Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-2)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } أي الأفراس تعدو . كذا قال عامة المفسرين وأهل اللغة أي تعدو في سبيل الله فتضبح . قال قتادة : تضبح إذا عدت أي تحمحِم . وقال الفراء : الضَّبْح : صوت أنفاس الخيل إذا عَدَوْن . ابن عباس : ليس شيء من الدواب يضْبَح غير الفرس والكلب والثعلب . وقيل : كانت تُكْعَم لئلا تصهَل ، فيعلم العدوّ بهم فكانت تتنفس في هذه الحال بقوّة . قال ابن العربي : أقسم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال : { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [ يۤس : 1 2 ] ، وأقسم بحياته فقال : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الحجر : 72 ] ، وأقسم بخيله وصهيلها وغُبارها ، وقدح حوافرها النار من الحجر ، فقال : « والعادِيات ضَبْحا » … الآيات الخمس . وقال أهل اللغة : @ وَطَعْنةٍ ذاتِ رَشاشٍ واهِيَهْ طَعَنْتَها عندَ صُدُورِ العَادِيهْ @@ يعني الخيل . وقال آخر : @ والعادياتُ أَسابِيُّ الدماءِ بها كأنّ أعناقَها أنصاب ترجِيبِ @@ يعني الخيل . وقال عنترة : @ والخيل تعلم حين تَضْـ ـبَحُ فِي حِياضِ المَوْتِ ضَبْحَا @@ وقال آخر : @ لَسْتُ بالتُّبَّعِ اليمانِيِّ إنْ لَمْ تَضْبَحِ الخيلُ في سَوادِ العِرَاقِ @@ وقال أهل اللغة : وأصل الضَّبْح والضُّباح للثعالب فاستعير للخيل . وهو من قول العرب : ضَبَحَتْه النار : إذا غيرت لونه ولم تبالغ فيه . وقال الشاعر : @ فَلَمَّا أَنْ تلْهُوجْنَا شِواءً به اللَّهَبانُ مَقهوراً ضَبِيحاً @@ وانضبح لونه : إذا تغير إلى السواد قليلاً . وقال : @ عَلِقْتُها قَبل انْضِـباحِ لَوْنِي @@ وإنما تَضْبَح هذه الحيوانات إذا تغيرت حالها من فَزَع وتعب أو طمع . ونصب « ضَبْحا » على المصدر أي والعاديات تضبحُ ضَبْحاً . والضَّبِح أيضاً الرّماد . وقال البصريون : { ضَبْحاً } نصب على الحال . وقيل : مصدر في موضع الحال . قال أبو عبيدة : ضَبَحَتِ الخيل ضَبْحاً مثل ضَبَعَتْ وهو السير . وقال أبو عبيدة : الضَّبْح والضَّبْع : بمعنى العدو والسير . وكذا قال المبرد : الضبح مدّ أضباعها في السير . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سَرِيّة إلى أناس من بني كِنانة ، فأبطأ عليه خبرها ، وكان استعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري ، وكان أحد النقباء فقال المنافقون : إنهم قُتلوا فنزلت هذه السورة إخباراً للنبيّ صلى الله عليه وسلم بسلامتها ، وبشارة له بإغارتها على القوم الذين بعث إليهم . وممن قال : إن المراد بالعاديات الخيل ، ابنُ عباس وأنس والحسن ومجاهد . والمراد الخيل التي يغزو عليها المؤمنون . وفي الخبر : " من لم يعرف حُرْمة فرس الغازي ، ففيه شُعبة من النفاق " وقول ثان : أنها الإبل قال مسلم : نازعتُ فيها عكرمة فقال عكرمة : قال ابن عباس هي الخيل . وقلت : قال عليّ هي الإبل في الحج ، ومولاي أعلم من مولاك . وقال الشعبيّ : تمارى عليّ وابن عباس في « العاديات » ، فقال عليّ : هي الإبِل تعدو في الحج . وقال ابن عباس : هي الخيل ألا تراه يقول { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } فهل تثير إلا بحوافرها ! وهل تَضْبَحُ الإبل ! فقال علي : ليس كما قلت ، لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق للمقداد ، وفرس لمرَثد بن أبي مَرْثَد ثم قال له عليّ : أتفتِي الناس بما لا تعلم ! والله إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام وما معنا إلا فرسان : فرس للمقداد ، وفرس للزُّبير فكيف تكون العادياتِ ضبحا ! إنما العادياتُ الإبل من عَرَفَة إلى المزدلِفة ، ومن المزدلِفة إلى عرفة . قال ابن عباس : فرجعت إلى قول عليّ ، وبه قال ابن مسعود وعبيد بن عمير ومحمد بن كعب والسدّي . ومنه قول صفِية بنت عبد المطلب : @ فلا والعادياتِ غَداة جَمْع بأيديها إذا سَطَع الغُبار @@ يعني الإبل . وسميت العاديات لاشتقاقها من العدو ، وهو تباعد الأرجل في سرعة المشي . وقال آخر : @ رأَى صاحبي في العادياتِ نَجِيبةً وأمثالَها في الواضعاتِ القوامِسِ @@ ومن قال هي الإبل فقوله « ضبحا » بمعنى ضبعاً فالحاء عنده مبدلة من العين لأنه يقال : ضبعت الإبل وهو أن تمد أعناقها في السير . وقال المبرد : الضبع مدّ أضباعها في السير . والضبح أكثر ما يستعمل في الخيل . والضبع في الإبل . وقد تبدل الحاء من العين . أبو صالح : الضبح من الخيل : الحمحمة ، ومن الإبل التنفس . وقال عطاء : ليس شيء من الدواب يَضْبَحُ إلا الفرس والثعلب والكلب وروي عن ابن عباس . وقد تقدّم عن أهل اللغة أن العرب تقول : ضَبَح الثعلب وضبح في غير ذلك أيضاً . قال تَوْبة : @ ولو أَنَّ ليلَى الأخيلِية سَلَّمَتْ عَليَّ ودونِي تُرْبة وصفائِح لَسَلَّمْتُ تسليمَ البشاشةِ أَو زَقَا إليها صَدًى من جانب القبرِ ضابحُ @@ زقا الصدى يزقو زُقاء : أي صاح . وكل زاقٍ صائح . والزَّقْية : الصيحة . { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } قال عكرمة وعطاء والضحاك : هي الخيل حين تُورِي النار بحوافرها ، وهي سنابكها وروي عن ابن عباس . وعنه أيضاً : أورت بحوافرها غُباراً . وهذا يخالف سائر ما روي عنه في قدح النار وإنما هذا في الإبل . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } قال : قال ابن عباس : هو في القتال وهو في الحج . ابن مسعود : هي الإبل تطأ الحصى ، فتخرج منها النار . وأصل القدْحِ الاستخراج ومنه قَدَحْت العين : إذا أخرجت منها الماء الفاسد . واقتدحْت بالزند . واقْتدَحْتُ المرق : غَرفته . ورَكِيَّ قَدُوح : تغترف باليد . والقَديح : ما يبقى في أسفل القِدر ، فيغرف بَجهد . والمِقدحة : ما تُقْدَح به النار . والقدّاحة والقدّاح : الحجر الذي يُورِي النار . يقال : وَرَى الزند بالفتح يَرِي وَرْياً : إذا خرجت ناره . وفيه لغة أخرى : وَرِي الزند بالكسر يَرِي فيهما . وقد مضى هذا في سورة « الواقعة » . و « قَدْحاً » انتصب بما انتصب به « ضَبْحاً » . وقيل : هذه الآيات في الخيل ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوّهم . ومنه يقال للحرب إذا التحمت : حَمِيَ الوَطِيسُ . ومنه قوله تعالى : { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } [ المائدة : 64 ] . وروي معناه عن ابن عباس أيضاً ، وقاله قتادة . وعن ابن عباس أيضاً : أن المراد بالمُوريات قَدْحاً : مَكْرُ الرجال في الحرب وقاله مجاهد وزيد بن أسلم . والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله لأمكُرنَّ بك ، ثم لأُورِيَنَّ لك . وعن ابن عباس أيضاً : هم الذين يغزُون فيُورون نيرانهم بالليل ، لحاجتهم وطعامهم . وعنه أيضاً : أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهاباً . وكل من قرب من العدوّ يُوقد نيراناً كثيرة ليظنهم العدوّ كثيراً . فهذا إقسام بذلك . قال محمد بن كعب : هي النار تجمع . وقيل : هي أفكار الرجال تُورِي نار المكر والخديعة . وقال عكرمة : هي أَلْسنة الرجال تُورِي النار من عظيم ما تتكلم به ، ويَظْهر بها ، من إقامة الحُجج ، وإقامة الدلائل ، وإيضاح الحق ، وإبطال الباطل . وروى ابن جُريج عن بعضهم قال : فالمُنجِحات أَمْرا وعملاً ، كنجاح الزند إذا أوري . قلت : هذه الأقوال مجاز ومنه قولهم : فلان يُورِي زِناد الضلالة . والأوّل : الحقيقة ، وأن الخيل من شِدّة عدوِها تقدح النار بحوافرها . قال مقاتل : العرب تسمي تلك النار نار أبي حُباحِب ، وكان أبو حُباحِب شيخاً من مُضَر في الجاهلية ، من أبخل الناس ، وكان لا يُوقد نار الخبز ولا غيره حتى تنام العيون ، فيوقِد نُويرةً تقِد مرّة وتخمد أخرى فإن استيقظ لها أحد أطفأها ، كراهية أن ينتفع بها أحد . فشبهت العرب هذه النار بناره لأنه لا يُنتفع بها . وكذلك إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت ناراً ، فكذلك يسمونها . قال النابغة :