Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 31-31)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } هذا متصل بقوله : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [ الرعد : 27 ] . وذلك أن نفراً من مشركي مكة فيهم أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية المخزوميّان جلسوا خلف الكعبة ، ثم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقال له عبد الله : إن سرّك أن نتبعك فسَيِّر لنا جبال مكة بالقرآن ، فأَذْهبها عنّا حتى تنفسح فإنها أرض ضيّقة ، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً ، حتى نغرس ونزرع فلستَ كما زعمتَ بأهون على ربك من داود حين سخّر له الجبال تسير معه ، وسَخِّر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها مِيرتنا وحوائجنا ، ثم نرجع من يومنا فقد كان سليمان سخّرت له الريح كما زعمتَ فلستَ بأهون على ربك من سليمان بن داود ، وأَحْيِ لنا قُصَيّا جدّك ، أو من شئتَ أنت من موتانا نسأله أحقُّ ما تقول أنت أم باطل ؟ فإن عيسى كان يحيـي الموتى ، ولست بأهون على الله منه فأنزل الله تعالى : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ » الآية قال معناه الزّبير بن العوام ومجاهد وقَتَادة والضّحاك والجواب محذوف تقديره : لكان هذا القرآن ، لكن حذف إيجازاً ، لما في ظاهر الكلام من الدلالة عليه كما قال ٱمرؤ القيس : @ فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَموتُ جَمِيعةً ولكِنَّها نفسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسَا @@ يعني لهان عليّ هذا معنى قول قَتَادة قال : لو فَعَل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعله قرآنكم . وقيل : الجواب متقدم ، وفي الكلام تقديم وتأخير أي وهم يكفرون بالرحمن لو أنزلنا القرآن وفعلنا بهم ما اقترحوا . الفراء : يجوز أن يكون الجواب لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن . الزّجاج : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً » إلى قوله : « الْمَوْتَى » لما آمنوا ، والجواب المضمر هنا ما أظهر في قوله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } [ الأنعام : 111 ] إلى قوله : { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 111 ] . { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } أي هو المالك لجميع الأمور ، الفاعل لما يشاء منها ، فليس ما تلتمسونه مما يكون بالقرآن ، إنما يكون بأمر الله . قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } قال الفراء قال الْكَلْبي : « ييئس » بمعنى يعلم ، لغة النَّخَع وحكاه القُشَيْري عن ابن عباس أي أفلم يعلموا وقاله الجوهري في الصحاح . وقيل : هو لغة هَوَازِن أي أفلم يعلم عن ابن عباس ومجاهد والحسن . وقال أبو عبيدة : أفلم يعلموا ويتبيّنوا ، وأنشد في ذلك أبو عبيدة لمالك بن عوف النَّصْرِي : @ أَقُولُ لَهُمْ بالشَّعْب إذْ يَيْسِرُونَنِي أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ٱبْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ @@ يَيْسرونني من المَيْسر ، وقد تقدم في « البقرة » ويروى يأسرونني من الأَسْر . وقال رَبَاح بن عديّ : @ أَلَمْ يَيْئَسِ الأقوامُ أَنِّي أنا ٱبْنُهُ وإنْ كنتُ عن أرضِ الْعَشِيرةِ نائيَا @@ في كتاب الرّد « أني أنا ٱبنه » وكذا ذكره الغزنوي : ألم يعلم والمعنى على هذا : أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً من غير أن يشاهدوا الآيات . وقيل : هو من اليأس المعروف أي أفلم ييئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار ، لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم لأن المؤمنين تَمنَّوا نزول الآيات طمعاً في إيمان الكفار . وقرأ عليّ وابن عباس : « أَفَلَمْ يَتَبَيَّنَ الَّذِينَ آمَنُوا » من البيان . قال القُشَيْرِي : وقيل لابن عباس المكتوب « أَفَلَمْ يَيْئَسِ » قال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس أي زاد بعض الحروف حتى صار « ييئس » . قال أبو بكر الأنباريّ : روي عن عِكرمة عن ٱبن أبي نَجيح أنه قرأ « أفلم يتبين الذين آمنوا » وبها ٱحتجّ من زعم أنه الصواب في التلاوة وهو باطل عن ٱبن عباس ، لأن مجاهداً وسعيد بن جُبَير حكيا الحرف عن ابن عباس ، على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جُبَير عن ابن عباس ثم إن معناه : أفلم يتبين فإن كان مراد الله تحت اللفظة التي خالفوا بها الإجماع فقراءتنا تقع عليها ، وتأتي بتأويلها ، وإن أراد الله المعنى الآخر الذي اليأس فيه ليس من طريق العلم فقد سقط مما أوردوا وأَمَّا سقوطه يبطل القرآن ، ولزوم أصحابه البهتان . { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } « أَنْ » مخففة من الثقيلة ، أي أنه لو يشاء الله { لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } وهو يردّ على القَدَرية وغيرهم . قوله تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوّهم ، ويقال : قرعه أمر إذا أصابه ، والجمع قَوارِع والأصل في القرع الضرب قال : @ أَفْنَى تِلاَدِي وَمَا جَمَّعْتُ مِن نَشَبٍ قَرْعُ الْقَوَاقِيزِ أَفْوَاهَ الأَبَارِيقِ @@ أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أَرْبَدَ أو من قتل أو من أسر أو جدب ، أو غير ذلك من العذاب والبلاء كما نزل بالمستهزئين ، وهم رؤساء المشركين . وقال عِكرِمة عن ابن عباس : القارعة النكبة . وقال ٱبن عباس أيضاً وعكْرمة : القارعة الطلائع والسرايا التي كان يُنفِذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم . { أَوْ تَحُلُّ } أي القارعة . { قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } قاله قتادة والحسن . وقال ابن عباس : أو تَحُلّ أنت قريباً من دارهم . وقيل : نزلت الآية بالمدينة أي لا تزال تصيبهم القوارع فتنزل بساحتهم أو بالقرب منهم كَقُرى المدينة ومكة . { حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ } في فتح مكة قاله مجاهد وقتادة . وقيل : نزلت بمكة أي تصيبهم القوارع ، وتخرج عنهم إلى المدينة يا محمد ، فتحلّ قريباً من دارهم ، أو تحلّ بهم محاصراً لهم وهذه المحاصرة لأهل الطائف ، ولِقلاع خَيْبَر ، ويأتِي وعد الله بالإذن لك في قتالهم وقهرهم . وقال الحسن : وعد الله يوم القيامة .