبا ، أو كذبنا كذبا ، والماضى للاستقبال ، لأنه دليل جواب الشرط بعده ، وقد للتحقيق أو الفعل على أصله من المضى مبالغة يجعل غير الواقع واقعا ، فقد لتقريب ما مضى من الحال ، أو لتقريب المستقبل من الحال ، كأنه قيل افترينا الآن على الله كذبا . { إنْ عُدنا فى مِلَّتكُم } فى المستقبل ، كقولك فى المبالغة إنى ظالم من الآن إن كلمتك غدا ، والمراد افترينا على الله كذبا الآن إن همهنا بالعود فيها . { بَعْد إذ نجَّانا الله مِنها } والمراد بالتنجية منها عدم الإيقاع فيها مطلقا ، سواء من أول الأمر وهو حال شعيب ، أو بعد الوقوع وهو حال المؤمنين به ، تقول نجاه الله من هوة ، أى لم يوقعه فيها ، أو أخرجه منها بعد الوقوع ، وتضمن ذلك تعجبا ، فإن الارتداد أقبح من الكفر لشموله إياه وزيادة ، دلالته على أن الحق قد تبين لصاحبه فى الكفر ، فكيف نرتد ، وعبر بعدنا مع أنه لم يكن فيها أصلا لتغليب من آمن به ، أو لجعله العود بمعنى الصيرورة ، أو تبعا لمعتقدهم أنه قد كان فيها ، أو لأن سكوته عنهم قبل البعثة مشابه لكونه فيها من حيث عدم النهى ، وأجاز بعضهم أن يكون ذلك جواب قسم مقدر ، أى والله لقد افترينا وهو ضعيف لعدم ما يدل عليه . { وما يَكُون لَنا } أى ما يصح لنا { أنْ نعُودَ } حجية ما مر { فِيها إلا أنْ يشاءَ اللهُ } عودنا فيها ، فإن الإيمان والكفر كليهما بمشيئة الله عند أهل الحق ، وبه قالت الشافعية ، فإن سبق فى علم الله خذلاننا وارتدادنا بالعود فيها وقع ذلك لا محالة ، ومشيئة الله الكفر بمعنى ترك التوفيق لا محبته حاشاه ، وذلك بالنظر إلى شعيب مثل قول إبراهيم { واجنبنى وبنىَّ أن نعبد الأصنام } وقول نبينا صلى الله عليه وسلم " يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك " . وقال { ربنا } تلويحا بأنه المالك لنا ، المتصرف فينا بما يشاء من إيمان وكفر وغيرهما ، ويجوز أن يريد بقوله { إلا أن يشاء الله ربنا } قطع طمعهم فى العود بأن علق العود بمشيئة الله للعود ، ومشيئته للعود غير واقعة ، وذلك يكون بإخبار الله له أن لا يرتد أحد ممن آمن به ، وأنه لم يسبق فى علمى أن يرتد أحد منهم ، أو أراد قطع طمعهم فى العود بتعليق العود على مشيئة الله له ، أى على حبه له ، وأمره به ، وهذا محال ، فالعود محال . هذا ما ظهر لى وهو صحيح على مذهبنا ومذهب الشافعية وغيرهم ، وعن عياض أن ذلك تأويل للمعتزلة الذين من مذهبهم أن الكفر والإيمان ليسا بمشيئة من الله ، وهب أنه تأويل لهم فما المانع من القول به مع ترك مذهبهم الذى ذكره ؟ قيل ويحتمل أن يكون الاستثناء استثناء لما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما يفعل الكفار من القربات ، فلا يعارضهم ملحد به إن وقع ، وأن يكون تسننا وتادبا للخلق ، قيل يضعف هذا أنه لم يقل إن شاء الله . { وَسِعَ ربُّنا كلَّ } مفعول به { شَىء عِلماً } تمييز عن الفاعل ، أى شمل علمه ما كان وما يكون من سعادة وشقاوة ، وكفر وإيمان ، وقسوة قلب ورقته ، ومرضه وصحته ، وثباته وتردده وارتداده ، وغير ذلك شمولا أزليا { عَلى اللهِ توكَّلْنا } لا على غيره أى استندنا فى أمورنا من الثبوت على الإيمان والنجاة وغيرهما ، وليس التوكل منافيا للتسبب ، فإن محله القلب ، ومحل التسبب الجوارح كما توهم بعض أنه مناف له . { ربَّنا افْتَح } أى اقض أو احكم أو افصل ، وذلك لغة عمان ، وقيل حمير ، وقيل مراد ، قال ابن عباس ما كنت أدرى ما معنى { ربنا افتح } { بيْنَنا وبيْنَ قَومنا بالحقِّ وأنْتَ خيرُ الفاتِحينَ } بين الناس بالحق ، حتى سمعت بنت ذى يزن تقول لزوجها تعال أفاتحك ، أى أحاكمك وأقاضيك ، قال الشاعر @ ألا بلغ بنى غضم رسولا بأنى عن فاتحتكم غنى @@ أى عن حكومتكم ، وروى عن فتى حكم عنى ، أى الفتى الحكم ، أى الفتى الحاكم جدا ، ووجه ذلك أنه بحكم الحاكم ، أو قضاء القاضى ، أو فصلهما ينفتح الأمر أى ينكشف الحق والباطل ، ولذا قال الزجاج يجوز أن يكون المعنى ربنا أظهر أمرنا حتى يتميز ما بيننا وبين قومنا ، والمراد طلب نزول العذاب الدال على بطلانهم ، قال الحسن كل نبى أراد الله إهلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ، وقيل إذ أيس دعا ، وإنما قال { بالحق } تأكيدا واشتياقا إليه ، وتلذذا به ، وإلا فالله لا يحكم إلا بالحق .