Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 114-114)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } لم يختلف أحد من أهل التأويل في أن الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة وخصها بالذكر لأنها ثانية الإيمان ، وإليها يفزع في النوائب وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر فزع إلى الصلاة . وقال شيوخ الصوفية : إن المراد بهذه الآية ٱستغراق الأوقات بالعبادة فرضاً ونفلاً قال ٱبن العربي : وهذا ضعيف ، فإن الأمر لم يتناول ذلك إلا واجباً لا نفلاً ، فإن الأوراد معلومة ، وأوقات النوافل المرغّب فيها محصورة ، وما سواها من الأوقات يسترسل عليها الندب على البدل لا على العموم ، وليس ذلك في قوة بشر . الثانية : قوله تعالى : { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } قال مجاهد : الطرف الأول صلاة الصبح ، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر وٱختاره ٱبن عطية . وقيل : الطرفان الصبح والمغرب قاله ٱبن عباس والحسن . وعن الحسن أيضاً : الطرف الثاني العصر وحده وقاله قتادة والضحّاك . وقيل : الطّرفان الظهر والعصر . والزُّلَف المغرب والعشاء والصبح كأن هذا القائل راعى جهر القراءة . وحكى الماورديّ أن الطرف الأوّل صلاة الصبح باتفاق . قلت : وهذا الاتفاق ينقصه القول الذي قبله . ورجح الطّبري أن الطرفين الصبح والمغرب ، وأنه ظاهر قال ٱبن عطية : ورد عليه بأن المغرب لا تدخل فيه لأنها من صلاة الليل . قال ٱبن العربي : والعجب من الطبري الذي يرى أن طرفي النهار الصبح والمغرب وهما طرفا الليل ! فقلب القوس ركوة ، وحاد عن البرجاس غلوة قال الطبري : والدليل عليه إجماع الجميع على أن أحد الطرفين الصبح ، فدلّ على أن الطرف الآخر المغرب ، ولم يجمع معه على ذلك أحد . قلت : هذا تحامل من ٱبن العربي في الرد ، وأنه لم يجمع معه على ذلك أحد وقد ذكرنا عن مجاهد أن الطرف الأول صلاة الصبح ، وقد وقع الاتفاق إلا من شذّ بأن من أكل أو جامع بعد طلوع الفجر متعمداً أن يومه ذلك يوم فطر ، وعليه القضاء والكفارة ، وما ذلك إلا وما بعد طلوع الفجر من النهار فدلّ على صحة ما قاله الطّبري في الصبح ، وتبقى عليه المغرب والردّ عليه فيه ما تقدّم . والله أعلم . الثالثة : قوله تعالى : { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } أي في زُلَفٍ من الليل ، والزّلف الساعات القريبة بعضها من بعض ومنه سميت المزْدَلِفَة لأنها منزل بعد عَرَفَة بقرب مكة . وقرأ ابن القَعْقاع وابن أبي إسحاق وغيرهما « وَزُلُفاً » بضم اللام جمع زَلِيف لأنه قد نطق بزليف ، ويجوز أن يكون واحده « زُلُفة » لغة كبُسرة وبسُر ، في لغة من ضمّ السين . وقرأ ٱبن محيصن « وَزُلْفاً » من الليل بإسكان اللام والواحدة زُلْفة تجمع جمع الأجناس التي هي أشخاص كدرّةٍ ودُرّ وبُرّة وبُرّ . وقرأ مجاهد وٱبن محيصن أيضاً « زُلْفَى » مثل قُربى . وقرأ الباقون « وَزُلَفاً » بفتح اللام كغُرْفة وغُرَف . قال ابن الأعرابي : الزلّف الساعات ، واحدها زُلْفَة . وقال قوم : الزّلفة أوّل ساعة من الليل بعد مغيب الشمس فعلى هذا يكون المراد بزلف الليل صلاة العَتَمَة قاله ابن عباس . وقال الحسن : المغرب والعشاء . وقيل : المغرب والعشاء والصبح وقد تقدّم . وقال الأخفش : يعني صلاة الليل ولم يعين . الرابعة : قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } ذهب جمهور المتأولين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين إلى أن الحسنات هاهنا هي الصلوات الخمس وقال مجاهد : الحسنات قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا إلٰه إلاّ الله والله أكبر ، قال ٱبن عطية : وهذا على جهة المثال في الحسنات ، والذي يظهر أن اللفظ عام في الحسنات خاص في السيئات لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما ٱجتنبتِ الكبائر " قلت : سبب النزول يعضد قول الجمهور نزلت في رجل من الأنصار ، قيل : هو أبو اليَسَر بن عمرو . وقيل : ٱسمه عَبّاد خلا بامرأة فقبّلها وتلذذ بها فيما دون الفرج . روى الترمذي عن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني عالجت ٱمرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أَمسّها وأنا هذا فاقض فيّ ما شئت . فقال له عمر : لقد سترك الله ! لو سترت على نفسك فلم يردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فانطلق الرجل فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فدعاه ، فتلا عليه : { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } إلى آخر الآية فقال رجل من القوم : هذا له خاصة ؟ قال : " لا بل للناس كافة " قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وخرّج أيضاً عن ٱبن مسعود أن رجلاً أصاب من ٱمرأة قُبلةَ حرامٍ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن كفارتها فنزلت : { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَـٰتِ } فقال الرجل : ألِي هذه يا رسول الله ؟ فقال : " لك ولمن عمل بها من أمتي " قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وروي " عن أبي اليَسَر قال : أتتني ٱمرأة تبتاع تمراً فقلت : إن في البيت تمراً أطيب من هذا ، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها ، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال : ٱستر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً فلم أصبر ، فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال : ٱستر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً فلم أصبر ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : أَخْلَفْتَ غازياً في سبيل الله في أهله بمثل هذا " ؟ حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة ، حتى ظن أنه من أهل النار . قال : وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } . قال أبو اليَسَر : فأتيته فقرأها عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابه : يا رسول اللهٰ ألِهذا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال : « بل للناس عامة " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب ، وقيس بن الربيع ضعّفه وَكِيعٌ وغيره وقد روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه ، وأقيمت صلاة العصر فلما فرغ منها نزل جبريل عليه السلام عليه بالآية فدعاه فقال له : « أشهدت معنا الصلاة ؟ قال نعم قال : « ٱذهب فإنها كفارة لما فعلت " وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا عليه هذه الآية قال له : « قم فصل أربع ركعات " والله أعلم . وخرّج الترمذي الحكيم في « نوادر الأصول » من حديث ٱبن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لم أر شيئاً أحسن طلباً ولا أسرع إدراكاً من حسنة حديثة لذنب قديم " ، { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } . الخامسة : دلّت الآية مع هذه الأحاديث على أن القبلة الحرام واللّمس الحرام لا يجب فيهما الحدّ ، وقد يستدلّ به على أن لا حدّ ولا أدب على الرجل والمرأة وإن وُجدا في ثوب واحد ، وهو ٱختيار ٱبن المنذر لأنه لما ذكر ٱختلاف العلماء في هذه المسألة ذكر هذا الحديث مشيراً إلى أنه لا يجب عليهما شيء ، وسيأتي ما للعلماء في هذا في « النور » إن شاء الله تعالى . السادسة : ذكر الله سبحانه في كتابه الصلاة بركوعها وسجودها وقيامها وقراءتها وأسمائها فقال : { أَقِمِ الصَّلاَةَ } الآية . وقال : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [ الإسر اء : 78 ] الآية . وقال : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُون } [ الروم : 17 18 ] . وقال : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } [ طه : 130 ] . وقال : { ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } [ الحج : 77 ] . وقال : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } [ البقرة : 238 ] . وقال : { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } [ الأعراف : 204 ] على ما تقدم . وقال : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } [ الإسراء : 110 ] أي بقراءتك وهذا كله مجمل أجمله في كتابه ، وأحال على نبيه في بيانه فقال جل ذكره : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [ النحل : 44 ] فبيّن صلى الله عليه وسلم مواقيت الصلاة ، وعدد الركعات والسَّجَدَات ، وصفة جميع الصلوات فرضها وسننها ، وما لا تصح الصلاة إلا به من الفرائض وما يستحب فيها من السنن والفضائل فقال في صحيح البخاري : " صلّوا كما رأيتموني أصلي " ونقل ذلك عنه الكافّة عن الكافة ، على ما هو معلوم ، ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى بَيّنَ جميع ما بالناس الحاجة إليه فكمل الدِّين ، وأوضح السبيل قال الله تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً } [ المائدة : 3 ] . قوله تعالى : { ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } أي القرآن موعظة وتوبة لمن اتعظ وتذكر وخص الذاكرين بالذكر لأنهم المنتفعون بالذكرى . والذكرى مصدر جاء بألف التأنيث .