Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 24-24)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } فيه ثمان تأويلات : الأوّل : « المستقدمين » في الخلق إلى اليوم ، ولا المستأخرين ، الذين لم يخلقوا بعد ، قاله قتادة وعكرمة وغيرهما . الثاني : « المستقدمين » الأموات ، و « المستأخرين » الأحياء قاله ٱبن عباس والضحاك . الثالث : « المستقدمين » من تقدّم أمة محمد ، و « المستأخرين » أمة محمد صلى الله عليه وسلم قاله مجاهد . الرابع : « المستقدمين » في الطاعة والخير ، و « المستأخرين » في المعصية والشر قاله الحسن وقتادة أيضاً . الخامس : « المستقدمين » في صفوف الحرب ، و « المستأخرين » فيها قاله سعيد بن المسيّب . السادس : « المستقدمين » من قتل في الجهاد ، و « المستأخرين » من لم يقتل قاله القرظي . السابع : « المستقدمين » أوّل الخلق ، و « المستأخرين » آخر الخلق قاله الشعبِيّ . الثامن : « المستقدمين » في صفوف الصلاة ، و « المستأخرين » فيها بسبب النساء . وكل هذا معلوم لله تعالى فإنه عالم بكل موجود ومعدوم ، وعالم بمن خلق وما هو خالقه إلى يوم القيامة . إلا أن القول الثامن هو سبب نزول الآية لما رواه النَّسائي والترمذيّ عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس ، فكان بعض القوم يتقدّم حتى يكون في الصف الأوّل لئلا يراها ، ويتأخرّ بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطه ، فأنزل الله عز وجل { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } . وروي عن أبي الجوزاء ولم يُذكر ابن عباس . وهو أصح . الثانية : هذا يدل على فضل أوّل الوقت في الصلاة وعلى فضل الصفّ الأوّل قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأوّل ثم لم يجِدوا إلا أن يستَهِموا عليه لاستهموا " فإذا جاء الرجل عند الزوال فنزل في الصف الأوّل مجاور الإمام ، حاز ثلاث مراتب في الفضل : أوّل الوقت ، والصف الأوّل ، ومجاورة الإمام . فإن جاء عند الزوال فنزل في الصف الآخر أو فيما نزل عن الصف الأوّل ، فقد حاز فضل أوّل الوقت وفاته فضل الصف الأوّل والمجاورة . فإن جاء وقت الزوال ونزل في الصف الأوّل دون ما يلي الإمام فقد حاز فضل أوّل الوقت وفضل الصف الأوّل ، وفاته مجاورة الإمام . فإن جاء بعد الزوال ونزل في الصف الأوّل فقد فاته فضيلة أوّل الوقت ، وحاز فضيلة الصف الأوّل ومجاورة الإمام . وهكذا . ومجاورة الإمام لا تكون لكل أحد ، وإنما هي كما قال صلى الله عليه وسلم : " لِيَلنِي منكم أولو الأحلام والنهى " الحديث . فما يلي الإمام ينبغي أن يكون لمن كانت هذه صفته ، فإن نزلها غيره أخِّر وتقدّم هو إلى الموضع لأنه حقّه بأمر صاحب الشرع ، كالمحراب هو موضع الإمام تقدّم أو تأخّر قاله ٱبن العربي . قلت : وعليه يحمل قول عمر رضي الله عنه : تأخر يا فلان ، تقدّم يا فلان ثم يتقدّم فيكبر . وقد روي عن كعب أن الرجل من هذه الأمة ليَخِرّ ساجداً فيغفر لمن خلفه . وكان كعب يتوخى الصف المؤخر من المسجد رجاء ذلك ، ويذكر أنه وجده كذلك في التوراة . ذكره الترمذيّ الحكيم في نوادر الأصول . وسيأتي في سورة « الصافات » زيادة بيان لهذا الباب إن شاء الله تعالى . الثالثة : وكما تدل هذه الآية على فضل الصف الأوّل في الصلاة ، فكذلك تدل على فضل الصف الأوّل في القتال فإن القيام في نحر العدوّ ، وبيع العبد نفسه من الله تعالى لا يوازيه عمل فالتقدّم إليه أفضل ، ولا خلاف فيه ولا خفاء به . ولم يكن أحد يتقدّم الحرب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أشجع الناس . قال البَرَاء : كنا والله إذا احمرّ البأس نَتّقي به ، وإن الشجاع منا للذي يحاذِي به ، يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم .