Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 5-6)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فإذا انْسَلخ الأشْهر الحُرُم } انقضت ، وأصل الانسلاخ خروج الشىء مما يلبسه ، والأشهر الحرم أربعة الأشهر التى جعل للمشركين أن يسيحوا فيها ، وقد مر الخلف فيها ، سميت حرما لتحريم القتال فيها فى ذلك العام ، وقيل لتحريم نبذ العهد فيها فى ذلك العام ، وقيل رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ووجهه أن المدة أخذت من هذه الأربعة ، وكان تمامها تمام هذه الأربعة ، فصح تأجيلها بانسلاخ الأربعة ، فليس هذا القول مخلا بالنظم . غير أن تسمية رجب وذى القعدة وذى الحجة والمحرم أشهرا حرما ، والتأجيل بانسلاخها يقتضيان بقاءها كما كانت قبل ، على تحريم القتال فيها ، مع أن العلماء أجمعوا على أن القتال فيها حلال ، ولم ينزل ناسخ لها فيما قال القاض ، فلا تحمل الأشهر الحرم على هذه الأربعة لئلا يخالف الإجماع ، وحملها جار الله عليها ، وقال إن العلماء أجمعوا على حل القتال فيها لنزول ناسخها . { فاقْتلُوا المشْركينَ حَيثُ وجدْتُموهُم } فى الحل والحرم ، قيل وعند البيت ، وهذه الآية ناسخة لكل آية أمر فيها بالكف أو بالمهادنة ، وذلك مائة وأربع عشرة آية ، وقيل مائة وأربع وعشرون ، زعم بعضهم أن ذلك عجيب ، نسخت هذه الآية ذلك العدد من الآى ، ثم نسخت بقوله { وإن أحد من المشركين } . قلت بل قوله { وإن أحد } الآية ، قيل فيها لا ناسخ لها ، والمراد بالمشركين من لا عهد له ، أو له عهد على تمام الأربعة ، أو له عهد أقل منها ، أو له عهد أكثر ونقضه ، وقيل كل مشرك ، وزعم عطاء والسدى والضحاك ، أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { فإمَّا منًّا بعدُ وإمَّا فداء } وقالوا لا يجوز قتل الأسير ، بل يمنّ عليه بالإطلاق ، أو يفادى ، وزعم قتادة ومجاهد أنها ناسخة لقوله تعالى { فإمَّا مناً بعدُ وإما فداء } وقال لا يجوز فى الأسير إلا القتل ، وقال ابن زيد الأندلسى إن الآيتين محكمتان ، لأن هذه فى حال القتال ، وليس فيها ذكر للأسر ، وتلك فى الأسر ، والأسر غير القتال وهو الصحيح . { وخُذُوهُم } وأسروهم ، والأخيذ الأسير { واحْصُروهُم } احبسوهم لتتمكنوا منهم ، وعن ابن عباس أحضروهم أن تحصنوا ، وعنه حصرهم أن يحال بينهم وبين المسجد الحرام ، وقيل امنعوهم من دخول مكة ، والتصرف فى بلاد الإسلام . { واقْعُدُوا لَهم كُلَّ مَرْصدٍ } كل موضع يصلح أن يرصد فيه العدو ، أى يرتقب فيه بأن يكون بئرا له لئلا ينبسطوا فى البلاد ، وقيل المراد طريق مكة ، ولئلا يدخلوها ، ونصب كل على الظرفية المكانية ، لأنه ينصب على الظرفية إذا أضيف إلى ما يدل على زمان ، أو مكان ولو لم يصلح هذا المضاف إليه للنصب على الظرفية كمرصد هنا ، فإنه لا يصلح لها لأنه ولو كان اسم مكان ، لكنه لم يتسلط عليه ، ما هو فى لفظه ومعناه ، وقيل منصوب على نزع الخافض ، أى فى كل مرصد أو على كل مرصد . { فإنْ تابُوا } عن الشرك { وأقامُوا الصَّلٰوةَ } المفروضة أتموها { آتَوُا الزَّكٰوةَ } تصديقا لتوبتهم { فَخلُّوا سَبيلَهم } لا تعطلوه عنهم يمشون حيث شاءوا ، فإنهم حينئذ مثلكم ، والآية دليل على أن تارك الصلاة ، ومانع الزكاة لا يخلى سبيلهما ، وأن مكان الصلاة والزكاة من الشرع عظيم ، فقد قرنا بالتوحيد { إنَّ اللهَ } تعليل جملى { غَفورٌ } للتائب { رَحيمٌ } له ، فإن التائب توبة نصوحا من أولياء الله . روى أن عليا قرأ { براءة من الله ورسوله } إلى { وأن الله مخزى الكافرين } فى الموسم فقال المشركون يا على ولم تسيرنا فى الأرض أربعة أشهر ، بل أنت وابن عمك بريئان منا إلا من الطعن والضرب إن شئتم ، وندموا على ما قالوا وأسلموا ، كما مر ، ثم قال { وأذان من الله ورسوله } إلى { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } فقام إليه من له عهد كبنى ضمرة فقالوا يا على ونحن أيضا على أربعة أشهر ؟ قال لا إن الله قد استثناكم ، فقرأ { إلا الذين عاهدتم من المشركين } إلى { إن الله يحب المتقين } قيل وكانوا قد عاهدوا النبى صلى الله عليه وسلم عند البيت عام الفتح ، وقد بقى لهم حين قرأ على نحو سنة ، وهى آخر مدتهم ، وفيهم أيضا نزل { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } الآية وكان الذى عاهد على بنى ضمرة الوحشى بن خويلد ، ولما قرأ على { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } الآية قام رجل من المشركين ممن لا عهد له فقال يا على أرأيت إن أراد الرجل منا أن يلقى محمدا فيسمع منه ، أو يقضى معه حاجة ، أتقتلونه إذا انسلخ الأشهر الحرم ؟ قال لا وقرأ { وإنْ أحدٌ } فاعل لمحذوف دل عليه { استجارك } وعده ابن هشام وغيره من الاشتغال فى المرفوع ، وأجاز الأخفش كونه مبتدأ فيكون الشرط جملة اسمية ، وأجاز هو والكوفيون كونه فاعلا مقدما { مِنَ المشْرِكينَ } الذين لا عهد لهم فيما قيل ، وقيل من المشركين الذين أمر بالتعرض لهم بعد الأربعة الأشهر { اسْتَجاركَ } طلب أن يكون جارا لك ، أى مجاورا لك فى بلدك ، مأمونا ليسمع ما أوتيت به ويعرب الشريعة { فأجِرْهُ } اجعله جارا لك ، أى مجاورا فى بلدك مأمونا . { حتَّى يسْمَع كَلامَ اللهِ } أى القرآن ، والإضافة إضافة مخلوق لخالق ، والمعنى حتى يسمع القرآن ويتدبر ويتفهم ، فحذف العطف ، أو المراد بالسمع التدبر والتفهم فى القرآن المترتبين على سماع الإذن . { ثمّ أبْلغهُ مأمنهُ } موضع أمنه إن لم يسلم ، والمأمن كما رأيت اسم مكان وهو موضعه الذى لا يخاف فيه ، وهو بلد قومه ، وبعد ذلك قاتله من غير غدر ولا خيانة ولو لم يقاتلك ، لا كما قيل إن قاتلك بعد فقاتله . { ذَلكَ } المذكور من الإجارة والإبلاغ المأمن ، أو ذلك الأمر ، أو ذلك الأمن مبتدأ خبره { بأنَّهم } بسبب أنهم { قومٌ لا يعْلمونَ } ما الإسلام وما حقيقة ما تدعو إليه ، وما مصلحتهم وهى الإيمان ، فلا بد من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا أو يفهموا ، وذلك مفعول لمحذوف ، أى قضينا ذلك أو فرضنا ذلك ، لأنهم قوم لا يعلمون . قال الحسن ، ومجاهد هذه الآية محكمة إلى يوم القيامة ، يجار من استجار إلى أن يسمع ويبلغ مأمنه ، ثم يقاتل بعد أن لم يؤمن ، وزعم الضحاك ، والسدى ، أنها منسوخة بقوله { فاقتلوا المشركين } وقال بعضهم حكمها فى مدة أربعة الأشهر ، فالمراد استجارك فى أربعة الأشهر لا بعدها . قال الكلبى إن أناساً ممن لا عهد لهم لم يوافقوا الموسم الذى قرأ فيه على صدر هذه السورة ، وكانوا بأرض اليمامة وكأنصارى من بنى قيس بن ثعلبة ، ولما بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المشركين الذين لا عهد لهم إذا انسلخ الأشهر الحرم ، أقبلوا إلى المدينة قيل بعد ما انسلخت ليجددوا بينهم وبينه حلفا فلم يصالحهم إلا على الإسلام أو يقتلوا ، فخلى سبيلهم حتى بلغوا مأمنهم وهو اليمامة ، وأقاموا بها حتى أسلم الناس ، فمنهم من أسلم ، ومنهم من أقام على نصرانيته ، وفيهم نزل { وإن أحد من المشركين } الآية فهى نزلت بعد الموسم ، وزعم بعضهم أن آية القتل السابقة نسخت حين أسلمت العرب طوعا وكرها بقوله { لا إكراه فى الدين } فرفع السيف عن أهل الكتاب بإعطاء الجزية .