Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 17-17)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه سبع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { نَسْتَبِقُ } نفتعل ، من المسابقة . وقيل : أي نَنْتَضِل وكذا في قراءة عبد الله « إنَّا ذَهَبْنَا نَنْتَضِل » وهو نوع من المسابقة قاله الزجاج . وقال الأزهريّ : النِّضال في السِّهام ، والرِّهان في الخيل ، والمسابقة تجمعهما . قال القُشيريّ أبو نصر : « نَسْتَبِقُ » أي في الرّمي ، أو على الفرس أو على الأقدام والغرض من المسابقة على الأقدام تدريب النفس على العَدْو ، لأنه الآلة في قتال العدوّ ، ودفع الذئب عن الأغنام . وقال السدّي وٱبن حبّان : « نَسْتَبِقُ » نشتد جرياً لنرى أينُّا أسبق . قال ٱبن العربي : المسابقة شِرْعة في الشَّريعة ، وخَصْلة بديعة ، وعَون على الحرب وقد فعلها صلى الله عليه وسلم بنفسه وبخيله ، وسابق عائشة رضي الله عنها على قدميه فسبقها فلما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقها فسبقته فقال لها : « هذه بتلك » . قلت : وسابق سَلَمة بن الأكوع رجلاً لما رجعوا من ذي قَرَد إلى المدينة فسبقه سَلَمة خرجه مسلم . الثانية : وروى مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أُضْمِرت من الْحَفْيَاء وكان أمدها ثَنِيَّة الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تُضمَّر من الثَّنِيَّة إلى مسجد بني زُرَيق ، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها وهذا الحديث مع صحته في هذا الباب تضمن ثلاثة شروط فلا تجوز المسابقة بدونها ، وهي : أن المسافة لا بد أن تكون معلومة . الثاني أن تكون الخيل متساوية الأحوال . الثالث ألا يسابق المضمَّر مع غير المضمَّر في أمد واحد وغاية واحدة . والخيل التي يجب أن تَضمَّر ويسابق عليها ، وتقام هذه السنّة فيها هي الخيل المعدّة لجهاد العدوّ لا لقتال المسلمين في الفتن . الثالثة : وأما المسابقة بالنّصال والإبل فروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزِلاً فمِنَّا من يصلِح خِباءه ، ومنا من يَنْتِضل ، وذكر الحديث . وخرّج النسائيّ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا سَبَق إلا في نَصْل أو خُفّ أو حافر " وثبت ذكر النّصل من حديث ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة ، ذكره النسائي وبه يقول فقهاء الحجاز والعراق . وروى البخاريّ عن أنس قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العَضْباء لا تُسبَق قال حُمَيد : أو لا تكاد تُسَبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه فقال : " حقّ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " . الرابعة : أجمع المسلمون على أن السَّبَق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخفّ والحافر والنّصل قال الشافعي : ما عدا هذه الثلاثة فالسَّبَق فيها قِمار . وقد زاد أبو البَخْتَرِيّ القاضي في حديث الخفّ والحافر والنّصل « أو جَناح » وهي لفظة وضعها للرشيد ، فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته فلا يكتب العلماء حديثه بحال . وقد رُوي عن مالك أنه قال : لا سَبَق إلا في الخيل والرمي ، لأنه قوّة على أهل الحرب قال : وسَبَق الخيل أحبّ إلينا من سَبَق الرمي . وظاهر الحديث يسوّي بين السّبق على النُّجُب والسَّبق على الخيل . وقد منع بعض العلماء الرّهان في كل شيء إلا في الخيل لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها . ورُوي عن عطاء أن المراهنة في كل شيء جائزة وقد تُؤُوِّل قوله لأن حمله على العموم في كل شيء يؤدّي إلى إجازة القمار ، وهو محرّم باتفاق . الخامسة : لا يجوز السَّبَق في الخيل والإبل إلا في غاية معلومة وأمد معلوم ، كما ذكرنا ، وكذلك الرمي لا يجوز السَّبَق فيه إلا بغاية معلومة ورَشْق معلوم ، ونوع من الإصابة مشترط خَسْقا أو إصابة بغير شرط . والأسباق ثلاثة : سَبَق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوّعاً فيجعل للسابق شيئاً معلوماً فمن سبق أخذه . وسَبَق يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه ، فإن سَبَقه صاحبه أخذه ، وإن سَبَق هو صاحبه أخذه وحسن أن يمضيه في الوجه الذي أخرجه له ، ولا يرجع إلى ماله وهذا مما لا خلاف فيه . والسَّبق الثالث اختلف فيه وهو أن يخرج كل واحد منهما شيئاً مثل ما يخرجه صاحبه ، فأيهما سَبَق أحرز سبَقه وسبَق صاحبه وهذا الوجه لا يجوز حتى يُدخِلا بينهما محلِّلاً لا يأمنا أن يسبقهما فإن سبق المحلِّل أحرز السَّبَقين جميعاً وأخذهما وحده ، وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبَقه وأخذ سبَق صاحبه ، ولا شيء للمحلِّل فيه ، ولا شيء عليه . وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما . وقال أبو علي بن خيران من أصحاب الشافعي ـ : وحكم الفرس المحلل أن يكون مجهولاً جريه وسمي محلِّلاً لأنه يحّلل السّبَق للمتسابقين أوْلَهُ . وٱتفق العلماء على أنه إن لم يكن بينهما محلِّل واشترط كل واحد من المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبَقه وسبَق صاحبه أنه قمار ، ولا يجوز . وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يَسبق فليس بقِمار ومن أدخله وهو يأمن أن يَسبق فهو قِمار " وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب قال : ليس برِهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلِّل ، فإن سبق أخذ السبق ، وإن سُبق لم يكن عليه شيء وبهذا قال الشافعي وجمهور أهل العلم . وٱختلف في ذلك قول مالك فقال مرة لا يجب المحلِّل في الخيل ، ولا نأخذ فيه بقول سعيد ، ثم قال : لا يجوز إلا بالمحلل وهو الأجود من قوله . السادسة : ولا يحمل على الخيل والإبل في المسابقة إلا محتلم ، ولو ركبها أربابها كان أولى وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لا يركب الخيل في السباق إلا أربابها . وقال الشافعي : وأقل السَبق أن يسبق بالهادي أو بعضه ، أو بالكَفَل أو بعضه . والسبق من الرماة على هذا النحو عنده وقول محمد بن الحسن في هذا الباب نحو قول الشافعي . السابعة : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سابق أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلَّى أبو بكر وثَلَّث عمر ومعنى وصلّى أبو بكر : يعني أن رأس فرسه كان عند صَلاَ فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصَّلَوَان موضع العَجُز . قوله تعالى : { وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا } أي عند ثيابنا وأقمشتنا حارساً لها . { فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ } وذلك أنهم لما سمعوا أباهم يقول : « وأخاف أن يأكله الذئب » أخذوا ذلك من فيه فتحرّموا به لأنه كان أظهر المخاوف عليه . { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } أي بمصدق . { وَلَوْ كُنَّا } أي وإن كنا قاله المبرد وابن إسحق . { صَادِقِينَ } في قولنا ولم يصدقهم يعقوب لمِا ظهر له منهم من قوّة التّهمة وكثرة الأدلة على خلاف ما قالوه على ما يأتي بيانه . وقيل : « ولو كنا صادِقِين » أي ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا ، ولاتّهمتنا في هذه القضية ، لشدة محبتك في يوسف قال معناه الطبريّ والزجاج وغيرهما .