Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 122-122)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وما كانَ المؤمِنُونَ لينْفِرُوا كافَّةً } إلى الغزو ، أى ما يستقيم لهم ذلك ، فقوله عز وعلا { ما كان لأهل المدينة } فيما إذا نفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه مطلقا ، أو فيما إذا نفر واستنفرهم للحاجة إليهم ، وقوله { وما كان المؤمنون } فى بعثة السرايا فلا نسخ ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة ، وإنما هى استثناء ، ومعنى مراد فى قوله { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم } إلخ ونحوه ، إذ لا يمكن أن يراد إيجاب عدم التخلف عليهم كأنهم أجمعين ، حتى لا يبقى من يحفظ الوحى ، واللام لتأكيد النفى . { فَلوْلا } هلا { نَفَر من كلِّ فرقةٍ } جماعة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة { منْهُم } نعت فرقة { طائفةٌ } جماعة قليلة ومكث الباقون ، وذلك يدل على أن الفرقة أكبر من الطائفة ، لأن القليل هو الذى ينتزع من الكثير ، وقد يقال إنهما سواء فى جواز الإطلاق على العدد القليل والكثير ، فإذا أطلق أحدهما على الكثير صح استثناء الآخر منه ، على أنه مستعمل فى القليل ، كما يجوز هذا ولو فى اللفظ الواحد ، تقول جاءت من الفرقة الكثيرة فرقة قليلة ، أو من الطائفة الكثيرة طائفة قليلة ، صرح الجوهرى باستوائهما . { ليتَفقَّهوا } ليتكلفوا العلم عن الرسول { فى الدِّينِ } والواو للماكثين أو للكل باعتبار الماكثين إسنادا لما للبعض إلى الكل ، ولأن تفقههم تفقه للنافرين ، لأنهم يعملونه ، والفقه لغة الفهم والعلم فى الدين أو غيره ، وذلك قيد فى الآية بالدين ، لأنه المراد ، والقرآن نزل بلغة العرب ، ثم خص فى عرف العلماء بعلم الدين ، وقيل الفقه الوصول إلى علم غائب بعلم شاهد ، فهو أخص ، واللام متعلق بمكث المقدر ، أى ومكث الباقون ليتفقهوا ، أو ينفروا ، لأن المعنى هلا اقتصروا على نفور طائفة كذا ظهر لى . { ولينْذِرُوا } أى الماكثون { قَومَهم } وهم الطائفة النافرة { إذا رجَعُوا } أى هؤلاء النافرون { إليهم } من الغزو بتعليم ما تعلموه من الأحكام بالسنة ، أو بنزول القرآن حال غيبة النافرين { لَعلَّهم يحْذَرونَ } العقاب بالائتمار والانتهاء ، فإن العلم فرض كفاية فى صور ، وفرض عين فى أخرى ، وإذا ضيع فرض الكفاية ضيع فرض العين ، والآية دليل على عظم العلم والتعليم ، إذ جعلا فى مقابلة الجهاد ، بل هما أفضل إذ بهما يعرف الجهاد ، ويحيا الدين لما بعد ، بل هما الجهاد الأكبر ، لأن الأصل فى الجهاد هو الجدال بالحجة ، وإنما يعدل عنه إلى الجهاد بالسيف عند المكابرة والعناد . واستدل بعضهم بالآية على أنه يقصد بالتعلم الإرشاد والتعليم والإنذار ، وخص الإنذار بالذكر لأنه أهم ، وذلك هو الذى ذهبت إليه مع نية نفى الجهل عن نفسه ، وبنية فضيلة العلم ، وعدم فصل الترفع على الناس ، واقتناء الأموال والجاه ، وعلو الصيت ، ولكنى أقول ذلك من خارج لا من الآية ، لأن التعليل فيها للنفر والمكث ، من حيث إنه مفعول ، فإنك إذا قلت إيت لأكرمك ، لا تريد أقصد بإتيانك الإكرام ، بل تريد أنى أقربك بالإتيان لتأتى لأكرمك فافهم ، وبذلك قال الشيخ إسماعيل الجيطالى . وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر لا يجوز أن يقصد بتعلمه التعليم ، والآية أيضا دليل على أن إخبار الآحاد حجة إذ رتب الحذر على إنذار الطائفة الصادقة بثلاثة فأكثر للفرقة ، وقالت فرقة هذه الآية ناسخة لقوله { ما كان لأهل المدينة } ونحوه من كل ما ورد فى إلزام الكل النفير ، وقالت فرقة سمع المؤمنون الذين سكنوا البادية ، والذين بعثوا إليها بعليم الشرع قوله { ما كان لأهل المدينة } إلخ ، فافهم ذلك . ونفروا إلى المدينة خشية الإثم فى تخلفهم ، فنزل { وما كان المؤمنون } إلخ ، وعلى هذا فالمراد النفير إلى المدينة ، وعلى هذا يكون قوله { فلولا نفر } أنفالا وإعراضا من أمن الغزو التحريض بنفير الطائفة من كل للتفقه ، وإنذار الباقين ، كأنه قيل لا نفير على المؤمنين كلهم ، بل يكفى ما احتاج إليه الرسول ، ودعاء فيما عليهم النفير إلى المدينة ، بل عليكم أن تنفر منكم طائفة إليها لتزداد تفقها ، وتنذر الباقين . وقالت فرقة لما نزلت الآية فى المتخلفين ، قال المنافقون أو الناس مطلقا هلك أهل البادية ، فنزل { وما كان المؤمنون } إلخ مقيما لعذر أهلها ، ومبينة لكون المعنى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم أن يتخلفوا إذا دعاهم الرسول ، أو غزا بنفسه ، أو مشعرة بكون المعنى ما كان لجمهور أهل المدينة ومن حولهم . وقيل سبب الآية أنهم نفروا كلهم للتفقه ، فأمرهم الله أن تنفر طائفة للتفقه وتنذر الباقين ، وقيل دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين ، فأقبلوا إلى المدينة مدعين الإسلام وما هم بمسلمين ، وأفسدوا طرقها ، وضيقوا على أهلها ، وجعلوا يسألون عن أمر الدين فيما يزعمون ، وإنما أرادوا المعيشة ، فكنى الله سبحانه عن كونهم غير مؤمنين بقوله { وما كان المؤمنون } إلخ بمعنى أنه ما هذه صفة المؤمنين من النفير كلهم ، وإنما صفتهم أن تنفر طائفة للتفقه فترجع لتخبرهم . وعلى هذه الأقوال يكون المتفقهون المنذرون الراجعون هم الطائفة النافرة ، وقيل المعنى ليتفقه النافرون ، بما يريهم الله من نصر المؤمنين مع قتلهم ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما أراهم الله من النصر والقتل والسبى والغنيمة ، فيحذرون الكفر والنفاق ، ووجه كون ذلك تفقها فى الدين أن ذلك زيادة فى إيمان النافرين ، وهو ضعيف من حيث توجيه التفقه بذلك ، والمشهور أن التفقه تعلم الشريعة ، وفى الحديث " فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد " و " فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم " و " من سلك طريقا يلتمس علما سهل الله طريقا إلى الجنة ، وكان فى سبيل الله حتى يرجع " و " عالم معلم يدعى عظيما فى ملكوت السماوات " و " العلم أفضل من النافلة " ورد هذا حديثا بالمعنى وأثرا ، والعلم آية محكمة أى غير مشتبهة أو غير نسوخة ، وسنة قائمة أى منسوخة وفريضة عادلة ، أى لا جور فيها .