Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 22-22)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ } [ الحجر : 15 ] قراءة العامة « الرياح » بالجمع . وقرأ حمزة بالتوحيد لأن معنى الريح الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد . كما يقال : جاءت الريح من كل جانب . كما يقال : أرضٌ سبَاسِب وثوبٌ أخْلاق . وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع . وأما وجه قراءة العامة فلأن الله تعالى نعتها بـ « ـلواقح » وهي جمع . ومعنى لواقح حوامل لأنها تحمل الماء والتراب والسَّحاب والخير والنفع . قال الأزهري : وجعل الريح لاقحاً لأنها تحمل السحاب أي تُقِلّه وتصرّفه ثم تَمْرِيه فتستَدرّه ، أي تنزله قال الله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً } [ الأعراف : 57 ] أي حملت . وناقة لاقح ونُوق لواقح إذا حملت الأجنة في بطونها . وقيل : لواقح بمعنى مُلْقِحة وهو الأصل ، ولكنها لا تُلقح إلا وهي في نفسها لاقح ، كأن الرياح لَقِحت بخير . وقيل : ذوات لَقْح ، وكل ذلك صحيح أي منها ما يُلقح الشجر كقولهم : عيشة راضية أي فيها رضاً ، وليل نائم أي فيه نوم . ومنها ما تأتي بالسحاب . يقال : لَقِحت الناقة بالكسر لَقَحا ولَقاحا بالفتح فهي لاقح . وألقحها الفحل أي ألقى إليها الماء فحملته فالرياح كالفحل للسحاب . قال الجوهري : ورياح لواقح ولا يقال ملاَقح ، وهو من النوادر . وحكى المهدوي عن أبي عبيدة : لواقح بمعنى ملاقح ، ذهب إلى أنه جمع مُلْقِحة ومُلْقِح ، ثم حذفت زوائده . وقيل : هو جمع لاقحة ولاقح ، على معنى ذات اللّقاح على النسب . ويجوز أن يكون معنى لاقح حاملاً . والعرب تقول للجنوب : لاقح وحامل ، وللشّمال حائل وعقيم . وقال عبيد بن عُمير : يرسل الله المبشِّرة فتقم الأرض قَمّا ، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب ، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه ، ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر . وقيل : الريح الملاقح التي تحمل الندى فتمجّه في السحاب ، فإذا اجتمع فيه صار مطراً . وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الريح الجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح التي ذكرها الله في كتابه وفيها منافع للناس " . وروي عنه عليه السلام أنه قال : " ما هبّت جنوب إلا أنبع الله بها عينا غَدقة " . وقال أبو بكر بن عياش : لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيها فالصَّبا تهّيجه ، والدَّبُور تُلقحه ، والجنوب تُدِرّه ، والشمال تفرّقه . الثانية : روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك واللفظ لأشهب قال مالك : قال الله تعالى : « وأرسلنا الرياح لواقِح » فلقاح القمح عندي أن يحبب ويُسَنْبِل ، ولا أدري ما ييبَس في أكمامه ، ولكن يُحبّب حتى يكون لو يبس حينئذ لم يكن فساداً لا خير فيه . ولقاح الشجر كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت ما يثبت ، وليس ذلك بأن تورّد . قال ابن العربي : إنما عوّل مالك في هذا التفسير على تشبيه لقاح الشجر بلقاح الحمل ، وأن الولد إذا عقد وخلق ونفخ فيه الروح كان بمنزلة تحبب الثمر وتسنبله لأنه سُمي باسم تشترك فيه كل حاملة وهو اللقاح ، وعليه جاء الحديث : " نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الحَبّ حتى يشتد " قال ابن عبد البر : الإبَّار عند أهل العلم في النخل التلقيح ، وهو أن يؤخذ شيء من طلع ذكور النخل فيُدْخَل بين ظهراني طلع الإناث . ومعنى ذلك في سائر الثمار طلوع الثمرة من التين