Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 113, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه تسع مسائل : الأولى : روى النسائيّ " عن عقبة بن عامر ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب ، فوضعت يدي على قدمه ، فقلت : أقرئني سورة هُودٍ أقرئني سورة يوسف . فقال لي : « ولَنْ تَقْرأ شيئاً أبلغ عند الله من { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } » " وعنه قال : " بينا أنا أسير مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بين الجحْفَة والأَبواءِ ، إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بـ { ـأَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ، ويقول : « يا عقبة ، تعوّذ بهما ، فما تعوّذ متعوّذ بمثلهما » . قال : وسمعته يقرأ بهما في الصلاة " وروى النَّسائي " عن عبد الله قال : أصابنا طَشٌّ وظُلْمة ، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخْرج . ثم ذكر كلاماً معناه : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُصلِّيَ بنا ، فقال : « قُلْ » . فقلت : ما أقول ؟ قال : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين تمسي ، وحين تصبح ثلاثاً ، يكفِك كل شيء » " " وعن عقبة بن عامر الجُهَنِي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قُلْ » . قلت : ما أقول ؟ قال « قل : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لم يتعوّذ الناس بمثلهن ، أو لا يتعوّذ الناس بمثلِهِن » " وفي حديث ابن عباس : " قل أَعوذ بِرب الفلقِ وقُلْ أَعوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، هاتين السورتين " وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمُعَوذَّتَيْن ويَنْفِثُ ، فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح عنه بيده ، رجاءَ بركتها . النَّفْث : النفخ ليس معه ريق . الثانية : ثبت في الصحيحين من حديث عائشة : " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سحره يهوديّ من يهود بني زُرَيْق ، يقال له لَبِيدُ بن الأَعْصم ، حتى يخيلُ إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله ، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث في غير الصحيح : سنة ثم قال : « يا عائشة ، أُشْعرت ، أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه . أتاني ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رِجلي ، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي : ما شأن الرجل ؟ قال : مَطْبوب . قال ومَنْ طَبَّهُ ؟ قال لَبيد بن الأَعصم . قال في ماذا ؟ قال : في مُشْطٍ ومُشاطة وجفّ طلعةٍ ذكر ، تحت راعوفة في بئر ذي أَوْران » فجاء البئر واستخرجه " انتهى الصحيح . وقال ابن عباس : " أما شَعَرْتِ يا عائشة أن الله تعالى أخبرني بدائي » ثم بعث علِياً والزبير وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة وهي الراعوفة صخرة تترك أسفل البئر يقوم عليها المائح ، وأخرجوا الجُفّ ، فإذا مُشَاطة رأس إنسان ، وأسنان من مُشْط ، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر ، فأنزل الله تعالى هاتين السورتين ، وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العُقْد ، وأمر أن يُتَعَوَّذ بهما فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد النبيّ صلى الله عليه وسلم خِفّة ، حتى انحلت العقدة الأخيرة ، فكأنما أُنشِط من عِقال ، وقال : ليس به بأس . وجعل جبريل يَرْقِي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : « باسم الله أَرْقِيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر حاسدٍ وعَيْن ، والله يَشْفِيك » . فقالوا : يا رسول الله ، ألا نقتل الخبيث . فقال : « أمّا أنا فقد شفاني الله ، وأكره أن أثيرَ على الناس شَرًّا " وذكر القشيري في تفسيره أنه ورد في الصِّحاح : أن غلاماً من اليهود كان يخدُم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فدسَّتْ إليه اليهود ، ولم يزالوا به حتى أَخَذ مُشاطة رأس النبيّ صلى الله عليه وسلم . والمُشاطة بضم الميم : ما يسقُط من الشعر عند المشط . وأخذ عدّة من أسنان مُشْطه ، فأعطاها اليهود ، فسحروه فيها ، وكان الذي تولى ذلك لَبيدُ بن الأَعْصم اليهوديّ . وذكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس . الثالثة : تقدّم في البقرة القول في السحر وحقيقته ، وما ينشأ عنه من الآلام والمفاسد ، وحكم الساحر فلا معنى لإعادته . الرابعة : قوله تعالى : { ٱلْفَلَقِ } اختُلف فيه فقيل : سِجن في جَهنم قاله ابن عباس . وقال أُبَيُّ بن كعب : بيت في جهنم إذا فُتح صاح أهل النار من حره . وقال الحُبُليّ أبو عبد الرحمن : هو اسم من أسماء جهنم . وقال الكلبي : واد في جهنم . وقال عبد الله بن عمر : شجرة في النار . سعيد بن جبير : جُبُّ في النار . النحاس : يقال لما اطمأنّ من الأرض فَلَق فعلى هذا يصح هذا القول . وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن جبير أيضاً ومجاهد وقتادة والقُرَظِيّ وابن زيد : الفَلَق ، الصُّبْح . وقاله ابن عباس . تقول العرب : هو أبين من فَلَقِ الصُّبْح وفرقَ الصبح . وقال الشاعر : @ يا ليلةً لم أَنمْهَا بِتُّ مُرْتَفِقاً أَرْعَى النجومَ إلى أَنْ نَوَّرَ الفَلقُ @@ وقيل : الفلق : الجبال والصخور تنفلق بالمياه أي تتشقق . وقيل : هو التفليق بين الجبال والصخور لأنها تتشقق من خوف الله عز وجل . قال زهير : @ ما زِلْتَ أَرْمُقُهُم حتّى إذا هَبَطَتْ أيدِي الرِّكابِ بِهِمْ مِن راكِسٍ فَلَقَا @@ الراكس : بطن الوادي . وكذلك هو في قول النابغة : @ أَتـانِـي ودُونِـي راكِـسٌ فـالضَّـواجِـعُ @@ والراكس أيضاً : الهادي ، وهو الثور وسط البَيْدَر ، تدور عليه الثّيران في الدِّياسة . وقيل : الرحم تنفلق بالحيوان . وقيل : إنه كل ما انفلق عن جميع ما خَلَق من الحيوان والصبحِ والحبّ والنَّوَى ، وكل شيء من نبات وغيره قاله الحسن وغيره . قال الضحاك : الفَلقُ الخلْق كُلُّه قال : @ وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الْفَلقْ سِرًّا وقدْ أَوَّنَ تَأْوِين العُقُقْ @@ قلت : هذا القول يشهد له الاشتقاق فإن الفَلْق الشق . فَلقْت الشيء فلقاً أي شققته . والتفليق مثله . يقال : فَلقته فانفلق وتَفَلَّق . فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونَوًى وماء فهو فَلَق قال الله تعالى : { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } [ الأنعام : 96 ] قال : { فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } [ الأنعام : 95 ] . وقال ذو الرمّة يصف الثور الوَحْشِيّ : @ حَتَّى إذَا ما انْجَلَى عن وجهِه فَلَقٌ هادِيهِ في أُخْرَيَاتِ اللَّيلِ مُنْتَصِبُ @@ يعني بالفلق هنا : الصبح بعينه . والفلق أيضاً : المطمئن من الأرض بين الربْوتين ، وجمعه فُلْقان مثل خَلَق وخُلْقان . وربما قالوا : كان ذلك بفالق كذا وكذا يريدون المكان المنحدر بين الربوتين . والفلَق أيضاً مِقطرة السَّجان . فأما الفِلْق بالكسر : فالداهية والأمر العجب تقول منه : أفلق الرجل وافتلق . وشاعر مُفْلِق ، وقد جاء بالفِلْق أي بالداهية . والفِلْق أيضاً : القضيب يُشَقُّ باثنين ، فيعمل منه قَوْسان يقال لكل واحدة منهما فِلْق . وقولهم جاء بعُلَقَ فُلَق وهي الداهية لا يُجرى مُجرَى عُمر . يقال منه : أعلقت وأفلقت أي جئت بعُلَق فُلَقَ . ومرّ يفتلق في عدوِه أي يأتي بالعجب من شدّته . وقوله تعالى : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } قيل : هو إبليس وذرّيته . وقيل جهنم . وقيل : هو عامّ أي من شر كل ذي شر خلقه الله عز وجل . الخامسة : قوله تعالى : { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } اختُلف فيه فقيل : هو الليل . والغَسَق : أوّل ظلمة الليل