Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 111, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } في الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم عن ابن عباس قال : لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] . « ورهطك منهم المخلصين » " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صَعِد الصَّفا ، فهتَفَ : يا صباحاه ! فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا : محمد . فاجتمعوا إليه . فقال : « يا بَني فُلان ، يا بني فلان ، يا بني فُلان ، يا بني عبد مناف ، يا بني عبدِ المطلب ! » فاجتمعوا إليه . فقال : « أَرَأَيْتَكُمْ لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مُصَدِّقِي ؟ » قالوا : ما جربنا عليك كذباً . قال « فإنِّي نذيرٌ لَكُمْ بينَ يَديّ عَذاب شَدِيد » " فقال أبو لهب : تَبْاً لك ، أما جمعتنا إلاَّ لهذا ! ثم قام ، فنزلت هذه السورة { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة . زاد الحميدي وغيره : فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه ، وفي يدها فِهر من حجارة ، فلما وقفتْ عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر ، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفِهر فاه ، والله إني لشاعرة : @ مُذَمَّماً عَصَيْنَا وأمْرَهُ أَبَيْنا وَدِينَه قَلَيْنَا @@ ثم انصرفت . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ قال : « ما رأتني ، لقد أخذ الله بصرها عني » . وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مُذَمَّماً ، يسبونه ، وكان يقول : " ألا تعجبون لِما صرف الله عني من أذى قريش ، يَسُبّون ويهجون مذمماً وأنا محمد " وقيل : إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد " أن أبا لهب أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا أُعْطَى إن آمنتُ بك يا محمد ؟ فقال : « كما يُعْطَى المسلمون » قال ما لي عليهم فضل ؟ ! . قال : « وأيّ شيء تَبْغي ؟ » قال : تبًّا لهذا من دين ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء فأنزل الله تعالى فيه : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } " وقول ثالث حكاه عبد الرحمن بن كيسان قال : كان إذا وفد على النبيّ صلى الله عليه وسلم وفد انطلق إليهم أبو لهب ، فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون له : أنت أعلم به منا . فيقول لهم أبو لهب : إنه كَذَّاب ساحر . فيرجعون عنه ولا يَلْقونه . فأتى وفد ، ففعل معهم مثل ذلك ، فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، ونسمع كلامه . فقال لهم أبو لهب : إنا لم نزل نعالجه فتَبًّا له وتَعْساً . فأُخبِر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاكتأب لذلك فأنزل الله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } … » السورة . وقيل : إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بحجر ، فمنعه الله من ذلك ، وأنزل الله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } للمنع الذي وقع به . ومعنى « تَبّتْ » : خَسِرت قاله قتادة . وقيل : خابت قال ابن عباس . وقيل : ضلّت قاله عطاء . وقيل : هلكت قاله ابن جبير . وقال يمان بن رِئاب : صَفِرت من كل خبر . حكى الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان رحمه الله سمع الناس هاتفاً يقول : @ لَقَدْ خَلَّوْكَ وانْصَرَفُوا فما آبُوا ولا رَجَعُوا ولم يُوفُوا بنَذْرِهِم فَيَا تَبًّا لِمَا صَنَعُوا @@ وخص اليدين بالتباب ، لأن العمل أكثر ما يكون بهما أي خسرتا وخسر هو . وقيل : المراد باليدين نفسه . وقد يعبَّر عن النفس باليد . كما قال الله تعالى : { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [ الحج : 10 ] أي نفسك . وهذا مَهْيَع كلامِ العرب تعبِّر ببعض الشيء عن كله تقول : أصابته يد الدهر ، ويد الرزايا والمنايا أي أصابه كل ذلك . قال الشاعر : @ لَمَّا أَكَبَّتْ يَدُ الرَّزَايا عَلَيهِ نادَى ألاَ مُجِيرُ @@ { وَتَبَّ } قال الفرّاء : التبُّ الأول : دعاء والثاني خبر ، كما يقال : أهلكه الله وقد هلك . وفي قراءة عبد الله وأبيّ « وَقَدْ تَبَّ » . وأبو لهب اسمه عبد العُزَّى ، وهو ابن عبد المطلب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم . وامرأته العوراء أم جميل ، أخت أبي سفيان بن حرب ، وكلاهما ، كان شديد العداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم . قال طارق بن عبد الله المحاربيّ : إني بسوق ذي المجَاز ، إذ أنا بإنسان يقول : " يا أيها الناس ، قولُوا لا إلٰه إلاّ الله تُفْلِحُوا " ، وإذا رجل خلفه يرميه ، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول : يا أيها الناس ، إنه كذاب فلا تصدقوه . فقلت : مَنْ هذا ؟ فقالوا : محمد ، زعم أنه نبي . وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب . وروى عطاء عن ابن عباس قال : قال أبو لهب : سَحَركم محمد ! إن أحدنا ليأكل الجَذَعة ، ويشرب العُسّ من اللبن فلا يشبع ، وإن محمداً قد أشبعكم من فخِذ شاة ، وأرواكم من عُسّ لبن . الثانية : قوله تعالى : { أَبِي لَهَبٍ } قيل : سمي باللَّهب لحسنه ، وإشراق وجهه . وقد ظن قوم أن في هذا دليلاً على تكنِية المشرك وهو باطل ، وإنما كناه الله بأبي لهب عند العلماء لمعان أربعة : الأول : أنه كان اسمه عبد العزى ، والعُزَّى : صنم ، ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم . الثاني : أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه فصرح بها . الثالث : أن الاسم أشرف من الكنية ، فحطه الله عز وجل عن الأشرف إلى الأنقص إذا لم يكن بُدٌّ من الإخبار عنه ، ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم ، ولم يَكْنِ عن أحد منهم . ويدلك على شرف الاسم على الكنية : أن الله تعالى يُسَمَّى ولا يُكنَّى ، وإن كان ذلك لظهوره وبيانه واستحالة نسبة الكنية إليه ، لتقدّسه عنها . الرابع : أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته بأن يدخله النار ، فيكون أبا لها تحقيقاً للنسب ، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه . وقد قيل : اسمه كنيته . فكان أهله يسمونه أبا لهب ، لتلهب وجهه وحسنه فصرفهم الله عن أن يقولوا : أبو النُّور ، وأبو الضياء ، الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه ، وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى لَهَبٍ الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم ، وهو النار . ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقرّه . وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن مُحَيْصِن . « أَبِي لَهبٍ » بإسكان الهاء . ولم يختلفوا في « ذَاتَ لَهَبٍ » أنها مفتوحة لأنهم راعَوْا فيها رؤوس الآي . الثالثة : قال ابن عباس : لما خلق الله عز وجل القلم قال له : اكتب ما هو كائن وكان فيما كتب { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } . وقال منصور : سُئِلَ الحسن عن قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } هل كان في أم الكتاب ؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألا يَصْلَى النار ؟ فقال : والله ما كان يستطيع ألاّ يصلاها ، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يُخْلَق أبو لهب وأبواه . ويؤيده قول موسى لآدم : أنت الذي خلقَكَ اللَّهُ بيده ، ونفخ فيك من رُوحه ، وأسكنك جَنَّته ، وأسْجَدَ لك ملائكته ، خَيَّبْتَ الناس ، وأَخْرجتهم من الجنة . قال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه ، وأعطاك التوراة ، تَلُومني على أمر كتبه الله عليّ قبل أن يخلق الله السموات والأرض . قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " فحجَّ آدمُ مُوسَى " ، وقد تقدّم هذا . وفي حديث هَمَّام عن أبي هريرة أن آدم قال لموسى : " بِكَمْ وجدتَ الله كَتَبَ التوراةَ قبلَ أَنْ يَخْلُقَنِي " ؟ قال : " بألفي عام " قال : " فهل وجدت فيها : وعَصَى آدمُ رَبَّهُ فَغَوَى " قال : " نعم " قال : " أفتلومني على أمر وكتب الله عليّ أن أفعله من قبل أن أخلق بألفي عام " . فحَجَّ آدمُ موسى . وفي حديث طاوُوس وابن هُرْمز والأعرج عن أبي هريرة : " بأربعين عاما "