Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 83-84)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فإنْ رَجَعَك اللهُ } ردك من هذه الغزوة غزوة تبوك { إلى طائِفةٍ منْهُم } من للبيان لا للتبعيض ، وتنكير الطائفة للتحقير ، إنما وقعت العبارة بالاسم الظاهر ليفيد التحقير بتنكيره ، وإلا فالموضع موضع إظهار ، وكأنه قال فإن رجعك الله إلى ناس خبثاء السريرة ، وهم هؤلاء المتخلفون الفرحون بالقعود ، ولا يفرح به إلا المنافق ، فالهاء لهؤلاء المتخلفين المنافقين الفرحين ، والأصل فإن رجعك الله إليهم هذا تحقيق المقام عندى ، ولم أر من أفصح به أشار إليه . وزعم القاضى مع علو درجته فى العلم أن من للتبعيض ، وأن الهاء للمتخلفين مطلقا والمنافقين وغيرهم ، وأن الطائفة المتخلفون المنافقون ، ويرده أن المتخلفين المذكورين فى الآية كلهم منافقون ، ولعله إنما رد الهاء إلى المتخلفين مطلقا بطريق الاستخدام ، وذكر جار الله وهو على درجة أن من للتبعيض ، والهاء للمتخلفين المنافقين ، والطائفة هى الباقون على النفاق وغيرها هو من تاب منهم عن التخلف ، وكأنه يرى أن هذا الكلام استثناء لغير الطائفة من العموم السابق فى ذمهم ، قال أو اعتذار بعذر صحيح ، قلت ما كان ليخفى عن الله والغدر حتى يعمه بالذم ، إلا إن كان يرى أن هذا استثناء أيضا ، وذكر بعضهم أن المراد بالطائفة رؤساؤهم المتبوعون وعليهم وقع التشديد بأن لا يخرجوا ، ولا يقاتلوا ، ولا يصلى عليهم ، وقد عينهم الله له ، وذكروا أن المتخلفين اثنا عشر رجلا . { فاسْتأذنُوكَ للخرُوجِ } إلى غزوة أخرى { فقُلْ لَن تخْرجُوا مَعىَ } وأسكن الياء أبو بكر وحمزة والكسائى { أبداً ولن تُقاتِلوا مَعىَ } وفتح الياء حفص { عَدوًّا } وذلك إخبار فى معنى النهى للمبالغة ، كأنهم نهوا فانتهوا ، فهو يخبر عن انتهائهم عن الخروج والقتال بعد كذا ظهر لى فى توجيه المبالغة ، وأجرى الله ذلك الكلام على ما يليق بمخلوقاته من الشك وعدم علم الغيب ، ولذلك أتى بأن ولفظة مع المضافة إلى ضمير النبى ، مع أن الله سبحانه وتعالى قد علم أنه يرجع ، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم لا يخرج ولا يقاتل بنفسه بعد هذه الغزوة ، وإنما يأمر الجنود فتخرج وتقاتل مع ما فى ذلك من المناسبة لتهديد هؤلاء ، ويجوز أن يكون معنى معية أنه إذا أمر بالخروج والقتال ، فكأنه خرج بنفسه وقاتل . { إنكُم } تعليل { رَضيتُم بالقُعودِ أوَّل مَرةٍ } كان عقابهم الإسقاط عن ديوان الغزاة ، وإنما لم يقل أولى مرة بالتأنيث ، لأن اسم التفضيل يلزم التذكير والإفراد إذا أضيف لنكرة ، أو جرد من الإضافة { فاقْعدُوا مَع الخَالفِينَ } القاعدين خلف القراء فى المدينة من المرضى والشيوخ ، الذين لا يستطيعون والصبيان والنساء وذوى العذر ، وغلب الذكور فجمع جمع المذكر السالم ، وهذا أولى من قول ابن عباس إن المراد الرجال ، وزعم قتادة أن المراد النساء ، ويرده أن المؤنث لا يجمع جمع المذكر السالم . ويجوز على الصحيح أن يكون جمع خالف بمعنى فاسد من قولك خلف الشىء بمعنى فسد ذكره الطبرى ، ومثله للكلبى وهو ضعيف غير فصيح ، وقرأ عكرمة ومالك بن دينار رحمه الله مع الخلفين بإسقاط الألف . " كان عبد الله بن أبى بن سلول سيد الخزرج فى آخر جاهليتهم ، ولما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانصرف إليه الخزرج وغيرهم ، حسده وناصبه العداوة ، غير أن الإسلام تغلب ، وكان رأس المنافقين ، وكانوا ثلاثمائة رجل ، ومائة وسبعين امرأة ، وكان ولده عبد الله من أفاضل الصحابة إسلاما وعبادة ، وانشراح صدر ، وكان أبر الناس بأبيه ، ومع هذا قال يا رسول الله إنك لتعلم أنى من أبر الناس بأبى ، وإن أمرتنى أن آتيك برأسه فعلت ، فقال صلى الله عليه وسلم " بل نعفوا عنه " " وكان شديد الحرص أن يسلم أبوه وينتفع ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم . " ولما مرض بعث إليه ابنه عبد الله ليأتيه ، فطلب منه عمر أن لا يأتيه ، فأتاه فدخل عليه فقال " أهلكك حب اليهود " فقال يا رسول الله لم أبعث إليك لتوبيخى ، بل لتستغفر لى ، وسأله أن يكفنه فى قميصه الذى يلى جسده ، وأن يستغفر له ففعل ذلك ، ولما مات دعاه وأنعم عليه بقميصه ، وقيل ناوله إياها حينئذ ابنه عبد الله إلى جنازته ، وكان اسمه حباب ، فسأله عن اسمه فأخبره فقال له " أنت عبد الله بن عبد الله ، الحباب اسم شيطان " فأتاه ووجده مكفنا فى القميص ، مدخلا حفرته ، فأمر بإخراجه