Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 98-98)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ } قال الأخفش والكسائي : أي فهلاّ . وفي مصحف أُبَيّ وابن مسعود « فهلا » وأصل لولا في الكلام التحضيض أو الدلالة على منع أمر لوجود غيره . ومفهومٌ من معنى الآية نفي إيمان أهل القرى ثم استثنى قوم يونس فهو بحسب اللفظ استثناء منقطع ، وهو بحسب المعنى متصل لأن تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس . والنصب في « قوم » هو الوجه ، وكذلك أدخله سيبويه في باب ما لا يكون إلاّ منصوباً . قال النحاس : « إلا قوم يونس » نصب لأنه استثناء ليس من الأوّل ، أي لكن قوم يونس هذا قول الكسائي والأخفش والفراء . ويجوز . « إلا قومُ يونس » بالرفع ، ومن أحسن ما قيل في الرفع ما قاله أبو إسحاق الزجاج قال : يكون المعنى غيرُ قومِ يونس ، فلما جاء بإلاّ أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير كما قال : @ وكلُّ أخٍ مفارِقه أخوه لَعَمْرُ أبِيك إلا الفَرْقدانِ @@ وروي في قصة قوم يونس عن جماعة من المفسرين : أن قوم يونس كانوا بِنينَوى من أرض المَوصل وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه فأبَوْا فقيل : إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم فقيل له : أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاثٍ ففعل ، وقالوا : هو رجل لا يكذب فارقبوه فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم ، وإن ٱرتحل عنكم فهو نزول العذاب لا شك فلما كان الليل تزوّد يونس وخرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا الله ولبسوا المُسوح وفرّقوا بين الأُمهات والأولاد من الناس والبهائم ، وردّوا المظالم في تلك الحالة . وقال ابن مسعود : وكان الرجل يأتي الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه فيردّه والعذاب منهم فيما روي عن ابن عباس على ثلثي مِيل . ورُوي على ميل . وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظُلّة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرّها بين أكتافهم . وقال ابن جبير : غشيهم العذاب كما يغشي الثوب القبر ، فلما صحت توبتهم رفع الله عنهم العذاب . وقال الطبري : خص قوم يونس من بين سائر الأُمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب وذكر ذلك عن جماعة من المفسرين . وقال الزجاج : إنهم لم يقع بهم العذاب ، وإنما رأُوا العلامة التي تدلّ على العذاب ، ولو رأُوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان . قلت : قول الزجاج حسن : فإن المعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي التلبس بالعذاب كقصة فرعون ، ولهذا جاء بقصة قوم يونس على أثر قصة فرعون لأنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك ، وقوم يونس تابوا قبل ذلك . ويَعْضُد هذا قوله عليه السلام : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " والغرغرة الحشرجة ، وذلك هو حال التلبس بالموت ، وأما قبل ذلك فلا . والله أعلم . وقد روى معنى ما قلناه عن ابن مسعود ، أن يونس لما وعدهم العذاب إلى ثلاثة أيام خرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا وفرقوا بين الأُمهات والأولاد وهذا يدلّ على أن توبتهم قبل رؤية علامة العذاب . وسيأتي مسنداً مبيّناً في سورة « والصافات » إن شاء الله تعالى . ويكون معنى { كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ } أي العذاب الذي وعدهم به يونس أنه ينزل بهم ، لا أنهم رأُوه عِيانا ولا مخايلة وعلى هذا لا إشكال ولا تعارض ولا خصوص ، والله أعلم . وبالجملة فكان أهل نينوى في سابق العلم من السعداء . ورُوي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال : إن الحذر لا يردّ القدر ، وإن الدعاء ليرد القدر . وذلك أن الله تعالى يقول : { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } . قال علي رضي الله عنه : وذلك يوم عاشوراء . قوله تعالى : { وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } قيل : إلى أجلهم قاله السُّدّي وقيل : إلى أن يصيروا إلى الجنة أو إلى النار ، قاله ابن عباس .