Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 106, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قيل : إن هذه السورة متصلة بالتي قبلها في المعنى . يقول : أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش أي لتأتلف ، أو لتتفق قريش ، أو لكي تأمن قريش فتُؤْلِف رحلتيها . وممن عدّ السورتين واحدة أبيّ بن كعب ، ولا فصل بينهما في مصحفه . وقال سفيان بن عيينة : كان لنا إمام لا يفصل بينهما ، ويقرؤهما معاً . وقال عمرو بن ميمون الأَوْدِيّ : صلينا المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ في الأولى : { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } [ التين : 1 ] وفي الثانية { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ } [ الفيل : 1 ] و { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } [ قريش : 1 ] . وقال الفراء : هذه السورة متصلة بالسورة الأولى لأنه ذكَّر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة ، ثم قال : « لإيلاف قُريش » أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نِعْمَةً منا على قريش . وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها ، فلا يُغار عليها ولا تُقْرب في الجاهلية . يقولون : هم أهل بيت الله جلّ وعزّ حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ويأخذ حجارتها ، فيبني بها بيتاً في اليمن يَحُج الناس إليه فأهلكهم الله عز وجل ، فذكَّرهم نِعْمته . أي فجعل الله ذلك لإيلاف قريش أي ليألفوا الخروج ولا يُجْتَرَأ عليهم وهو معنى قول مجاهد وابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه . ذكره النحاس : حدّثنا أحمد بن شُعيب قال أخبرني عمرو بن عليّ قال : حدّثني عامر بن إبراهيم وكان ثقة من خيار الناس قال حدّثني خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال : حدّثني أبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، في قوله تعالى : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } قال : نعمتي على قريش إيلافُهُمْ رحلة الشتاء والصيف . قال : كانوا يَشْتون بمكة ، ويَصِيفون بالطائف . وعلى هذا القول يجوز الوقف على رؤوس الآي وإن لم يكن الكلام تاماً على ما نبينه أثناء السورة . وقيل : ليست بمتصلة لأن بين السورتين « بسم الله الرحمن الرحيم » وذلك دليل على انقضاء السورة وافتتاح الأخرى ، وأن اللام متعلقة بقوله تعالى : « فلْيعبدوا » أي فليعبدوا هؤلاء ربَّ هذا البيت ، لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف للامتيار . وكذا قال الخليل : ليست متصلة كأنه قال : ألَّف الله قريشاً إيلافاً فليعبدوا ربَّ هذا البيت . وعمِل ما بعد الفاء فيما قبلها لأنها زائدة غير عاطفة كقولك : زيداً فاضرب . وقيل : اللام في قوله تعالى : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } لام التعجب أي اعجبوا لإيلاف قريش قاله الكسائيّ والأخفش . وقيل : بمعنى إلى . وقرأ ابن عامر : « لإِئلافِ قريش » مهموزاً مختلساً بلا ياء . وقرأ أبو جعفر والأعرج « لِيلاَف » بلا همز طلباً للخفة . الباقون « لإيلاف » بالياء مهموزاً مشبعاً من آلَفْتُ أَولِفُ إيلافاً . قال الشاعر : @ المُنْعِمِين إذا النجوم تغيرتْ والظاعنين لرحلةِ الإِيلافِ @@ ويقال : أَلِفْتُه إلْفاً وإلافا . وقرأ أبو جعفر أيضاً : « لإِلْفِ قُرَيش » وقد جمعهما من قال : @ زَعَمْتُمْ أنّ إِخوتَكُمْ قُرَيْشٌ لهم إلف وليس لكم إلاف @@ قال الجوهريّ : وفلان قد ألِف هذا الموضعَ بالكسر يألفُه إلْفاً ، وآلفه إياه غيره . ويقال أيضاً : آلَفت الموضع أَولِفه إيلافاً . وكذلك : آلفت الموضع أُولِفُه مُؤالفة وإلافاً فصار صورة أفعل وفاعل في الماضي واحدة . وقرأ عِكرمة « لَيَأْلفْ » بفتح اللام على الأمر . وكذلك هو في مصحف ابن مسعود . وفتح لام الأمر لغة حكاها ابن مجاهد وغيره . وكان عكرمة يعيب على من يقرأ « لإيلاف » . وقرأ بعض أهل مكة « إلاف قريش » واستشهد بقول أبي طالب يوصي أخاه أبا لهب برسول الله صلى الله عليه وسلم : @ فَلا تُتْركَنْه ما حيِيتَ لِمُعْظَمٍ وكنْ رجلاً ذا نَجْدةٍ وعَفافِ تذود العِدا عن عُصْبة هاشميةٍ إلافُهم في الناس خيرُ إلاَفِ @@ وأما قريش فهم بنو النضر بن كِنانة بن خزيمة بن مدرِكة بن إلياس بن مضر . فكل من كان من ولد النضر فهو قرشيّ دون بني كِنانة ومن فوقه . وربما قالوا : قُرَيْشِيّ ، وهو القياس قال الشاعر : @ بكل قُرَيْشِيّ عليه مَهابة @@ فإن أردت بقريش الحيّ صرفته ، وإن أردت به القبيلة لم تصرفه قال الشاعر : @ وكَفَى قُرَيشَ المُعْضِلاتِ وسادَها @@ والتقريش : الاكتساب ، وتقرّشوا أي تجمعوا . وقد كانوا متفرّقين في غير الحرم ، فجمعهم قُصَيّ بن كلاب في الحرم ، حتى اتخذوه مَسْكناً . قال الشاعر : @ أبونا قُصَيّ كان يُدْعَى مُجَمِّعاً به جمع الله القبائلَ من فِهرِ @@ وقد قيل : إن قريشاً بنو فِهر بن مالك بن النضر . فكل من لم يلده فِهر فليس بقرشيّ والأوّل أصح وأثبت . وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنا ولد النضر بن كنانة لا نقفو أُمنا ، ولا ننتفِي من أبِينا " وقال وائلة بن الأسْقَع : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن الله اصطفى كِنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من بني كِنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " صحيح ثابت ، خرّجه البخاريّ ومسلم وغيرهما . واختلِف في تسميتهم قريشاً على أقوال : أحدها : لتجمُّعهم بعد التفرق ، والتقرش : التجمع والالتئام . قال أبو جِلْدةَ اليَشْكُري : @ إخوة قَرَّشُوا الذنوبَ علينا في حديثٍ مِن دهرهمْ وقديم @@ الثاني : لأنهم كانوا تِجاراً يأكلون من مكاسبهم . والتَّقرُّش : التكسُّب . وقد قَرَشَ يَقْرُشُ قَرْشاً : إذا كسب وجمع . قال الفرّاء : وبه سميت قُريش . الثالث : لأنهم كانوا يفتشون الحاج من ذي الخَلة ، فيسدّون خَلته . والقَرْش : التفتيش . قال الشاعر : @ أَيُّها الشامتُ المقرش عنا عند عمرو فهلْ له إبقاء @@ الرابع : ما روي أن معاوية سأل ابن عباس لم سميت قريش قريشاً ؟ فقال : لدابة في البحر من أقوى دوابه يقال لها القِرش تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تُعْلَى . وأنشد قول تُبَّع :