Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قراءة العامة . « إِنا أَعْطيناك » بالعين . وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف : « أَنْطَيْنَاكَ » بالنون وروته أمّ سلمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي لغة في العطاء أنطيته : أعطيته . و « الكوثر » : فوعل من الكثرة مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر . والعرب تسمي كل شيء كثيرٍ في العدد والقدر والخطر كوثراً . قال سفيان : قيل لعجوز رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت : بكوثر أي بمال كثير . والكوثر من الرجال : السيد الكثير الخير . قال الكميت : @ وأنت كثيرٌ يابنَ مَرْوانَ طَيِّبٌ وكان أبوك ابنُ العقائِلِ كَوْثرا @@ والكوثر : العدد الكثير من الأصحاب والأشياع . والكوثر من الغبار : الكثير . وقد تكوثر إذا كثر قال الشاعر : @ وقـد ثـارَ نقـع المـوتِ حـتـى تَكَـوثـرا @@ الثانية : واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطِيه النبي صلى الله عليه وسلم على ستة عشر قولاً : الأوّل : أنه نهر في الجنة رواه البخاريّ عن أنس والترمذيّ أيضاً وقد ذكرناه في كتاب التذكرة . وروى الترمذي أيضاً عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكَوْثر : نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدرّ والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج " هذا حديث حسن صحيح . الثاني : أنه حوض النبيّ صلى الله عليه وسلم في الموقف قاله عطاء . وفي صحيح مسلم " عن أنس قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : « نزلت عليَّ آنفاً سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } ثم قال أتدرون ما الكوثر » ؟ قلنا الله ورسوله أعلم . قال : « فإنّه نَهرٌ وَعَدنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَ ، عليه خَيرٌ كَثِير هُو حَوْضٌ تَرِد عَلَيْهِ أمّتي يَوْمَ القيامة آنِيَتُهُ عَددُ النُّجُوم ، فيُخْتلَجُ العبدُ منهمْ فأقولُ إنَّهُ من أمّتي ، فيقال إنك لا تَدْرِي ما أَحْدَثَ بَعْدَكَ » " . والأخبار في حوضه في الموقف كثيرة ، ذكرناها في كتاب « التذكرة » . وأن على أركانه الأربعة خُلفَاءَه الأربعة رضوان الله عليهم . وأنَّ من أبغض واحداً منهم لم يسقِه الآخر ، وذكرنا هُناكَ من يُطْرَد عنه . فمن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك . ثم يجوز أن يسمى ذلك النهر أو الحوض كوثراً ، لكثرة الواردة والشاربة من أمّة محمد عليه السلام هناك . ويسمى به لما فيه من الخير الكثير والماء الكثير . الثالث : أن الكوثَر النبوّةُ والكتابُ قاله عكرمة . الرابع : القرآن قاله الحسن . الخامس : الإسلام حكاه المغيرة . السادس : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع قاله الحسين بن الفضل . السابع : هو كثرة الأصحاب والأمة والأشياع قاله أبو بكر بن عياش ويمان بن رِئاب . الثامن : أنه الإيثار قاله ابن كَيْسان . التاسع : أنه رِفعة الذكر . حكاه الماورديّ . العاشر : أنه نور في قلبك دلك عليّ ، وقطعك عما سوايَ . وعنه : هو الشفاعة وهو الحادي عشر . وقيل : معجزات الربّ هُدِيَ بها أهلُ الإجابة لدعوتك حكاه الثعلبيّ ، وهو الثاني عشر . الثالث عشر : قال هلال بن يساف : هو لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله . وقيل : الفقه في الدين . وقيل : الصلوات الخمس وهما الرابع عشر والخامس عشر . وقال ابن إسحاق : هو العظيم من الأمر وذكر بيت لبِيد : @ وصاحب مَلْحوبٍ فُجِعْنا بفقدِهِ وعِندَ الرَّداعِ بيت آخرَ كَوْثَر @@ أي عظيم . قلت : أصح هذه الأقوال الأوّل والثاني لأنه ثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نص في الكوثر . وسمِع أنس قوماً يتذاكرون الحوض فقال : ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يَتَمارَوْن في الحوض ، لقد تركت عجائز خلفي ، ما تصلِّي امرأة منهنّ إلا سألت الله أن يسقِيها من حوض النبيّ صلى الله عليه وسلم . وفي حوضه يقول الشاعر : @ يا صاحبَ الحوضِ مَنْ يُدَانيكَا وأنتَ حَقًّا حبيبُ بارِيكا @@ وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أُعْطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة على حوضه صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً .