Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 75-75)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } روى التّرمذيّ الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبي سعيد الخُدْرِيّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " للمتفرسين " وهو قول مجاهد . وروى أبو عيسى التّرمذيّ عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتّقوا فِراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ « إِن فِي ذلِك لآياتٍ لِلمتوسّمِين » " قال : هذا حديث غريب . وقال مقاتل وٱبن زيد : للمتوسمين للمتفكرين . الضحاك : للناظرين . قال الشاعر : @ أوَ كلّما وردَتْ عكاظَ قبيلةٌ بعثُوا إليّ عريفَهم يتوسّم @@ وقال قتادة : للمعتبرين . قال زهير : @ وفيهنّ مَلْهًى للصديق ومنظَرٌ أنيقٌ لعينِ الناظر المتوسّمِ @@ وقال أبو عبيدة : للمتبصرين ، والمعنى متقارب . وروى الترمذِيّ الحكيم من حديث ثابت عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للَّهِ عز وجل عباداً يعرفون الناس بالتوسُّم " . قال العلماء : التوسّم تفعّل من الوَسْم ، وهي العلامة التي يستدلّ بها على مطلوب غيرها . يقال : توسّمت فيه الخير إذا رأيت مِيسَم ذلك فيه ومنه قول عبد الله بن رَوَاحة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : @ إني توسّمت فيك الخير أعرفه والله يعلم أني ثابت البصر @@ آخر : @ توسمته لما رأيت مهابة عليه وقلت المرء من آل هاشم @@ واتسم الرجل إذا جعل لنفسه علامة يُعرف بها . وتوسّم الرجل طلب كلأَ الوَسْمِيّ . وأنشد : @ وأصبحن كالدَّوْم النّواعِم غُدْوةً على وجْهةٍ من ظاعنٍ مُتَوَسّم @@ وقال ثعلب : الواسم الناظر إليك من فَرْقِك إلى قدمك . وأصل التوسّم التثبت والتفكر مأخوذ من الوَسْم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير وغيره ، وذلك يكون بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء الفكر . زاد غيره : وتفريغ القلب من حشو الدنيا ، وتطهيره من أدناس المعاصي وكدورة الأخلاق وفضول الدنيا . روى نَهْشَل عن ابن عباس « للمتوسمين » قال : لأهل الصلاح والخير . وزعمت الصوفية أنها كرامة . وقيل : بل هي استدلال بالعلامات ، ومن العلامات ما يبدو ظاهراً لكل أحد وبأوّل نظرة ، ومنها ما يخفى فلا يبدو لكل أحد ولا يدرك ببادىء النظر . قال الحسن : المتوسمون هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار فهذا من الدلائل الظاهرة . ومثله قول ابن عباس : ما سألني أحد عن شيء إلا عرفت أفقيه هو أو غير فقيه . وروي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفِناء الكعبة ورجل على باب المسجد فقال أحدهما : أراه نجاراً ، وقال الآخر : بل حدّاداً ، فتبادر من حضر إلى الرجل فسأله فقال : كنت نجاراً وأنا اليوم حدّاد . وروي عن جُنْدَب بن عبد الله البَجَلِيّ أنه أتى على رجل يقرأ القرآن فوقف فقال : من سَمّع سمّع الله به ، ومن راءى راءى الله به . فقلنا له : كأنك عرّضت بهذا الرجل ، فقال : إن هذا يقرأ عليك القرآن اليوم ويخرج غداً حَرُورِياًّ فكان رأس الحُرورِيّة ، واسمه مرداس . وروي عن الحسن البصري أنه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال : هذا سيد فتيان البَصرة إن لم يحُدِث ، فكان من أمره من القدر ما كان ، حتى هجره عامة إخوانه . وقال لأيوب : هذا سيد فتيان أهل البصرة ، ولم يستثن . وروي عن الشَّعْبِيّ أنه قال لداود الأزْدي وهو يُماريه : إنك لا تموت حتى تُكْوَى في رأسك ، وكان كذلك . وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه قوم من مَذْحِج فيهم الأشتر ، فصعّد فيه النظر وصوّبه وقال : أيّهم هذا ؟ قالوا : مالك بن الحارث . فقال : ما له قاتله الله ! إني لأرى للمسلمين منه يوماً عصيباً فكان منه في الفتنة ما كان . وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : أن أنس بن مالك دخل عليه ، وكان قد مَرّ بالسوق فنظر إلى امرأة ، فلما نظر إليه قال عثمان : يدخل أحدكم عليّ وفي عينيه أثر الزنى ! فقال له أنس : أوَحْياً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال لاٰ ولكن برهان وفراسة وصدق . ومثله كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين . الثانية : قال القاضي أبو بكر بن العربي : « إذا ثبت أن التوسم والتفرّس من مدارك المعاني فإن ذلك لا يترتب عليه حكم ولا يؤخذ به موسوم ولا متفرّس . وقد كان قاضي القضاة الشامي المالكي ببغداد أيام كوني بالشام يحكم بالفراسة في الأحكام ، جَرْياً على طريق إياس بن معاوية أيام كان قاضياً ، وكان شيخنا فخر الإسلام أبو بكر الشاشي صنف جزءاً في الردّ عليه ، كتبه لي بخطه وأعطانيه ، وذلك صحيح فإن مدارك الأحكام معلومة شرعاً مدركة قطعاً وليست الفِراسة منها .