Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 88-88)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ } « آتَيْتَ » أي أعطيت . { زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي مال الدنيا ، وكان لهم من فُسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن الذهب والفضة والزّبرجد والزّمرد والياقوت . قوله تعالى : { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } اختلف في هذه اللام ، وأصح ما قيل فيها وهو قول الخليل وسيبويه أنها لام العاقبة والصيرورة وفي الخبر : " إن لله تعالى مَلَكا ينادي كلّ يوم لِدُوا للموت وابنوا للخراب " أي لما كان عاقبة أمرهم إلى الضلال صار كأنه أعطاهم ليضِلّوا . وقيل : هي لام كيّ ، أي أعطيتهم لكي يضلوا ويَبْطَروا ويتكبروا . وقيل : هي لام أجْل ، أي أعطيتهم لأجل إعراضهم عنك فلم يخافوا أن تعرض عنهم . وزعم قوم أن المعنى : أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا ، فحذفت لا كما قال عز وجل : { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] . والمعنى : لأن لا تضلوا . قال النحاس : ظاهر هذا الجواب حسن ، إلا أن العرب لا تحذف « لا » إلا مع أن فموّه صاحب هذا الجواب بقوله عز وجل : { أَن تَضِلُّواْ } . وقيل : اللام للدعاء ، أي ٱبتلهم بالضلال عن سبيلك لأن بعده : « ٱطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ » . وقيل : الفعل معنى المصدر أي إضلالهم كقوله عز وجل : { لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ } . قرأ الكوفيون : « لِيُضِلُّوا » بضم الياء من الإضلال ، وفتحها الباقون . قوله تعالى : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ } أي عاقبهم على كفرهم بإهلاك أموالهم . قال الزجاج : طَمْسُ الشيء إذهابه عن صورته . قال ابن عباس ومحمد بن كعب : صارت أموالهم ودراهمهم حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأثلاثا وأنصافاً ، ولم يبق لهم معدن إلا طمس الله عليه فلم ينتفع به أحد بعد . وقال قتادة : بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة . وقال مجاهد وعطية : أهلكها حتى لا تُرَى يقال : عين مطموسة ، وطُمس الموضع إذا عفا ودرَس . وقال ابن زيد : صارت دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة . محمد بن كعب : وكان الرجل منهم يكون مع أهله في فراشه وقد صارا حجرين قال : وسألني عمر بن عبد العزيز فذكرت ذلك له فدعا بخريطة أُصيبت بمصر فأخرج منها الفواكه والدراهم والدنانير وإنها لحجارة . وقال السدّي : وكانت إحدى الآيات التسع . { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } . قال ٱبن عباس : أي امنعهم الإيمان . وقيل : قَسِّها وٱطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان والمعنى واحد . { فَلاَ يُؤْمِنُواْ } قيل : هو عطف على قوله : « لِيَضِلُّوا » أي آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا قاله الزجاج والمبرد . وعلى هذا لا يكون فيه من معنى الدعاء شيء . وقوله : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ } { وَٱشْدُدْ } كلام معترَض . وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة : هو دعاء ، فهو في موضع جزم عندهم أي اللهم فلا يؤمنوا ، أي فلا آمنوا . ومنه قول الأعشى : @ فلا ينبسطْ من بين عينَيْك ما ٱنزَوى ولا تَلْقَني إلا وأنفُك راغِمُ @@ أي لا ٱنبسط . ومن قال « لِيَضِلّوا » دعاء أي ابتلهم بالضلال قال : عطف عليه « فَلاَ يُؤْمِنُوا » . وقيل : هو في موضع نصب لأنه جواب الأمر أي واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا . وهذا قول الأخفش والفراء أيضاً ، وأنشد الفراء : @ يا ناق سيري عَنَقاً فسيحا إلى سليمان فنستريحا @@ فعلى هذا حذفت النون لأنه منصوب . { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } قال ابن عباس : هو الغرق . وقد ٱستشكل بعض الناس هذه الآية فقال : كيف دعا عليهم وحكم الرسل استدعاء إيمان قومهم فالجواب أنه لا يجوز أن يدعو نبيّ على قومه إلا بإذن من الله ، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن دليله قوله لنوح عليه السلام : { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] وعند ذلك قال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] الآية . والله أعلم .