Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 30-32)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } ويقال : « نُسوة » بضم النون ، وهي قراءة الأعمش والمفضّل والسُّلَميّ ، والجمع الكثير نساء . ويجوز : وقالت نسوة ، وقال نسوة ، مثل قالت الأعراب وقال الأعراب وذلك أن القصة ٱنتشرت في أهل مصر فتحدّث النساء . قيل : ٱمرأة ساقي العزيز ، وٱمرأة خبازه ، وٱمرأة صاحب دوابه ، وٱمرأة صاحب سجنه . وقيل : ٱمرأة الحاجب عن ٱبن عباس وغيره . { تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ } الفتى في كلام العرب الشاب ، والمرأة فتاة . { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } قيل : شغفها غلبها . وقيل : دخل حبه في شغافها عن مجاهد وغيره . وروى عمرو بن دينار عن عِكرمة عن ٱبن عباس قال : دخل تحت شَغافها . وقال الحسن : الشّغف باطن القلب . السديّ وأبو عبيد : شغاف القلب غلافه ، وهو جلدة عليه . وقيل : هو وسط القلب والمعنى في هذه الأقوال متقارب ، والمعنى : وصل حبه إلى شَغافها فغلب عليه قال النابغة : @ وقد حال هَمٌّ دون ذلك داخلٌ دخولَ الشّغافِ تبتغيه الأصابعُ @@ وقد قيل : إن الشّغاف داء وأنشد الأصمعي للراجز : @ يتبعـها وهي له شَغـافُ @@ وقرأ أبو جعفر بن محمد وٱبن محيصن والحسن « شَعَفَها » بالعين غير معجمة قال ٱبن الأعرابي : معناه أحرق حبه قلبها قال : وعلى الأوّل العمل . قال الجوهريّ : وشَعفه الحب أحرق قلبه . وقال أبو زيد : أمرضه . وقد شُعِف بكذا فهو مشعوف . وقرأ الحسن « قَدْ شَعَفَهَا » قال : بَطَنها حبًّا . قال النحاس : معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب لأن شِعَاف الجبال : أعاليها وقد شُغِف بذلك شُغْفاً بإسكان الغين إذا أُولِع به إلا أن أبا عبيدة أنشد بيت ٱمرىء القيس : @ لتقتلني وقد شَعَفْتُ فؤادَها كَمَا شَعَفَ الْمَهْنُوءَةَ الرّجُل الطَّالِي @@ قال : فشبهت لوعةُ الحبّ وجَوَاه بذلك . ورُوي عن الشَّعْبي أنه قال : الشّغف بالغين المعجمة حُبّ ، والشّعف بالعين غير المعجمة جنونٌ . قال النحاس : وحكي « قد شَغِفَها » بكسر الغين ، ولا يعرف في كلام العرب إلا « شَغَفها » بفتح الغين ، وكذا « شَعَفها » أي تركها مشعوفة . وقال سعيد بن أبي عَرُوبة عن الحسن : الشَّغاف حجاب القلب ، والشَّعاف سويداء القلب ، فلو وصل الحبّ إلى الشّعاف لماتت وقال الحسن : ويقال إن الشَّغاف الجلدة اللاصقة بالقلب التي لا ترى ، وهي الجلدة البيضاء ، فلصق حبُّه بقلبها كلصوق الجلدة بالقلب . قوله تعالى : { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي في هذا الفعل . وقال قَتَادَة : « فَتَاهَا » وهو فتى زوجها ، لأن يوسف كان عندهم في حكم المماليك ، وكان ينفذ أمرُها فيه . وقال مقاتل عن أبي عثمان النَّهْديّ عن سلمان الفارسيّ قال : إن ٱمرأة العزيز ٱستوهبت زوجها يوسف فوهبه لها ، وقال : ما تصنعين به ؟ قالت : أتخذه ولداً قال : هو لك فربته حتى أَيْفع وفي نفسها منه ما في نفسها ، فكانت تنكشف له وتتزيّن وتدعوه من وجه اللطف فعصمه الله . قوله تعالى : { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } أي بغيبتهنّ إياها ، وٱحتيالهنّ في ذمها . وقيل : إنها أطلعتهنّ وٱستأمنتهنّ فأفشين سرها ، فسمى ذلك مكراً . وقوله : { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } في الكلام حذف أي أرسلت إليهن تدعوهنّ إلى وَليمة لتُوقِعهنّ فيما وقعت فيه