Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 84-95)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } أي وأرسلنا إلى مدين ، ومدين هم قوم شعيب . وفي تسميتهم بذلك قولان : أحدهما أنهم بنو مدين بن إبراهيم فقيل : مدين والمراد بنو مدين . كما يقال مُضَر والمراد بنو مُضَر . الثاني أنه ٱسم مدينتهم ، فنسبوا إليها . قال النحاس : لا ينصرف مدين لأنه ٱسم مدينة وقد تقدّم في « الأعراف » هذا المعنى وزيادة . { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } تقدّم . { وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد ، وٱستوفوا بغاية ما يَقدِرون عليه وظلموا وإن جاءهم مشتَرٍ للطعام باعوه بكيل ناقص ، وشحّحوا له بغاية ما يقدِرون فأمروا بالإيمان إقلاعاً عن الشرك ، وبالوفاء نهياً عن التطفيف . { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } أي في سَعة من الرزق ، وكثرة من النِّعم . وقال الحسن : كان سعرهم رخيصاً . { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } وصف اليوم بالإحاطة ، وأراد وصف ذلك اليوم بالإحاطة بهم فإن يوم العذاب إذا أحاط بهم فقد أحاط العذاب بهم ، وهو كقولك : يوم شديد أي شديد حرّه . وٱختلف في ذلك العذاب فقيل : هو عذاب النار في الآخرة . وقيل : عذاب الاستئصال في الدنيا . وقيل : غلاء السعر روي معناه عن ٱبن عباس . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ٱبتلاهم الله بالقحط والغلاء " وقد تقدّم . قوله تعالى : { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أمر بالإيفاء بعد أن نهى عن التطفيف تأكيداً . والإيفاء الإتمام . « بالقسطِ » أي بالعدل والحق ، والمقصود أن يصل كل ذي نصيب إلى نصيبه وليس يريد إيفاء المكيل والموزون لأنه لم يقل : أوفوا بالمكيال وبالميزان بل أراد ألا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود ، وكذا الصنجات . { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } أي لا تنقصوهم مما ٱستحقوه شيئاً . { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } بيّن أن الخيانة في المكيال والميزان مبالغة في الفساد في الأرض ، وقد مضى في « الأعراف » زيادة لهذا ، والحمد لله . قوله تعالى : { بَقِيَّةُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي ما يبقيه الله لكم بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة ، وأحمد عاقبة مما تبقونه أنتم لأنفسكم من فضل التطفيف بالتجبّر والظلم قال معناه الطبريّ وغيره . وقال مجاهد : { بَقِيَّةُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ } يريد طاعته . وقال الرّبيع : وصية الله . وقال الفرّاء : مراقبة الله . ابن زيد : رحمة الله . قتادة والحسن : حظكم من ربكم خير لكم . وقال ابن عباس : رزق الله خير لكم . { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } شرط هذا لأنهم إنما يعرفون صحة هذا إن كانوا مؤمنين . وقيل : يحتمل أنهم كانوا يعترفون بأن الله خالقهم فخاطبهم بهذا . { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أي رقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم أي لا يمكنني شهود كل معاملة تصدر منكم حتى أؤاخذكم بإيفاء الحق . وقيل : أي لا يتهيأ لي أن أحفظكم من إزالة نعم الله عليكم بمعاصيكم . قوله تعالى : { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَوَاتُكَ } وقرىء « أَصَلاَتُكَ » من غير جمع . { تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } « أن » في موضع نصب قال الكسائي : موضعها خفض على إضمار الباء . وروي أن شعيباً عليه السلام كان كثير الصلاة ، مواظباً على العبادة فرضها ونفلها ويقول : الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فلما أمرهم ونهاهم عيّروه بما رأوه يستمرّ عليه من كثرة الصلاة ، واستهزؤوا به فقالوا ما أخبر الله عنهم . وقيل : إن الصلاة هنا بمعنى القراءة قاله سفيان عن الأعمش ، أي قراءتك تأمرك ودلّ بهذا على أنهم كانوا كفاراً . وقال الحسن : لم يبعث الله نبيّاً إلا فرض عليه الصلاة والزكاة . { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } زعم الفراء أن التقدير : أو تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء . وقرأ السُّلَميّ والضّحاك بن قيس « أو أن تفعل في أموالِنا ما تشاء » بالتاء في الفعلين ، والمعنى : ما تشاء أنت يا شعيب . وقال النحاس : « أو أن » على هذه القراءة معطوفة على « أن » الأولى . ورُوي عن زيد بن أسلم أنه قال : كان مما نهاهم عنه حَذْف الدراهم . وقيل : معنى . « أَوْ أَنْ نَفْعَل في أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ » إذا تراضينا فيما بيننا بالبخس فَلِم تمنعنا منه ؟ ٰ . { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } يعنون عند نفسك بزعمك ومثله في صفة أبي جهل : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] أي عند نفسك بزعمك . وقيل : قالوه على وجه الاستهزاء والسخرية ، قاله قتادة . ومنه قولهم للحبشي : أبو البيضاء ، وللأبيض أبو الْجَون ومنه قول خزنة جهنم لأبي جهل . « ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ » . وقال سفيان بن عُيَينة : العرب تصف الشيء بضدّه للتطيّر والتفاؤل ، كما قيل لِلَّدِيغ سَلِيم ، وللفلاة مَفازة . وقيل : هو تعريض أرادوا به السبّ وأحسن من هذا كله ، ويدلّ ما قبله على صحته ، أي إنك أنت الحليم الرشيد حقاً ، فكيف تأمرنا أن نترك ما يعبد آباؤناٰ ويدلّ عليه . { أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } أنكروا لما رأوا من كثرة صلاته وعبادته ، وأنه حليم رشيد بأن يكون يأمرهم بترك ما كان يعبد آباؤهم ، وبعده أيضاً ما يدلّ عليه . { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً } أي أفلا أنهاكم عن الضلال ؟ ٰ وهذا كله يدلّ على أنهم قالوه على وجه الحقيقة ، وأنه اعتقادهم فيه . ويشبه هذا المعنى قول اليهود من بني قريظة للنبي صلى الله عليه وسلم حين قال لهم : « يا إخوة القردة » فقالوا : يا محمد ما علمناك جهولا ! . مسألة : قال أهل التفسير : كان مما ينهاهم عنه ، وعُذبوا لأجله قطع الدنانير والدراهم كانوا يقرضون من أطراف الصحاح لتفضل لهم القُراضة ، وكانوا يتعاملون على الصحاح عدّاً ، وعلى المقروضة وزنا ، وكانوا يبخسون في الوزن . وقال ابن وهب قال مالك : كانوا يكسرون الدنانير والدراهم ، وكذلك قال جماعة من المفسرين المتقدّمين كسعيد بن المسيّب ، وزيد بن أسلم وغيرهما وكسرهما ذنب عظيم . وفي كتاب أبي داود عن علقمة بن عبد الله عن أبيه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكسر سَكَّة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس فإنها إذا كانت صحاحاً قام معناها ، وظهرت فائدتها ، وإذا كسرت صارت سِلعة ، وبطلت منها الفائدة فأضر ذلك بالناس ولذلك حرم . وقد قيل في تأويل قوله تعالى : { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } [ النمل : 48 ] أنهم كانوا يكسرون الدراهم قاله زيد بن أسلم . قال أبو عمر بن عبد البر : زعموا أنه لم يكن بالمدينة أعلم بتأويل القرآن من زيد بن أسلم بعد محمد بن كعب القُرَظيّ . مسألة : قال أصْبغ قال عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جُنادة مولى زيد بن الحارث العُتَقيّ : من كسرها لم تقبل شهادته ، وإن اعتذر بالجهالة لم يعذر ، وليس هذا بموضع عذر قال ٱبن العربي : أما قوله : لم تقبل شهادته فلأنه أتى كبِيرةً ، والكبائر تسقط العدالة دون الصغائر وأما قوله : لا يقبل عذره بالجهالة في هذا فلأنه أمرٌ بيّنٌ لا يخفى على أحد ، وإنما يقبل العذر إذا ظهر الصدق فيه ، أو خفِي وجه الصدق فيه ، وكان الله أعلم به من العبد كما قال مالك . مسألة : إذا كان هذا معصية وفساداً تردّ به الشهادة فإنه يعاقب من فعل ذلك . ومرّ ابن المسيّب برجل قد جُلد فقال : ما هذا ؟ قال رجل : يقطع الدنانير والدراهم قال ٱبن المسيّب : هذا من الفساد في الأرض ولم ينكر جلده ونحوه عن سفيان . وقال أبو عبد الرحمن النَّجِيبي : كنت قاعداً عند عمر بن عبد العزيز وهو إذ ذاك أمير المدينة فأتى برجل يقطع الدراهم وقد شُهِد عليه فضربه وحَلَقه ، وأمر فطِيف به ، وأمره أن يقول : هذا جزاء من يقطع الدراهم ثم أمر أن يُرَدّ إليه فقال : إنه لم يمنعني أن أقطع يدك إلا أني لم أكن تقدّمت في ذلك قبل اليوم ، وقد تقدّمت في ذلك فمن شاء فليقطع . قال القاضي أبو بكر بن العربيّ : أما أدبه بالسوط فلا كلام فيه ، وأما حلقه فقد فعله عمر وقد كنت أيام الحكم بين الناس أضرب وأحلق ، وإنما كنت أفعل ذلك بمن يرى شعره عوناً له على المعصية ، وطريقاً إلى التجمل به في الفساد ، وهذا هو الواجب في كل طريق للمعصية ، أن يقطع إذا كان غير مؤثر في البدن ، وأما قطع يده فإنما أخذ ذلك عمر من فصل السرقة وذلك أن قرض الدراهم غير كسرها ، فإن الكسر إفساد الوصف ، والقرض تنقيص للقدر ، فهو أخْذُ مالٍ على جهة الاختفاء فإن قيل : أليس الحِرز أصلاً في القطع ؟ قلنا : يحتمل أن يكون عمرُ يرى أن تهيئها للفصل بين الخلق ديناراً أو درهماً حِرز لها ، وحِرز كل شيء على قدر حاله وقد أنفذ ذلك ابن الزبير ، وقطع يد رجل في قطع الدنانير والدراهم . وقد قال علماؤنا المالكية : إن الدنانير والدراهم خواتيم الله عليها اسمه ولو قطع على قول أهل التأويل من كسر خاتماً لله كان أهلاً لذلك ، أو من كسر خاتم سلطان عليه ٱسمه أدّب ، وخاتم الله تقضى به الحوائج فلا يستويان في العقوبة . قال ابن العربيّ : وأرى أن يقطع في قرضها دون كسرها ، وقد كنت أفعل ذلك أيام توليتي الحكم ، إلا أني كنت محفوفاً بالجهال ، فلم أجبن بسبب المقال للحسدة الضلال فمن قدر عليه يوماً من أهل الحق فليفعله احتساباً لله تعالى . قوله تعالى : { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } تقدم . { وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً } أي واسعاً حلالاً ، وكان شعيب عليه السلام كثير المال ، قاله ابن عباس وغيره . وقيل : أراد به الهدى والتوفيق ، والعلم والمعرفة ، وفي الكلام حذف ، وهو ما ذكرناه ، أي أفلا أنهاكم عن الضلالٰ وقيل : المعنى « أرأيتم إن كنت على بينة من ربي » أتبع الضلال ؟ وقيل : المعنى « أرأيتم إن كنت على بينة من ربي » أتأمرونني بالعصيان في البخس والتطفيف ، وقد أغناني الله عنه . { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ } في موضع نصب بـ « ـأُريدُ » . { إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } أي ليس أنهاكم عن شيء وأرتكبه ، كما لا أترك ما أمرتكم به . { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ } أي ما أريد إلا فعل الصلاح أي أن تصلحوا دنياكم بالعدل ، وآخرتكم بالعبادة ، وقال : « مَا اسْتَطَعْتُ » لأن الاستطاعة من شروط الفعل دون الإرادة . و « ما » مصدرية ، أي إن أريد إلا الإِصلاح جهدي واستطاعتي . { وَمَا تَوْفِيقِيۤ } أي رشدي ، والتوفيق الرشد . { إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي اعتمدت . { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي أرجع فيما ينزل بي من جميع النوائب . وقيل : إليه أرجع في الآخرة . وقيل : إن الإنابة الدعاء ، ومعناه وله أدعو . قوله تعالى : { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } وقرأ يحيـى بن وثاب « يُجْرِمَنَّكُمْ » . { شِقَاقِيۤ } في موضع رفع . { أَن يُصِيبَكُم } في موضع نصب ، أي لا يحملنكم معاداتي على ترك الإيمان فيصيبكم ما أصاب الكفار قبلكم ، قاله الحسن وقتادة . وقيل : لا يكسبنكم شقاقي إصابتكم العذاب ، كما أصاب من كان قبلكم ، قاله الزجاج . وقد تقدّم معنى « يجرمنكم » في « المائدة » و « الشقاق » في « البقرة » وهو هنا بمعنى العداوة ، قاله السدّي ، ومنه قول الأخطل : @ ألاَ مَنْ مُبلغٌ عنّي رسولاً فكيف وجَدتُمُ طَعْمَ الشِّقاق @@ وقال الحسن البصري : إضراري . وقال قتادة : فِراقي . { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط . وقيل : وما ديار قوم لوط منكم ببعيد ، أي بمكان بعيد ، فلذلك وحد البعيد . قال الكسائيّ : أي دورهم في دوركم . قوله تعالى : { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } تقدم . { إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } اسمان من أسمائه سبحانه ، وقد بيناهما في كتاب « الأسنى في شرح الأسماء الحسنى » . قال الجوهريّ : وَدِدت الرجل أوده وداً إذا أحببته ، والودود المحب ، والوَد والوِد والوُد والمودة المحبة . وروي " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ذكر شعيباً قال : « ذاك خطيب الأنبياء " . قوله تعالى : { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } أي ما نفهم لأنك تحملنا على أمور غائبة من البعث والنشور ، وتعظنا بما لا عهد لنا بمثله . وقيل : قالوا ذلك إعراضاً عن سماعه ، واحتقاراً لكلامه يقال : فقِه يفقَه إذا فهم فِقْهاً وحكى الكسائي : فَقُه فَقَهاً وفِقْهاً إذا صار فقيهاً . { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } قيل : إنه كان