Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 56-57)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ } أي ومثل هذا الإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبه إلى قلب الملك ، وإنجائه من السجن مكنا له في الأرض أي أقدرناه على ما يريد . وقال الكِيَا الطَّبَري قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } دليل على إجازة الحيلة في التوصّل إلى المباح ، وما فيه الغبطة والصلاح ، واستخراج الحقوق ، ومثله قوله تعالى : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } [ صۤ : 44 ] وحديث أبي سعيد الخُدْرِيّ في عامل خَيْبَر ، والذي أدّاه من التَّمْر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما قاله . قلت : وهذا مردود على ما يأتي . يقال : مَكّناه ومكّنا له ، قال الله تعالى : { مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } [ الأنعام : 6 ] . قال الطَّبريّ : استخلف الملك الأكبر الوليد بن الريّان يوسف على عمل إطفير وعَزَله قال مجاهد : وأسلم على يديه . قال ٱبن عباس : ملّكه بعد سنة ونصف . وروى مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن يوسف قال إني حفيظ عليم إن شاء الله لَمُلِّك في وقته " ثم مات إطفير فزوّجه الوليد بزوجة إطفير راعيل ، فدخل بها يوسف فوجدها عذراء ، وولدت له ولدين : إفراثيم ومنشا ، ٱبني يوسف ، ومن زعم أنها زَلِيخَاء قال : لم يتزوّجها يوسف ، وأنها لما رأته في موكبه بكت ، ثم قالت : الحمد لله الذي جعل الملوك عبيداً بالمعصية ، والحمد لله الذي جعل العبيد بالطاعة ملوكاً ، فضمّها إليه ، فكانت من عياله حتى ماتت عنده ، ولم يتزوّجها ذكره الماورديّ وهو خلاف ما تقدّم عن وهب ، وذكره الثعلبيّ فالله أعلم . ولما فوّض الملك أمر مصر إلى يوسف تلطّف بالناس ، وجعل يدعوهم إلى الإسلام حتى آمنوا به ، وأقام فيهم العدل ، فأحبّه الرجال والنساء ، قال وهب والسُّديّ وابن عباس وغيرهم : ثم دخلت السنون المخصبة ، فأمر يوسف بإصلاح المزارع ، وأمرهم أن يتوسعوا في الزراعة ، فلما أدركت الغَلّة أمر بها فجمعت ، ثم بنى لها الأَهْرَاءَ ، فجمعت فيها في تلك السنة غَلّة ضاقت عنها المخازن لكثرتها ، ثم جمع عليه غلّة كل سنة كذلك ، حتى إذا انقضت السبع المخصبة وجاءت السنون المجدبة نزل جبريل وقال : يا أهل مصر جوعوا فإن الله سلّط عليكم الجوع سبع سنين . وقال بعض أهل الحكمة : للجوع والقحط علامتان : إحداهما : أن النفس تحب الطعام أكثر من العادة ، ويسرع إليها الجوع خلاف ما كانت عليه قبل ذلك ، وتأخذ من الطعام فوق الكفاية . والثانية : أن يفقد الطعام فلا يوجد رأساً ويعزّ إلى الغاية ، فٱجتمعت هاتان العلامتان في عهد يوسف ، فانتبه الرجال والنساء والصبيان ينادون الجوع الجوع ويأكلون ولا يشبعون ، وانتبه الملك ، ينادي الجوع الجوع قال : فدعا له يوسف فأبرأه الله من ذلك ، ثم أصبح فنادى يوسف في أرض مصر كلها معاشر الناس ! لا يزرع أحد زرعاً فيضيع البذر ولا يطلع شيء . وجاءت تلك السنون بهول عظيم لا يوصف قال ٱبن عباس : لما كان ابتداء القحط بينا الملك في جوف الليل أصابه الجوع في نصف الليل ، فهتف الملك يا يوسف ! الجوع الجوع فقال يوسف : هذا أوان القحط فلما دخلت أوّل سنة من سنيّ القحط هلك فيها كل شيء أعدّوه في السنين المخصِبة ، فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف فباعهم أوّل سنة بالنقود ، حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه وباعهم في السنة الثانية بالحليّ والجواهر ، حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء وباعهم في السنة الثالثة بالمواشي والدواب ، حتى ٱحتوى عليها أجمع ، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء ، حتى ٱحتوى على الكل وباعهم في السنة الخامسة بالعقار والضيّاع ، حتى ملكها كلها وباعهم في السنة السادسة بأولادهم ونسائهم فاسترقهم جميعاً وباعهم في السنة السابعة برقابهم ، حتى لم يبق في السنة السابعة بمصر حر ولا عبد إلا صار عبداً له فقال الناس : والله ما رأينا ملكاً أجلّ ولا أعظم من هذا فقال يوسف لملك مصر : كيف رأيت صنع ربي فيما خَوّلني ! والآن كل هذا لك ، فما ترى فيه ؟ فقال : فوضت إليك الأمر فافعل ما شئت ، وإنما نحن لك تبع وما أنا بالذي يستنكف عن عبادتك وطاعتك ، ولا أنا إلا من بعض مماليكك ، وخَوَل من خَوَلك فقال يوسف عليه السلام : إني لم أعتقهم من الجوع لأستعبدهم ، ولم أُجرهم من البلاء لأكون عليهم بلاء وإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم ، ورددت عليهم أموالهم وأملاكهم ، ورددت عليك ملكك بشرط أن تستنّ بسنّتي . ويروى أن يوسف عليه السلام كان لا يشبع من طعام في تلك السنين ، فقيل له : أتجوع وبيدك خزائن الأرض ؟ فقال : إني أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع وأمر يوسف طباخ الملك أن يجعل غذاءه نصف النهار ، حتى يذوق الملك طعم الجوع ، فلا ينسى الجائعين فمن ثَمَّ جعل الملوك غذاءهم نصف النهار . قوله تعالى : { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ } أي بإحساننا والرحمة النعمة والإحسان . { وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي ثوابهم . وقال ٱبن عباس ووهب : يعني الصابرين لصبره في الجبّ ، وفي الرقّ ، وفي السِّجن ، وصبره عن محارم الله عما دعته إليه المرأة . وقال الماورديّ : وٱختلف فيما أوتيه يوسف من هذه الحال على قولين : أحدهما : أنه ثواب من الله تعالى على ما ٱبتلاه . الثاني : أنه أنعم الله عليه بذلك تفضلاً منه عليه ، وثوابه باق على حاله في الآخرة . قوله تعالى : { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } أي ما نعطيه في الآخرة خير وأكثر مما أعطيناه في الدنيا لأن أجر الآخرة دائم ، وأجر الدنيا ينقطع وظاهر الآية العموم في كل مؤمن متّق وأنشدوا : @ أَمَا في رسول الله يوسف أُسْوَةٌ لمثلك محبوساً على الظُّلَم والإِفْكِ أقامَ جَميلَ الصّبر في الحبس بُرهة فآل به الصّبرُ الجميلُ إلى المُلْك @@ وكتب بعضهم إلى صديق له : @ وراء مَضيقِ الخوف مُتَّسعُ الأَمْنِ وأوّل مفروحٍ به آخرُ الحزنِ فلا تَيْأَسَنْ فالله مَلَّكَ يوسفَا خزائنَه بعد الخلاصِ من السِّجنِ @@ وأنشد بعضهم : @ إذا الحادثاتُ بَلَغْنَ النُّهَى وَكادت تَذُوبُ لَهُنَّ المُهَجْ وحَلَّ البلاءُ وقَلَّ العَزَاء فعند التَّنَاهِي يكونُ الفَرَجْ @@ والشعر في هذا المعنى كثير .