فقال مجاهد عن ٱبن عباس : إن ٱمرأة العزيز قالت لزوجها إني أريد أن أتخذ طعاماً فأدعو هؤلاء النّسوة فقال لها : افعلي فاتخذت طعاماً ، ثم نَجَّدت لهن البيوت نَجَّدت أي زيَّنت والنَّجْد ما يُنْجَد به البيت من المتاع أي يُزيَّن ، والجمع نُجُود عن أبي عُبيد والتّنجيد التزيين وأرسلت إليهنّ أن يحضُرن طعامها ، ولا تتخلف منكنّ ٱمرأة ممن سميتُ . قال وهب بن مُنبِّه : إنهنّ كنّ أربعين ٱمرأة فجئن على كَرْه منهنّ ، وقد قال فيهنّ أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت : @ حتى إذا جئنها قسراً ومهدت لهن أنضاداً وكبابا @@ ويُروى : أنماطاً . قال وهب بن مُنَبِّه : فجئن وأخذن مجالسهنّ . { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } أي هيأت لهنّ مجالس يتكئن عليها . قال ٱبن جُبير : في كل مجلس جَامٌ فيه عسل وأُتْرُجّ وسكِّين حاد . وقرأ مجاهد وسعيد بن جُبير : « مُتْكاً » مخففاً غير مهموز ، والمُتْك هو الأُتْرُجّ بلغة القبط ، وكذلك فسره مجاهد . روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : المُتَّكأ مثقّلاً هو الطعام ، والمُتْك مخفّفاً هو الأتْرُجّ وقال الشاعر : @ نَشْربُ الإثْمَ بالصُّواعِ جِهَاراً وتَرَى المُتْك بَيْنَنَا مُسْتَعَارَا @@ وقد تقول أَزْدُ شَنُوءَة : الأُترجّة المُتْكَة قال الجوهريّ : المُتْك ما تُبقيه الخاتنة . وأصل المُتْك الزُّماوَرْد . والمَتْكَاء من النّساء التي لم تُخْفَض . قال الفرّاء : حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المُتْك مخففاً الزُّماوَرْد . وقال بعضهم : إنه الأترجّ حكاه الأخفش . ٱبن زيد : أترجًّا وعسلاً يؤكل به قال الشاعر : @ فَظِلْنا بنعمة وٱتَّكَأْنَا وشَرِبْنا الحلالَ من قُللِه @@ أي أكلنا . النحاس : قوله تعالى : « وَأَعْتَدَتْ » من العَتَاد وهو كل ما جعلته عُدّة لشيء . « مُتَّكَأً » أصح ما قيل فيه ما رواه عليّ بن أبي طلحة عن ٱبن عباس قال : مجلساً ، وأما قول جماعة من أهل التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير : طعام متكأ ، مثل : { وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَة } [ يوسف : 82 ] ودلّ على هذا الحذف « وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً » لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يُقطع بالسكاكين كذا قال في كتاب « إعراب القرآن » له . وقال في كتاب « معاني القرآن » له : وروى مَعْمَر عن قَتَادة قال : « المتكأ » الطعام . وقيل : « المتكأ » كل ما ٱتكىء عليه عند طعام أو شراب أو حديث وهذا هو المعروف عند أهل اللغة ، إلا أن الروايات قد صحت بذلك . وحكى القُتبيّ أنه يقال : ٱتكأنا عند فلان أي أكلنا ، والأصل في « متكأ » موتكأ ، ومثله مُتَّزن ومُتَّعد لأنه من وزنت ووعدت ووكأت ، ويقال : ٱتَّكأَ يَتَّكىء ٱتِّكاء . { كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } مفعولان وحكى الكسائي والفراء أن السِّكين يذكر ويؤنث ، وأنشد الفراء : @ فَعَيّثَ فِي السَّنَامِ غَدَاةَ قُرٍّ بسكِّينٍ مُوَثَّقةَ النِّصَاب @@ الجوهريّ : والغالب عليه التذكير ، وقال : @ يُرى ناصحاً فيما بَدَا فإذا خَلاَ فذلك سكِّينٌ على الحَلْقِ حَاذِقُ @@ الأصمعي : لا يعرف في السكين إلا التذكير . قوله تعالى : { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } بضم التاء لالتقاء الساكنين لأن الكسرة تَثْقل إذا كان بعدها ضمة ، وكسرت التاء على الأصل . قيل : إنها قالت لهن : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن ، ثم قالت لخادمها : إذا قلت لك ٱدع لي إيلا فٱدع يوسف وإيل : صنم كانوا يعبدونه ، وكان يوسف عليه السلام يعمل في الطين ، وقد شدّ مِئزره ، وحسَرَ عن ذراعيه فقالت للخادم : ٱدع لي إيلاً أي ٱدع لي الربّ وإيل بالعبرانية الربّ قال : فتعجب النسوة وقلن : كيف يجيء ! فصعدت الخادم فدعت يوسف ، فلما ٱنحدر قالت لهن : ٱقطعن ما معكن . { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } بالمُدَى حتى بلغت السكاكين إلى العظم قاله وهب بن مُنَبِّه . سعيد بن جُبير : لم يخرج عليهن حتى زينته ، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه ، وتحيّرن لحسن وجهه وزينته وما عليه ، فجعلن يقطعن أيديهن ، ويحسبن أنهن يقطعن الأتْرجّ وٱختلف في معنى « أَكْبَرْنَهُ » فروى جُوَيبر عن الضّحاك عن ٱبن عباس : أعظمنه وهِبْنه وعنه أيضاً أَمْنَين وَأَمْذَين من الدَّهش وقال الشاعر : @ إذا ما رأين الفحلَ من فوق قَارةٍ صَهَلْنَ وأَكْبَرْنَ المنيَّ المدفقَا @@ وقال ٱبن سمعان عن عدة من أصحابه : إنهم قالوا أمذين عشقاً وهب بن مُنبّه : عشقنه حتى مات منهن عشرة في ذلك المجلس دَهَشا وحيرة ووَجْداً بيوسف . وقيل : معناه حضْن من الدَّهش قَاله قتادة ومقاتل والسُّديّ قال الشاعر : @ نأتي النساءَ على أطهارهنّ ولا نأتي النّساءَ إذا أَكْبَرَن إِكْبَارَا @@ وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا : ليس ذلك في كلام العرب ، ولكنه يجوز أن يكنّ حضن من شدّة إعظامهن له ، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها أو تحيض . قال الزجاج : يقال أكبرنه ، ولا يقال حِضْنه ، فليس الإكبار بمعنى الحيض وأجاب الأزهري فقال : يجوز أَكْبرت بمعنى حاضت لأن المرأة إذا حاضت في الابتداء خرجت من حَيِّز الصغر إلى الكبر قال : والهاء في « أَكْبَرَنْهُ » يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية وهذا مزيَّف ، لأن هاء الوقف تسقط في الوصل ، وأمثل منه قول ٱبن الأنباري : إن الهاء كناية عن مصدر الفعل ، أي أكبرن إكباراً ، بمعنى حِضْن حَيْضاً . وعلى قول ٱبن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف أي أعظمن يوسف وأجْلَلْنه . قوله تعالى : { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } قال مجاهد : قطّعنها حتى ألقينها . وقيل : خَدشْنها . وروى ٱبن أبي نجيح عن مجاهد قال : حَزًّا بالسكّين ، قال النحاس : يريد مجاهد أنه ليس قطعاً تَبِينِ منه اليد ، إنما هو خَدْش وحزّ ، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده . وقال عِكرمة : « أَيْدِيهُنّ » أكمامهنّ ، وفيه بُعْد . وقيل : أناملهنّ أي ما وجدن ألَماً في القطع والجرح ، أي لشغل قلوبهن بيوسف ، والتقطيع يشير إلى الكثرة ، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في مواضع ، ويمكن أن يرجع إلى عددهنّ . قوله تعالى : { وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ } أي معاذ الله . وروى الأصمعيّ عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء . « وَقُلْنَ حَاشَا لِلَّهِ » بإثبات الألف وهو الأصل ، ومن حذفها جعل اللام في « لله » عوضاً منها . وفيها أربع لغات يقال : حَاشَاكَ وحَاشَا لَكَ وحاشَ لَكَ وحَشَا لَكَ . ويقال : حَاشَا زيدٍ وحاشا زيداً قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : النصب أولى لأنه قد صحّ أنها فعلٌ لقولهم حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه وقد قال النابغة : @ وَلاَ أحاشِي مـن الأقـوام مـن أَحَـدِ @@ وقال بعضهم : حاشَ حرف ، وأُحاشي فعل . ويدلّ على كون حاشا فعلاً وقوع حرف الجر بعدها . وحكى أبو زيد عن أعرابيّ : اللهم ٱغفر لي ولمن يَسمع ، حاشَا الشيطانَ وأبا الأصبغ فنصب بها . وقرأ الحسن « وَقُلْنَ حَاشْ لِلَّهِ » بإسكان الشين ، وعنه أيضاً « حاش الإله » . ابن مسعود وأُبَيّ : « حَاشَ اللَّهِ » بغير لام ، ومنه قول الشاعر : @ حاشا أبي ثَوْبَانَ إنّ بهِ ضَنًّا عنِ الْمَلْحَاةِ والشَّتْمِ @@ قال الزجاج : وأصل الكلمة من الحاشية ، والحَشَا بمعنى الناحية ، تقول : كنت في حَشَا فلانٍ أي في ناحيته فقولك : حاشا لزيدٍ أي تَنحَّى زيدٌ من هذا وتباعد عنه ، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين . وقال أبو علي : هو فاعل من المحاشاة أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قُرِف به ، أو من أن يكون بشراً فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جرّ عند سيبويه ، وعلى ما قال المبرّد وأبو عليّ فعل . قوله تعالى : { مَا هَـٰذَا بَشَراً } قال الخليل وسيبويه : « ما » بمنزلة ليس تقول : ليس زيد قائماً ، و « ما هذا بشراً » و { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } [ المجادلة : 2 ] وقال الكوفيون : لما حذفت الباء نصبت وشرح هذا فيما قاله أحمد بن يحيـى أنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، فموضع الباء موضع نصب ، وهكذا سائر حروف الخفض فلما حذفت الباء نصبت لتدلّ على محلها ، قال : وهذا قول الفرّاء ، قال : ولم تعمل « ما » شيئاً فألزمهم البصريون أن يقولوا : زيد القمرَ لأن المعنى كالقمر ! فردّ أحمد بن يحيـى بأن قال : الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف لأن الكاف تكون ٱسماً . قال النحاس : لا يصح إلا قول البصريين وهذا القول يتناقض لأن الفرّاء أجاز نصًّا ما بمنطلق زيدٌ ، وأنشد : @ أَمَا واللَّهِ أَنْ لو كنتَ حُرًّا وما بالحُرِّ أنتَ ولا العَتِيق @@ ومنع نصًّا النصب ولا نعلم بين النحويين اختلافاً أنه جائز : ما فيك براغب زيدٌ ، وما إليك بقاصدٍ عمرٌو ، ثم يحذفون الباء ويرفعون . وحكى البصريون والكوفيون ما زيدٌ منطلقٌ بالرفع ، وحكى البصريون أنها لغةُ تميم ، وأنشدوا : @ أَتيماً تَجعلون إليّ نِدًّا وما تَيْمٌ لِذِي حَسَبٍ نَدِيدٌ @@ النِّد والنَّديد والنَّدِيدةُ المِثْل والنَّظير . وحكى الكسائي أنها لغة تِهامة ونَجْد . وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين : قال أبو إسحاق : وهذا غلط كتاب الله عز وجلّ ولغة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى وأولى . قلت : وفي مصحف حَفْصة رضي الله عنها « مَا هَذَا بِبَشَرٍ » ذكره الغَزْنويّ . قال القُشَيْريّ أبو نصر : وذكرت النّسوة أن صورة يوسف أحسن من صورة البشر ، بل هو في صورة مَلَك وقال الله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] والجمع بين الآيتين أن قولهن : « حَاشَ لِلَّهِ » تبرئة ليوسف عمَّا رمته به ٱمرأة العزيز من المراودة ، أي بعد يوسف عن هذا وقولهنّ : « لله » أي لخوفه ، أي براءة لله من هذا أي قد نجا يوسف من ذلك ، فليس هذا من الصورة في شيء والمعنى : أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة فعلى