Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 68-68)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } قد مضى القول في الوَحْي وأنه قد يكون بمعنى الإلهام ، وهو ما يخلقه الله تعالى في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ، وهو من قوله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَافَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [ الشمس : 7 - 8 ] . ومن ذلك البهائم وما يخلق الله سبحانه فيها من درك منافعها واجتناب مضارها وتدبير معاشها . وقد أخبر عز وجل بذلك عن الموات فقال : { تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } . قال إبراهيم الحَرْبيّ : لله عز وجل في الموت قدرة لم يُدْرَ ما هي ، لم يأتها رسول من عند الله ولكن الله تعالى عرّفها ذلك أي ألهمها . ولا خلاف بين المتأولين أن الوحي هنا بمعنى الإلهام . وقرأ يحيى بن وَثّاب « إلى النَّحَلِ » بفتح الحاء . وسُمِّيَ نحلاً لأن الله عز وجل نحله العسل الذي يخرج منه قاله الزجاج . الجوهريّ : والنحل والنحلة الدّبْر يقع على الذكر والأنثى ، حتى يقال : يَعْسُوب . والنحل يؤنث في لغة أهل الحجاز ، وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء . وروي من حديث أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الذِّبان كلّها في النار يجعلها عذاباً لأهل النار إلا النحل " ذكره الترمذيّ الحكيم في نوادر الأصول . وروي عن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النملة والنحلة والهُدْهُد والصُّرَد ، خرّجه أبو داود أيضاً ، وسيأتي في « النمل » إن شاء الله تعالى . الثانية قوله تعالى : { أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ } هذا إذا لم يكن لها مليك . { وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } جعل الله بيوت النحل في هذه الثلاثة الأنواع ، إما في الجبال وكِوَاها ، وإما في متجوّف الأشجار ، وإما فيما يعرِش ابن آدم من الأجباح والخلايا والحيطان وغيرها . وعرَش معناه هنا هيّأ ، وأكثر ما يستعمل فيما يكون من إتقان الأغصان والخشب وترتيب ظلالها ومنه العريش الذي صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، ومن هذا لفظة العرش . يقال : عرش يَعْرِش ويعرُش بكسر الراء وضمها ، وقرىء بهما . قرأ ابن عامر بالضم وسائرهم بالكسر ، واختلف في ذلك عن عاصم . الثالثة قال ابن العربيّ : ومن عجيب ما خلق الله في النحل أن ألهمها لاتخاذ بيوتها مسدّسة ، فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة ، وذلك أن الأشكال من المثلّث إلى المعشر إذا جُمع كلّ واحد منها إلى أمثاله لم يتصل وجاءت بينهما فُرج ، إلا الشكل المسدّس فإنه إذا جمع إلى أمثاله اتصل كأنه كالقطعة الواحدة .