يقال منه : غَسَق الليلُ يَغْسِق أي أظلم . قال ابن قيس الرقيات : @ إِنَّ هَذَا الليلَ قد غَسَقا واشْتكَيْتُ الهمَّ والأَرَقَا @@ وقال آخر : @ يا طيفَ هِندٍ لَقَدْ أَبْقَيت لِي أَرَقاً إِذْ جِئتنا طارِقاً والليلُ قَدْ غَسَقَا @@ هذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسُّدّيّ وغيرهم . و « وَقَبَ » على هذا التفسير : أظلم قاله ابن عباس . والضحاك : دَخَلَ . قتادة : ذَهَبَ . يَمانُ بن رِئاب : سَكَن . وقيل : نزل يقال : وَقَب العذاب على الكافرين نَزَل . قال الشاعر : @ وَقَبَ العذابُ عليهمُ فكَأَنَّهُمْ لَحِقتْهُمُ نارُ السَّمُومِ فأُحْصِدُوا @@ وقال الزجاج : قيل الليل غاسق لأنه أبرد من النهار . والغاسق : البارد . والغَسَق : البرد ولأن في الليل تخرج السِّباع من آجامها ، والهوام من أماكنها ، وينبعث أهل الشر على العيث والفساد . وقيل : الغاسق : الثُّريَّا وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين ، وإذا طلعت ارتفع ذلك قاله عبد الرحمن بن زيد . وقيل : هو الشمس إذا غربت قاله ابن شهاب . وقيل : هو القمر . قال القُتَبِيّ : { إِذَا وَقَبَ } القمر : إذا دخل في ساهوره ، وهو كالغلاف له ، وذلك إذا خُسِفَ به . وكل شيء أسود فهو غَسَق . وقال قتادة : « إِذا وَقَب » إذا غابَ . وهو أصح لأن في الترمذيّ " عن عائشة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر ، فقال : « يا عائشة ، استعيذي بالله من شر هذا ، فإن هذا هو الغاسق إذا وَقَبَ » " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وقال أحمد بن يحيـى ثعلب عن ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث : وذلك أن أهل الريبَ يَتَحينون وَجبة القمر . وأنشد : @ أراحنِي اللَّهُ مِن أشياءَ أَكرهُها منها العجوزُ ومنها الكلبُ والقمرُ هذا يبوحُ وهذا يُستضاء بِه وهذه ضِمْرِزٌ قَوَّامَةُ السَّحَرِ @@ وقيل : الغاسق : الحية إذا لدغت . وكأن الغاسق نابُها لأن السم يغسق منه أي يسيل . ووقب نابها : إذا دخل في اللدِيغ . وقيل : الغاسق : كل هاجم يضر ، كائناً ما كان من قولهم : غسقتِ القرحة : إذا جرى صديدُها . السادسة : قوله تعالى : { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } يعني الساحرات اللائي ينفُثْن في عُقَد الخيط حين يَرْقِينَ عليها . شبه النفخ كما يعمل من يرقِي . قال الشاعر : @ أَعُوذُ بِربِّي مِن النَّافِثَا تِ في عِضهِ العاضِهِ المُعْضِه @@ وقال مُتَمِّم بن نُوَيْرة : @ نَفَثْتَ في الخيطِ شَبِيهَ الرُّقَى مِن خشية الجِنةِ والحاسِدِ @@ وقال عنترة : @ فإنْ يَبْرَأْ فلَمْ أَنْفُثْ عَليْهِ وإنْ يُفْقَدْ فَحُق لَهُ الفُقُودُ @@ السابعة : روى النَّسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عَقَد عُقدة ثم نَفَثَ فيها ، فقد سَحَر ، ومن سحر فقد أَشْرَك ، ومَنْ تَعَلَّق شيئاً وُكِل إليه " واختلِف في النفْث عند الرُّقَى ، فمنعه قوم ، وأجازه آخرون . قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفُث ، ولا يمسح ولا يعقِد . قال إبراهيم : كانوا يكرهون النفث في الرُّقَى . وقال بعضهم : دخلت على الضحاك وهو وجِع ، فقلت : ألا أُعَوِّذَك يا أبا محمد ؟ قال : بلى ، ولكن لا تنفث فعوّذته بالمعوذتين . وقال ابن جريج قلت لعطاء : القرآن يُنفَخ به أو يُنْفَثُ ؟ قال : لا شيء من ذلك ولكن تقرؤه هكذا . ثم قال بعد : انفُثِ إن شئت . وسئل محمد بن سِيرين عن الرُّقية يُنْفث فيها ، فقال : لا أعلم بها بأساً ، وإذا اختلفوا فالحاكم بينهم السنة . روت عائشة : " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينفِث في الرُّقية " رواه الأئمة ، وقد ذكرناه أوّل السورة وفي سُبْحان . وعن محمد بن حاطب أن يده احترقت فأتت به أمّه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فجعل ينفُث عليها ويتكلم بكلام زعم أنه لم يحفظه . وقال محمد بن الأشعث : ذُهِب بي إلى عائشة رضي الله عنها وفي عينيّ سوء ، فرقَتْنِي ونَفَثَت . وأما ما رُوي عن عكرمة من قوله : لا ينبغي للراقي أن ينفُث فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفْث في العُقَد مما يستعاذ به ، فلا يكون بنفسه عُوذة . وليس هذا هكذا لأن النفث في العُقَد إذا كان مذموماً لم يجب أن يكون النفث بلا عُقد مذموماً . ولأن النفث في العُقَد إنما أريد به السحر المضِرّ بالأرواح ، وهذا النفث لاستصلاح الأبدان ، فلا يقاس ما ينفع بما يضر . وأما كراهة عكرمة المسحَ فخلاف السنة . " قال علي رضي الله عنه : اشتكيت ، فدخل عليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا أقول : اللهمَّ إنْ كان أجلي قد حَضَرَ فأرِحنِي ، وإن كان متأخراً فاشفني وعافني ، وإن كان بلاء فصبرني . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « كيف قلت » ؟ فقلت له . فَمَسحني بيده ، ثم قال : « اللهم اشْفِه » فما عاد ذلك الوجع بعد " وقرأ عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن سابط وعيسى بن عمر ورويس عن يعقوب « ومِن شر النافِثاتِ » في وزن فاعلات . ورُوِيت عن عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما . وروي أن نساء سحرن النبيّ صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية . قال ابن زيد : كنّ من اليهود يعني السواحر المذكورات . وقيل : هنّ بنات لَبِيد بن الأعصم . الثامنة : قوله تعالى : { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قد تقدم في سورة « النساء » معنى الحسد ، وأنه تمني زوالِ نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها . والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل . فالحسدُ شرٌّ مذموم . والمنافسة مباحة وهي الغِبطة . وقد روي : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " المؤمن يَغْبِطُ ، والمنافق يَحْسُد " وفي الصحيحين : " لا حسَد إلا في اثنتين " يريد لا غِبْطَة . وقد مضى في سورة « النساء » والحمد لله . قلت : قال العلماء : الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول ، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود ، فيَتْبَع مساوئه ويطلب عَثَراته . قال صلى الله عليه وسلم : " إِذا حَسَدت فلا تَبْغِ … " الحديث . وقد تقدم . والحسد أوّل ذنب عُصِي الله به في السماء ، وأول ذنب عُصِي به في الأرض ، فحسَدَ إبليس آدَمَ ، وحسد قابيلُ هابيلَ . والحاسد ممقوت مبْغوض مطرود ملعون . ولقد أحسن من قال : @ قل للحسود إذا تَنَفَّس طَعْنةً يا ظالماً وكأنهُ مَظْلُومُ @@ التاسعة : هذه سورة دالة على أن الله سبحانه خالق كل شر ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ من جميع الشرور . فقال : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } . وجعل خاتمة ذلك الحسد ، تنبيهاً على عِظمه ، وكثرة ضرره ، والحاسد عدوّ نعمة الله . قال بعض الحكماء : بارزَ الحاسد ربه من خمسة أوجه : أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره . وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه ، كأنه يقول : لم قسمت هذه القسمة ؟ وثالثها : أنه ضادَّ فعل الله ، أي إن فضل الله يؤتِيه من يشاء ، وهو يبخَل بفضل الله . ورابعها : أنه خذل أولياء الله ، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم . وخامسها : أنه أعان عدوّه إبليس . وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لَعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جَزَعاً وغماً ، ولا ينال في الآخرة إلا حُزْناً واحتراقاً ، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً . ورُوي : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة لا يُستجاب دعاؤهم : آكل الحرام ، ومُكثِر الغِيبة ، ومن كان في قلبه غِلُّ أو حسد للمسلمين " والله سبحانه وتعالى أعلم .