هذا لا تناقض . وقيل : المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة ، لفرط جماله . وقوله : « لله » تأكيد لهذا المعنى فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظناً منهن أن صورة المَلَك أحسن ، وما بلغهنّ قوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] فإنه من كتابنا . وقد ظنّ بعض الضَّعفة أن هذا القول لو كان ظناً باطلاً منهنّ لوجب على الله أن يردّ عليهنّ ، ويبيّن كذبهنّ ، وهذا باطل إذ لا وجوب على الله تعالى ، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الردّ عليه وأيضاً أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان ، وفي الحسَن كأنه مَلَك أي لم ير مثله ، لأن الناس لا يرون الملائكة فهو بناء على ظنّ في أن صورة الملَك أحسن ، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التّهَم . { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ } أي ما هذا إلا مَلَك وقال الشاعر : @ فلستَ لأِنْسِيٍّ ولكن لِمَلأَكٍ تَنزَّلَ من جَوِّ السماءِ يَصُوبُ @@ وروي عن الحسن : « مَا هَذَا بِشِرًى » بكسر الباء والشين ، أي ما هذا عبداً مُشترًى ، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع ، فوضع المصدر موضع اسم المفعول ، كما قال : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } أي مصيده ، وشبهه كثير . ويجوز أن يكون المعنى : ما هذا بثمن ، أي مثله لا يثمن ولا يقوّم فيراد بالشراء على هذا الثمن المشترى به : كقولك : ما هذا بألفٍ إذا نفيت قول القائل : هذا بألف . فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر ، كأنه قال : ما هذا مقدراً بشراء . وقراءة العامة أشبه لأن بعده « إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَك كَرِيمٌ » مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيماً لشأنه ، ولأن مثل « بِشرًى » يكتب في المصحف بالياء . قوله تعالى : { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } لما رأت ٱفتتانهن بيوسف أظهرت عذر نفسها بقولها : « لُمْتُنَّنِي فِيهِ » أي بحبه ، و « ذلك » بمعنى « هذا » وهو اختيار الطَّبريّ . وقيل : الهاء للحب ، و « ذلك » على بابه ، والمعنى : ذلكن الحُب الذي لمتنني فيه ، أي حبّ هذا هو ذلك الحب . واللوم الوصف بالقبيح . ثم أقرّت وقالت : { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسْتَعْصَمَ } أي ٱمتنع وسميت العصمة عصمة لأنها تمنع من ارتكاب المعصية . وقيل : « ٱستعصم » أي ٱستعصى ، والمعنى واحد . { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ } عاودته المراودة بمحضر منهن ، وهتكت جِلباب الحياء ، ووعدت بالسجن إن لم يفعل ، وإنما فعلت هذا حين لم تخش لَوْماً ولا مقالاً خلافَ أوّل أمرها إذ كان ذلك بينه وبينها . { وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } أي الأذلاء . وخط المصحف « وليكوناً » بالألف وتقرأ بنون مخففة للتأكيد ونون التأكيد تثقّل وتخفّف والوقف على قوله : « لَيُسْجَنَنَّ » بالنون لأنها مثقلة ، وعلى « ليكوناً » بالألف لأنها مخففة ، وهي تشبه نون الإعراب في قولك : رأيت رجلاً وزيداً وعمراً ، ومثله قوله : { لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ } ونحوها الوقف عليها بالألف ، كقول الأعشى : @ وَلاَ تَعبدِ الشيطان واللَّهَ فاعبدا @@ أي أراد فاعبداً ، فلما وقف عليه كان الوَقف بالألف .