مصاباً ببصره قاله سعيد بن جبير وقتادة . وقيل : كان ضعيف البصر قاله الثوري وحكى عنه النحاس مثل قول سعيد بن جبير وقتادة . قال النحاس : وحكى أهل اللغة أن حِمْيَر تقول للأعمى ضعيفاً أي قد ضعف بذهاب بصره كما يقال له ضرير أي قد ضرّ بذهاب بصره كما يقال له : مكفوف أي قد كف عن النظر بذهاب بصره . قال الحسن : معناه مهين . وقيل : المعنى ضعيف البدن حكاه عليّ بن عيسى . وقال السدي : وحيداً ليس لك جند وأعوان تقدر بها على مخالفتنا . وقيل : قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها . و « ضعيفاً » نصب على الحال . { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ } رفع بالابتداء ، ورهط الرجل عشيرته الذي يستند إليهم ويتقوّى بهم ومنه الرّاهِطَاء لجُحر الَيْربُوع لأنه يَتوثّق به ويخبِّىء فيه ولده . ومعنى { لَرَجَمْنَاكَ } لقتلناك بالرّجم ، وكانوا إذا قتلوا إنساناً رجموه بالحجارة ، وكان رهطه من أهل ملتهم . وقيل : معنى « لَرَجَمْنَاكَ » لشتمناك ومنه قول الجعدي : @ تَراجَمْنا بمُرّ القولِ حتى نصير كأننّا فَرسَا رِهانِ @@ والرجم أيضاً اللعن ومنه الشيطان الرجيم . { وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } أي ما أنت علينا بغالب ولا قاهر ولا ممتنع . قوله تعالى : { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ } « أرَهْطِيَ » رفع بالابتداء والمعنى أرهطي في قلوبكم { أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ } وأعظم وأجل وهو يملككم . { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } أي ٱتخذتم ما جئتكم به من أمر الله ظهرياً أي جعلتموه وراء ظهوركم ، وامتنعتم من قتلي مخافة قومي يقال : جعلت أمره بِظهرٍ إذا قصرت فيه ، وقد مضى في « البقرة » ، { إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ } أي من الكفر والمعصية . { مُحِيطٌ } أي عليم . وقيل : حفيظ . قوله تعالى : { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } تهديد ووعيد وقد تقدّم في « الأنعام » . { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي يهلكه . و « من » في موضع نصب ، مثل { يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } [ البقرة : 220 ] { وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } عطف عليها . وقيل : أي وسوف تعلمون من هو كاذب منا . وقيل في محل رفع تقديره : ويخزي من هو كاذب . وقيل : تقديره ومن هو كاذب فسيعلم كذبه ، ويذوق وبال أمره . وزعم الفرّاء أنهم إنما جاؤوا بـ « هو » في « وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ » لأنهم لا يقولون مَن قائم إنما يقولون : مَن قام ، ومَن يقوم ، ومَن القائم فزادوا « هو » ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل . قال النحاس : ويدل على خلاف هذا قوله : @ مَنْ رَسُولِي إلى الثُّرَيّا بِأَنِّي ضِقْتُ ذَرْعاً بِهَجْرِهَا والكتابِ @@ { وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } أي ٱنتظروا العذاب والسخطة ، فإني منتظر النصر والرحمة . قوله تعالى : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } قيل : صاح بهم جبريل صيحة فخرجت أرواحهم من أجسادهم { نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ } أي صيحة جبريل . وأنث الفعل على لفظ الصيحة ، وقال في قصة صالح : { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَة } [ هود : 67 ] فذكّر على معنى الصياح . قال ٱبن عباس : ما أهلك الله أمتين بعذاب واحد إلا قوم صالح وقوم شعيب ، أهلكهم الله بالصيحة غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة من تحتهم ، وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم . { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } تقدّم معناه . وحكى الكسائيّ أن أبا عبد الرحمن السلميّ قرأ " كَمَا بَعُدَتْ ثَمُودُ " بضم العين . قال النحاس : المعروف في اللغة إنما يقال بعِد يَبْعَدُ بَعَداً وبُعْداً إذا هلك . وقال المهدوي : من ضم العين من « بعدت » فهي لغة تستعمل في الخير والشر ، ومصدرها البعد وبعِدت تستعمل في الشر خاصة يقال : بَعِدَ يَبعَد بَعَداً فالبعد على قراءة الجماعة بمعنى اللَّعنة وقد يجتمع معنى اللغتين لتقاربهما في المعنى فيكون مما جاء مصدره على غير لفظه لتقارب المعاني .