Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 109, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس : أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد المطلب ، وأمية بن خَلَف لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، هَلُمَّ فلنعبدْ ما تعبد ، وتَعْبَدْ ما نَعْبد ، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا ، كنا قد شاركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه . وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما بيدك ، كنت قد شرِكتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك منه فأنزل الله عز وجل { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } . وقال أبو صالح عن ابن عباس : إنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لَوِ اسْتَلَمْت بعض هذه الآلهة لصدقناك فنزل جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه السورة ، فيئسوا منه ، وآذَوه وآذَوا أصحابه . والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة لأيّ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره ، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم . ونحوه عن الماوردّي : نزلت جواباً ، وعَنَى بالكافرينَ قوماً مُعَيَّنِين ، لا جميع الكافرين لأن منهم من آمن ، فعبد الله ، ومنهم من مات أو قُتِل على كفره ، وهم المخاطبون بهذا القول ، وهم المذكورون . قال أبو بكر بن الأنباريّ : وقرأ من طعن في القرآن : قُلْ لِلَّذِين كَفَرُوا { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } وزعم أن ذلك هو الصواب ، وذلك افتراء على رب العالمين ، وتضعيف لمعنى هذه السورة ، وإبطال ما قصده الله من أن يُذِلّ نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزرِيّ ، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لبِ وحِجاً . وذلك أن الذي يدّعيه من اللفظ الباطل ، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى ، وتزيد تأويلاً ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم . فمعنى قراءتنا : قل للذين كفروا : يا أيها الكافرون دليل صحة هذا : أن العربيّ إذا قال لمخاطبه قل لزيد أقبل إلينا ، فمعناه قلْ لزيد يا زيد أقبل إلينا . فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم ، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم ، فيقول لهم : « يٰأيها الكافرون » . وهو يعلم أنهم يغضبون من أن يُنْسبوا إلى الكفر ، ويدخلو في جملة أهله إلاَّ وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد ، أو تقع به من جهتهم أذِية . فمن لم يقرأ { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } كما أنزلها الله ، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها ، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه ، التي منحه الله إياها ، وشرّفه بها . وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله . قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء ، أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد قال الله تعالى : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 45 ] . { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المطففين : 10 ] . { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [ النبأ : 4 5 ] . و { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [ الشرح : 5 - 6 ] . كل هذا على التأكيد . وقد يقول القائل : إِرْمِ إِرْمِ ، اعجَلْ اعجَلْ ومنه قوله عليه السلام في الحديث الصحيح : " فلان آذن ، ثم لا آذن ، إنما فاطمة بضعة مني " خرّجه مسلم . وقال الشاعر : @ هلا سالتِ جموعَ كِندة يومَ ولَّوْا أَيْنَ أَيْنا @@ وقال آخر : @ يا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لِي كُلَيْباً يا لَبَكْرٍ أَينَ أَيْنَ الفِرارُ @@ وقال آخر : @ يا علقمهْ يا علقمهْ يا علقمهْ خيرَ تميم كُلِّها وأَكْرمَهْ @@ وقال آخر : @ يا أَقرعُ بنُ حابسٍ يا أَقْرَعُ إنكَ إنْ يُصْرَع أَخوكَ تُصْرَعُ @@ وقال آخر : @ ألاَ يا اسلَمِي ثم اسلَمِي ثُمَّتَ اسْلَمِي ثَلاَث تَحِيَّاتٍ وإنْ لمْ تَكَلَّمَ @@ ومثله كثير . وقيل : هذا على مطابقة قولهم : تَعبُد آلهتنا ونعبُد إلهَكَ ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، فنجرِي على هذا أبداً سَنَة وسنة . فأجيبوا عن كل ما قالوه بضدّه أي إن هذا لا يكون أبداً . قال ابن عباس : قالت قريش للنبيّ صلى الله عليه وسلم : نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجلٍ بمكة ، ونزوّجك مَنْ شئت ، ونطأ عقِبَك أي نمشِي خلفَك ، وتَكُفُّ عن شتم آلهتنا ، فإن لم تفعل فنحن نَعْرِض عليك خَصْلة واحدة هي لنا ولك صلاح تعبدُ آلهتنا اللات والعُزّى سنة ، ونحن نعبد إلهك سنة فنزلت السورة . فكان التكرار في « لا أعبد ما تعبدون » لأن القوم كرّروا عليه مقالهم مرة بعد مرة . والله أعلم . وقيل : إنما كرّر بمعنى التغليظ . وقيل : أي « لا أعبد » الساعة « ما تعبدون . ولا أنتم عابِدون » الساعة « ما أعبد » . ثم قال : « ولا أنا عابِد » في المستقبل « ما عبدتم . ولا أنتم » في المستقبل « عابِدون ما أعبد » . قاله الأخفش والمبرّد . وقيل : إنهم كانوا يعبدون الأوثان ، فإذا ملوا وثَنا ، وسئِموا العبادة له ، رفضوه ، ثم أخذوا وثَنا غيره بشهوة نفوسهم ، فإذا مروا بحجارة تعجبهم ألقوا هذه ، ورفعوا تلك ، فعظموها ونصبوها آلهة يعبدونها فأُمِر عليه السلام أن يقول لهم : « لا أعبد ما تعبدون » اليوم من هذه الآلهة التي بين أيديكم . ثم قال : « ولا أنتم عابِدون ما أعبد » وإنما تعبدون الوثن الذي اتخذتموه ، وهو عندكم الآن . « ولا أنا عابِد ما عبدتم » أي بالأمس من الآلهة التي رفضتموها ، وأقبلتم على هذه . { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } فإني أعبد إلهِي . وقيل : إن قوله تعالى : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في الاستقبال . وقوله : { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } على نفي العبادة منه لِما عبدوا في الماضي . ثم قال : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } على التكرير في اللفظ دون المعنى ، من قِبل أن التقابل يوجب أن يكون : ولا أنتم عابدون ما عبدت ، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد ، إشعاراً بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل ، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر . وأكثر ما يأتي ذلك في أخبار الله عز وجل . وقال : « ما أعبدُ » ، ولم يقل : مَنْ أعبد ليقابل به « ولا أنا عابِد ما عبدتم » وهي أصنام وأوثان ، ولا يصلح فيها إلا « ما » دون « مَنْ » فحُمل الأوّل على الثاني ، ليتقابل الكلام ولا يتنافى . وقد جاءت « ما » لمن يعقل . ومنه قولهم : سبحان ما سخركنّ لنا . وقيل : إن معنى الآيات وتقديرها : قل يا أيها الكافرون لا أَعبد الأصنام التي تعبدونها ، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده لإشراككم به ، واتخاذكم الأصنام ، فإن زعمتم أنكم تعبدونه ، فأنتم كاذبون لأنكم تعبدونه مشركين . فأنا لا أعبد ما عبدتم ، أي مثل عبادتكم فـ « ـما » مصدرية . وكذلك « ولا أنتم عابِدون ما أعبد » مصدرية أيضاً معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي ، التي هي توحيد .