فأخرج ، فحل كفنه ووضعه على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه وألبسه كفنه وهو القميص المذكور بيديه " . وكان إعطاء القميص وتلك الفعلات تطييباً لنفس أبيه ، إذ كان مخلصا ، " وقد روى أنه هو الذى سأله لما مات أن يكفنه فى قميصه الذى يلى جسده ، وأن يقوم على قبره ، ولا يشمت به الأعداء فى أبيه ولكن العباس لما أسر ببدر لم يجدوا له قميصا ، وكان رجلا طويلا لا يليق به إلا قميص ابن أبىّ فكساه ابن أبىّ قميصه ، ولكن المشركين قالوا يوم الحديبية لا نأذن لمحمد ونأذن لك ، فقال لا إن لى فى رسول الله أسوة حسنة ، فشكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلا ، ويتوفر من المروءة ، ويعمل بعادة الكرام ، ولما كفنه وأراد الصلاة عليه ، وثب عمر رضى الله عنه ، وجبذه بثوبه وقال أتصلى على عدو الله ، وقد قال يوم كذا كذا وكذا يعدد عليه قوله ، وقد نهاك الله أن تصلى على المنافقين ، يعنى أن تستغفر لهم كما صرح به فى رواية ، أو يعنى صلاة الميت إلهاما من الله ، فإنه مروع ومحدَّث أو فهما من النهى عن الاستغفار ، وأراد بالنهى آية هذه السورة ، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما أكثر عليه قال " أما أنى خيرت فاخترت ، لو أنى أعلم أنى لو زدت على السبعين يغفر له لزدت " فصلى عليه وأدلاه فى حفرته ، فلم يلبث إلا يسيرا بعد الانصراف حتى نزل { ولا تُصلِّ عَلى أحدٍ منْهُم ماتَ أبداً } إلى { فاسقون } وفى رواية إلى { كافرون } قال عمر فعجبت بعد من جرأتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ من الله ورسوله أعلم ، فما صلى على منافق بعده ، ولا قام على قبره ، وكان قبل ذلك يقوم على قبور المنافقين ، ويدعو لهم فيما روى " . وقال أنس لما تقدم ليصلى عليه ، جاءه جبريل فجبذه بثوبه ، وتلى عليه الآية ، فانصرف ولم يصل ، والمشهور الأول ، وأنها نزلت بعد الصلاة ، ولم ينه عن القميص لأنه مكافأة والضنة به بخل ، بخلاف الصلاة فإنها استغفار ، ولا حظ فيه لكافر ، كما يدل عليه ترتيب النهى على قوله { مات } أى مات على الكفر ، كما نص عليه بقوله { أبدا } على أنه متعلق بمات ، أى مات موتا أبديا ، فان إحياء الكافر بعد موته للتعذيب دون التمتع ، فلا حياة له نافعة ، فكأنه لا حياة له ، والمشهور تعليقه بتصل ، أو بلا ، وأيضا تكفنه فى قميصه مع كفره لا ينفعه ، فهو كغيره من الأكفان . " كما روى عنه أنه قيل له فى ذلك فقال " إن قميصى لا يغنى عنه شيئا ولن أؤمل من الله أن يدخل بفعلى هذا فى الإسلام كثيرا " " فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب التبرك بثوبه ، والنجاة به ، وطلبوا ترحمه واستغفاره ، فكان ذلك لطفا وجلبا لغيره ، ولكن الرواية الصحيحة أنه قال " آمل أن يدخل رجال من قومه فى الإسلام " فإنه قد ضعف النفاق ، ولا يبلغ أهله حينئذ ألفا ، وإنما صلى عليه جريا على ظاهر أمره لما فى ذلك من المصلحة ، ولو علم أنه مشرك ما صلى عليه ، أو كان عالما بإشراكه ، ولكنه قبل عنه إنكار الشرك حين اعتذر وأنكر ما يقال عنه ، كيف وقد نزل عليه { ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } على ما يأتى فيهم إن شاء الله ، وجملة مات نعت ثان ، والأول منهم أو حال من أحد أو من ضمير المستتر فى النعت . { ولا تَقُم عَلى قَبْره } للدفن أو الزيارة { إنَّهم كَفرُوا باللهِ ورسُولِه ومَاتُوا وهُم فاسِقُونَ } تعليل جملى للنهى عن الصلاة ، والوقوف على القبر ، أو تعليل لتأبيد الموت على تعليق أبدا بمات ، وإنما قال مات وماتوا بلفظ الماضى ، مع أنهم حينئذ لما يموتوا لأنهم لا بد يموتون ، فكأنهم ماتوا ، أو لأن ذلك على تقدير حصول الموت ، ويدل على سوغ أن النفاق فى القرآن قد يقع على من أسر الشرك قوله { إنهم كفروا بالله ورسوله } فإن من فعل كبائر غير الشرك ، لا يقال فيه إنه كفر بالله ورسوله ، ولعل أصحابنا يقولون المراد كفروا بنعم الله ورسوله ، ونعم الرسول ما جرى على يده من الخير وأمر الإسلام ، أو يقولون نزل أفعالهم وأقوالهم الخبيثة منزلة الكفر بالله ورسوله ، ويقصرون منع الصلاة على هؤلاء الذين خصهم الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ويأخذون الصلاة على سائر المنافقين الذين لم يسروا الشرك من قوله صلى الله عليه وسلم " ظلوا على كل بار وفاجر من أهل القبلة " هذا ما ظهر لى فى تطبيق كلام الأصحاب على الآية ، ولم أر من تكلم بذلك ، ولى فى ذلك كلام فى جامع الوضع والحاشية .