Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 44-44)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } أعاد على السموات والأرض ضمير من يعقل ، لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح . وقوله : { وَمَن فِيهِنَّ } يريد الملائكة والإنس والجن ، ثم عمّ بعد ذلك الأشياء كلّها في قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } . واختلف في هذا العموم ، هل هو مخصّص أم لا فقالت فرقة : ليس مخصوصاً والمراد به تسبيح الدلالة ، وكل محدَث يشهد على نفسه بأن الله عز وجل خالق قادر . وقالت طائفة : هذا التسبيح حقيقة ، وكلّ شيء على العموم يسبّح تسبيحاً لا يسمعه البشر ولا يفقهه ، ولو كان ما قاله الأوّلون من أنه أثر الصنعة والدلالة لكان أمراً مفهوماً ، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يُفقه . وأجيبوا بأن المراد بقوله : « لا تفقهون » الكفارُ الذين يعرضون عن الاعتبار فلا يفقهون حكمة الله سبحانه وتعالى في الأشياء . وقالت فرقة : قوله : « مِنْ شَيْءٍ » عموم ، ومعناه الخصوص في كل حَيٍّ ونامٍ ، وليس ذلك في الجمادات . ومن هذا قول عكرمة : الشجرة تسبح والأسطوان لا يسبّح . وقال يزيد الرِّقَاشِيّ للحسن وهما في طعام وقد قُدِّم الخِوان : أيسبّح هذا الخِوان يا أبا سعيد ؟ فقال : قد كان يسبح مرّة يريد أن الشجرة في زمن ثمرها واعتدالها كانت تسبّح ، وأما الآن فقد صار خِواناً مدهوناً . قلت : ويستدلّ لهذا القول من السُّنّة بما ثبت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ على قبرين فقال : إنهما لَيُعَذَّبان وما يُعَذَّبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنَّميمة وأما الآخر فكان لا يستبرىء من البول قال : فدعا بِعَسيب رَطْب فشقّه ٱثنين ، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال : لعلّه يخفّف عنهما ما لم يَيْبَسَا " فقوله عليه الصلاة والسلام . " ما لم ييبسا " إشارة إلى أنهما ما داما رطبين يسبّحان ، فإذا يبسا صارا جماداً . والله أعلم . وفي مسند أبي داود الطّيالسي : " فوضع على أحدهما نصفا وعلى الآخر نصفاً وقال : « لعله أن يهوّن عليهما العذاب ما دام فيهما من بلولتهما شيء » " قال علماؤنا : ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور ، وإذا خُفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن . وقد بينا هذا المعنى في كتاب التذكرة بياناً شافياً ، وأنه يصل إلى الميت ثواب ما يُهْدَى إليه . والحمد لله على ذلك . وعلى التأويل الثاني لا يحتاج إلى ذلك فإن كل شيء من الجماد وغيره يسبح . قلت : ويستدلّ لهذا التأويل وهذا القول من الكتاب بقوله سبحانه وتعالى : { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } [ صۤ : 17 - 18 ] ، وقوله : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 74 ] على قول مجاهد ـ ، وقوله : { وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [ مريم : 90 - 91 ] . وذكر ابن المبارك في دقائقه أخبرنا مِسعر عن عبد الله بن واصل عن عوف بن عبد الله قال : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الجبل يقول للجبل : يا فلان ، هل مر بك اليوم ذاكرٌ لله عز وجل ؟ فإن قال نعم سُرّ به . ثم قرأ عبد الله { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } الآية . قال : أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير . وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضاً : يا جاراه ، هل مَرّ بك اليوم عبد فصلى لله أو ذكر اللَّهَ عليك ؟ فمِن قائلة لا ، ومن قائلة نعم ، فإذا قالت نعم رأت لها بذلك فضلاً عليها . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَسمع صوتَ المؤذن جِنٌّ ولا إنس ولا شجر ولا حَجَر ولا مَدَر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة " رواه ابن ماجه في سننه ، ومالك في موطّئه من حديث أبي سعيد الخُدْريّ رضي الله عنه . وخرّج البخاريّ عن عبد الله رضي الله عنه قال : لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . في غير هذه الرواية عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه . وفي صحيح مسلم عن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " قيل : إنه الحجر الأسود ، والله أعلم . والأخبار في هذا المعنى كثيرة وقد أتينا على جملة منها في اللّمع اللؤلؤية في شرح العشرنيات النبوية للفاداري رحمه الله ، وخبر الجذع أيضاً مشهور في هذا الباب خرّجه البخاري في مواضع من كتابه . وإذا ثبت ذلك في جماد واحد جاز في جميع الجمادات ، ولا ٱستحالة في شيء من ذلك فكل شيء يسبح للعموم . وكذا قال النَّخَعِيّ وغيره : هو عام فيما فيه روح وفيما لا روح فيه حتى صرِير الباب . واحتجّوا بالأخبار التي ذكرنا . وقيل : تسبيح الجمادات أنها تدعو الناظر إليها إلى أن يقول : سبحان الله ! لعدم الإدراك منها . وقال الشاعر : @ تُلْقَى بتسبيحة من حيث ما انصرفت وتَستقر حَشَا الرائي بتَرْعَادِ @@ أي يقول من رآها : سبحانَ خالِقها . فالصحيح أن الكل يسبّح للأخبار الدالة على ذلك ولو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة فأيّ تخصيص لداود ، وإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح كما ذكرنا . وقد نصّت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء فالقول به أوْلى . والله أعلم . وقرأ الحسن وأبو عمرو ويعقوب وحفص وحمزة والكسائي وخَلَف « تفقهون » بالتاء لتأنيث الفاعل . الباقون بالياء ، واختاره أبو عبيد ، قال : للحائل بين الفعل والتأنيث . { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً } عن ذنوب عباده في الدنيا . { غَفُوراً } للمؤمنين في الآخرة .