Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 110, Ayat: 3-3)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي إذا صليت فأكثر من ذلك . وقيل : معنى سبح : صَلّ عن ابن عباس . « بِحَمْدِ ربك » أي حامداً له على ما آتاك من الظفر والفتح . « واسْتَغْفِرْهُ » أي سلِ الله الغفران . وقيل : « فسبح » المراد به : التنزيه أي نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك له . « واسْتَغْفِرْه » أي سَلِ الله الغفران مع مداومة الذكر . والأوّل أظهر . روى الأئمة واللفظ للبخاريّ عن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه سورة { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } إلا يقول : « سُبْحانَكَ رَبَّنا وبِحَمْدك ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي » " وعنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثر أن يقول في ركوعه وسجوده : « سُبحانكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمدِك ، اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي » " يتأوّل القرآن . وفي غير الصحيح : وقالت أمّ سَلَمة : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال : " سُبْحانَ اللَّهِ وبحمدِهِ ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إليه قال فإنّي أُمِرت بها ثم قرأ { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } " إلى آخرها . وقال أبو هريرة : اجتهدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد نزولها ، حتى تَوَرَّمت قدماه ، ونَحَل جسمه ، وقل تبسمه ، وكثر بكاؤه . وقال عِكرمة : لم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ أشد اجتهاداً في أمور الآخرة ما كان منه عند نزولها . وقال مقاتل : " لما نزلت قرأها النبيّ صلى الله عليه وسلم على أصحابه ، ومنهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص ، ففرِحوا واستبشروا ، وبكى العباس فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : « ما يُبْكيكَ يا عَمُّ ؟ » قال : نُعِيَتْ إليكَ نَفْسُك . قال : « إنه لكما تقول » " فعاش بعدها ستين يوماً ، ما رُئِي فيها ضاحكاً مستبشراً . وقيل : نزلت في مِنًى بعد أيام التشريق ، في حِجة الوداع ، فبكى عُمر والعباس ، فقيل لهما : إن هذا يوم فرح ، فقالا : بل فيه نَعْي النبيّ صلى الله عليه وسلم . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " صَدَقتما ، نُعِيت إليّ نفسي " وفي البخاريّ وغيره عن ابن عباس قال : كان عمر بن الخطاب يأذن لأهل بدر ، ويأذن لي معهم . قال : فوجِد بعضهم من ذلك ، فقالوا : يأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله ! فقال لهم عمر : إنه من قد علمتم . قال : فأذن لهم ذات يوم ، وأذن لي معهم ، فسألهم عن هذه السورة { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فقالوا : أمر الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفره ، وأن يتوب إليه . فقال : ما تقول يا ابن عباس ؟ قلت : ليس كذلك ، ولكن أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم حضورَ أجله ، فقال : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } ، فذلك علامة موتك . { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } . فقال عمر رضي الله عنه : تلومونني عليه ؟ وفي البخاريّ فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول . ورواه الترمذيّ ، قال : كان عمر يسألني مع أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : أتسأله ولنا بنون مثله ؟ فقال له عمر : إنه من حيث نعلم . فسأله عن هذه الآية : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } . فقلت : إنما هو أجل رسوِل الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه إياه وقرأ السورة إلى آخرها . فقال له عمر : والله ما أعلم منها إلا ما تعلم . قال : هذا حديث حسن صحيح . فإن قيل : فماذا يغفر للنبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يؤمر بالاستغفار ؟ قيل له : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : " رَبِّ اغفرْ لِي خَطيئتَي وجَهْلِي ، وإسْرافِي في أَمْرِي كُلِّه ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفْر لي خَطَئي وعَمْدِي ، وجهلِي وهَزْلي ، وكل ذلك عندي . اللهم اغفر لي ما قدّمت وما أخرتُ ، وما أعلَنْت وما أسْرَرْت ، أنت المقدِّم وأنت المُوَخِّر ، إنكَ على كلِّ شيءٍ قَدِير " فكان صلى الله عليه وسلم يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به عليه ، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذُنُوباً . ويحتمل أن يكون بمعنى : كُنْ متعَلقاً به ، سائلاً راغباً ، متضرعاً على رؤية التقصير في أداء الحقوق لئلا ينقطع إلى رؤية الأعمال . وقيل : الاستغفار تَعَبُّد يجب إتيانه ، لا للمغفرة ، بل تعبداً . وقيل : ذلك تنبيه لأمته ، لكيلا يأمنوا ويتركوا الاستغفار . وقيل : « واستغفره » أي استغفر لأمتك . { إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } : أي على المسبحين والمستغفرين ، يتوب عليهم ويرحمهم ، ويقبل توبتهم . وإذا كان عليه السلام وهو معصوم يؤمر بالاستغفار ، فما الظن بغيره ؟ روى مسلم عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثر من قول : « سُبحَانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ ، أسْتغفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إليهِ » . قالت : فقلت يا رسول الله ، أراك تكثر من قول « سُبْحان اللَّهِ وبِحَمْدِه ، أستغفر الله وأتوب إليه » ؟ فقال : « خَبَّرَنِي رَبِّي أني سأرى علامة في أمتي ، فإذا رأَيتها أكثرت من قول سُبْحان اللَّهِ وبِحَمْدِهِ ، أستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فتح مكة { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } » " وقال ابن عمر : نزلت هذه السورة بِمِنًى في حِجَّة الوداع ، ثم نزلت { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [ المائدة : 3 ] فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يوماً . ثم نزلت آية الكَلاَلة ، فعاش بعدها خمسين يوماً . ثم نزل : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً . ثم نزل { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [ البقرة : 281 ] فعاش بعدها أحداً وعشرين يوماً . وقال مقاتل سبعة أيام . وقيل غير هذا مما تقدّم في « البقرة » بيانه ، والحمد لله .