وغيره حتى تكون الثمرة مرئية منظوراً إليها . والمعتبر عند مالك وأصحابه فيما يذكّر من الثمار التذكير ، وفيما لا يذكّر أن يثبت من نوّاره ما يثبت ويسقط ما يسقط . وحدّ ذلك في الزرع ظهوره من الأرض قاله مالك . وقد روي عنه أن إباره أن يحبّب . ولم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشق طلع إناثه فأخِّر إباره وقد أبر غيره ممن حاله مثل حاله ، أن حكمه حكم ما أبر لأنه قد جاء عليه وقت الإبار وثمرته ظاهرة بعد تغيبها في الحبّ . فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر تبعاً له . كما أن الحائط إذا بدا صلاحه كان سائر الحائط تبعاً لذلك الصلاح في جواز بيعه . الثالثة : روى الأئمّة كلّهم عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يَشترط المبتاع . ومن ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع " قال علماؤنا : إنما لم يدخل الثمر المؤبر مع الأصول في البيع إلا بالشرط لأنه عين موجودة يحاط بها أمن سقوطها غالباً . بخلاف التي لم تؤبر إذ ليس سقوطها مأموناً فلم يتحقق لها وجود ، فلم يجز للبائع اشتراطها ولا استثناؤها لأنها كالجنين . وهذا هو المشهور من مذهب مالك . وقيل : يجوز استثناؤها وهو قول الشافعي . الرابعة : لو اشتُرِي النخل وبقي الثمر للبائع جاز لمشتري الأصل شراء الثمرة قبل طِيبها على مشهور قول مالك ، ويرى لها حكم التبعية وإن أفردت بالعقد . وعنه في رواية : لا يجوز . وبذلك قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث . وهو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها . الخامسة : ومما يتعلق بهذا الباب النهي عن بيع الملاقح والملاقح الفحول من الإبل ، الواحد مُلقح . والملاقح أيضاً الإناث التي في بطونها أولادُها ، الواحدة ملقَحة بفتح القاف . والملاقيح ما في بطون النوق من الأجنة ، الواحدة ملقوحة ومن قولهم : لُقِحت كالمحموم من حُمّ ، والمجنون من جُنّ . وفي هذا جاء النهي . وقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه : نهى عن المَجْر وهو بيع ما في بطون الإناث . ونهى عن المضامين والملاقيح . قال أبو عبيد : المضامين ما في البطون ، وهي الأجنة . والملاقيح ما في أصلاب الفحول . وهو قول سعيد بن المسيّب وغيره . وقيل بالعكس : إن المضامين ما في بطون الجمال ، والملاقيح ما في بطون الإناث . وهو قول ابن حبيب وغيرِه . وأيّ الأمرين كان ، فعلماء المسلمين مجمعون على أن ذلك لا يجوز . وذكر المزني عن ابن هشام شاهداً بأن الملاقيح ما في البطون لبعض الأعراب : @ مَنيّتي مَلاقحاً في الأبْطُنِ تُنْتَج ما تَلْقَحُ بعد أزْمُنِ @@ وذكر الجوهريّ على ذلك شاهداً قول الراجز : @ إنّا وجدنا طَرَدَ الهَوامِل خيراً من التَّأنان والمسائِل وعِدَةِ العامِ وعامٍ قابلِ مَلقوحةً في بطن نابٍ حائلِ @@ قوله تعالى : { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي من السحاب . وكل ما علاك فأظلّك يسمى سماء . وقيل : من جهة السماء . { مَاءً } أي قطراً . { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي جعلنا ذلك المطر لسقياكم وللشرب مواشيكم وأرضكم . وقيل : سَقى وأسقى بمعنىً . وقيل بالفرق ، وقد تقدّم . { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } أي ليست خزائنه عندكم أي نحن الخازنون لهذا الماء ننزله إذا شئنا ونمسكه إذا شئنا . ومثله { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } [ الفرقان : 48 ] ، { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } [ المؤمنون : 18 ] . وقال سفيان : لستم بمانعين المطر .