Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 16-16)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى أخبر الله تعالى في الآية التي قبلُ أنه لم يهلك القرى قبل ابتعاث الرسل ، لا لأنه يقبح منه ذلك إن فعل ، ولكنه وعد منه ، ولا خلف في وعده . فإذا أراد إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قاله تعالى أمر مترفيها بالفِسق والظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير . يعلمك أن من هلك فإنّما هلك بإرادته ، فهو الذي يسبب الأسباب ويسوقها إلى غاياتها ليحق القول السابق من الله تعالى . الثانية قوله تعالى : { أَمَرْنَا } قرأ أبو عثمان النَّهْدِيّ وأبو رَجاء وأبو العالية ، والربيع ومجاهد والحسن « أمَّرْنا » بالتشديد ، وهي قراءة عليّ رضي الله عنه أي سلّطنا شرارها فعصَوْا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم . وقال أبو عثمان النهدِيّ « أمّرنا » بتشديد الميم ، جعلناهم أمراء مسلَّطين وقاله ابن عَزيز . وتأمّر عليهم تسلط عليهم . وقرأ الحسن أيضاً وقتادة وأبو حَيْوة الشامي ويعقوب وخارجة عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كَثير وعليّ وابن عباس باختلاف عنهما « آمرنا » بالمد والتخفيف ، أي أكثرنا جبابرتها وأمراءها قاله الكسائِيّ . وقال أبو عبيدة : آمرته بالمد وأمرته ، لغتان بمعنى كثّرته ومنه الحديث : " خير المال مُهْرَةٌ مأمُورة أو سِكّة مأبورة " أي كثيرة النِّتاج والنَّسل . وكذلك قال ابن عزيز : آمرنا وأمرنا بمعنًى واحد أي أكثرنا . وعن الحسن أيضاً ويحيـى بن يَعْمَر « أمِرنا » بالقصر وكسر الميم على فَعِلنا ، ورويت عن ابن عباس . قال قتادة والحسن : المعنى أكثرنا وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد ، وأنكره الكسائي وقال : لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد قال وأصلها « أأمرنا » فخفف ، حكاه المهدويّ . وفي الصحاح : وقال أبو الحسن أَمِر مالُه بالكسر أي أكثره . وأَمر القوم أي كثروا قال الشاعر : @ أَمِـرون لا يرثـون سَهْمَ القُعْـدُدِ @@ وآمر الله مالَه بالمد . الثعلبي : ويقال للشيء الكثير أَمِرٌ ، والفعل منه : أمِرَ القومُ يأمَرون أمراً إذا كثروا . قال ابن مسعود : كنا نقول في الجاهلية للحيّ إذا كثروا : أَمِر أمْرُ بني فلان قال لَبيد : @ كلُّ بني حُرَّةٍ مَصيرُهمُ قُلٌّ وإن أكثَرتْ من العددِ إن يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وإن أَمِرُوا يوماً يصيروا للهُلْكِ والنَّكَدِ @@ قلت : وفي حديث هِرَقل الحديث الصحيح : « لقد أَمِرَ أَمْرُ ابنِ أبي كَبشة ، ليخافه ملك بني الأصفر » أي كثر . وكله غير متعدّ ولذلك أنكره الكسائي ، والله أعلم . قال المهدوِي : ومن قرأ « أَمِر » فهي لغة ، ووجه تعدية « أمِر » أنه شبهه بعمر من حيث كانت الكثرة أقربَ شيء إلى العمارة ، فعدّى كما عدّى عمر . الباقون « أَمَرْنا » من الأمر أي أمرناهم بالطاعة إعذاراً وإنذاراً وتخويفاً ووعيداً . { فَفَسَقُواْ } أي فخرجوا عن الطاعة عاصين لنا . { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } فوجب عليها الوعيد عن ابن عباس . وقيل : « أَمَرْنا » جعلناهم أمراء لأن العرب تقول : أمير غير مأمور ، أي غير مؤمر . وقيل : معناه بعثنا مستكبريها . قال هارون : وهي قراءة أبَيٍّ « بعثنا أكابر مجرميها ففسقوا » ذكره الماوَرْدِيّ . وحكى النحاس : وقال هارون في قراءة أُبَيٍّ « وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول » . ويجوز أن يكون « أمرنا » بمعنى أكثرنا ومنه « خير المال مُهْرَةٌ مأمورة » على ما تقدّم . وقال قوم : مأمورة اتباع لمأبورة كالغدايا والعشايا . وكقوله : « إِرْجِعن مأزورات غير مأجورات » . وعلى هذا لا يقال : أَمَرهم الله ، بمعنى كثرهم ، بل يقال : آمره وأمره . واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة العامة . قال أبو عبيد : وإنما اخترنا « أمرنا » لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها من الأمر والإِمارة والكثرة . والمُتْرَف : المنعّم وخُصّوا بالأمر لأن غيرهم تبع لهم . الثالثة قوله تعالى : { فَدَمَّرْنَاهَا } أي ٱستأصلناها بالهلاك . { تَدْمِيراً } ذكر المصدر للمبالغة في العذاب الواقع بهم . وفي الصحيح من حديث " زينب بنت جَحْش زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فَزِعا مُحْمَرًّا وجهه يقول : لا إلٰه إلا الله ويْلٌ للعرب من شَرٍّ قد اقترب فُتح اليوم من رَدْم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلّق بأصبعه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : « نعم إذا كَثُر الخبث » " وقد تقدّم الكلام في هذا الباب ، وأن المعاصي إذا ظهرت ولم تُغيّر كانت سبباً لهلاك الجميع والله أعلم .