Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 78-78)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه سبع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } لما ذكر مكايد المشركين أمر نبيّه عليه السلام بالصبر والمحافظة على الصلاة ، وفيها طلب النصر على الأعداء . ومثله { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 97 ] . وتقدم القول في معنى إقامة الصلاة في أول سورة البقرة . وهذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة . واختلف العلماء في الدُّلوك على قولين : أحدهما : أنه زوال الشمس عن كبد السماء قاله عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس وطائفة سواهم من علماء التابعين وغيرهم . الثاني أن الدلوك هو الغروب قاله عليّ وابن مسعود وأبيّ بن كعب ، وروي عن ابن عباس . قال الماورديّ : من جعل الدُّلوك اسما لغروبها فلأن الإنسان يدلُك عينيه براحته لتبيّنها حالة المغيب ، ومن جعله اسما لزوالها فلأنه يدلك عينيه لشدة شعاعها . وقال أبو عبيد : دلوكها غروبها . ودلكَتْ براح يعني الشمس أي غابت . وأنشد قُطْرب : @ هذا مُقامُ قَدَمَيْ رَبَاحِ ذَبّب حتى دَلكتْ بَراحِ @@ براح بفتح الباء على وزن حَزام وقطام ورقاس اسم من أسماء الشمس . ورواه الفرّاء بكسر الباء وهو جمع راحة وهي الكف أي غابت وهو ينظر إليها وقد جعل كفّه على حاجبه . ومنه قول العَجّاج : @ والشمس قد كادت تكون دَنَفَا أدفعها بالراح كي تَزَحْلَفَا @@ قال ابن الأعرابيّ : الزُّحلوفة مكان منحدر أملس ، لأنهم يتزحلفون فيه . قال : والزَّحْلفة كالدّحرجة والدفع يقال : زحلفته فتَزَحْلَف . ويقال : دلكت الشمس إذا غابت . قال ذو الرُّمَّة : @ مصابيح ليست باللّواتي تقودها نجومٌ ولا بالآفلات الدّوالكِ @@ قال ابن عطية : الدلوك هو الميل في اللغة فأوّل الدلوك هو الزوال وآخره هو الغروب . ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا ، لأنها في حالة ميل . فذكر الله تعالى الصلوات التي تكون في حالة الدلوك وعنده ، فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب ، ويصح أن تكون المغرب داخلة في غَسَق الليل . وقد ذهب قوم إلى أن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب لأن الله سبحانه علق وجوبها على الدلوك ، وهذا دلوك كله قاله الأوزاعيّ وأبو حنيفة في تفصيل . وأشار إليه مالك والشافعيّ في حالة الضرورة . الثانية : قوله تعالى : { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ } روى مالك عن ابن عباس قال : دلوك الشمس ميلها ، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته . وقال أبو عبيدة : الغسق سواد الليل . قال ابن قَيْس الرُّقَيّات : @ إن هذا الليل قد غَسَقَا واشتكيْتُ الهَمّ والأرَقَا @@ وقد قيل : غسق الليل مغيب الشفق . وقيل : إقبال ظلمته . قال زهير : @ ظلّت تجود يداها وهي لاهية حتى إذا جنح الإظلام والغَسق @@ يقال : غسق الليل غسوقا . والغَسَق اسم بفتح السين . وأصل الكلمة من السيلان يقال : غَسَقت العين إذا سالت ، تَغْسِق . وغَسَق الجرح غَسَقانا ، أي سال منه ماء أصفر . وأغسق المؤذّن ، أي أخر المغرب إلى غِسَق الليل . وحكى الفراء : غَسَق الليل وأغسق ، وظَلِم وأظلم ، ودجا وأدجى ، وغَبَس وأغبس ، وغَبِش وأغبش . وكان الربيع بن خُثيم يقول لمؤذنه في يوم غَيْم : أغسق أغسق . يقول : أخر المغرب حتى يَغسِق الليل ، وهو إظلامه . الثالثة : اختلف العلماء في آخر وقت المغرب فقيل : وقتها وقت واحد لا وقت لها إلا حين تحجب الشمس ، وذلك بيّنٌ في إمامة جبريل فإنه صلاها باليومين لوقت واحد وذلك غروب الشمس ، وهو الظاهر من مذهب مالك عند أصحابه . وهو أحد قولي الشافعيّ في المشهور عنه أيضاً ، وبه قال الثوري . وقال مالك في الموطأ : فإذا غاب الشفق فقد خرجْتَ من وقت المغرب ودخل وقت العشاء . وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والحسن ابن حيّ وإسحاق وأبو ثَور وداود لأن وقت الغروب إلى الشفق غسق كله . ولحديث أبي موسى ، وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالسائل المغرب في اليوم الثاني فأخّر حتى كان عند سقوط الشفق خرجه مسلم . قالوا : وهذا أولى من أخبار إمامة جبريل لأنه متأخر بالمدينة وإمامة جبريل بمكة ، والمتأخر أولى من فعله وأمره لأنه ناسخ لما قبله . وزعم ابن العربيّ أن هذا القول هو المشهور من مذهب مالك ، وقوله في موطَّئه الذي أقرأه طول عمره وأملاه في حياته . والنكتة في هذا أن الأحكام المتعلقة بالأسماء هل تتعلق بأوائلها أو بآخرها أو يرتبط الحكم بجميعها ؟ والأقوى في النظر أن يرتبط الحكم بأوائلها لئلا يكون ذكرها لغواً فإذا ارتبط بأوائلها جرى بعد ذلك النظر في تعلقه بالكلّ إلى الآخر . قلت : القول بالتّوسعة أرجح . وقد خرّج الإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي الزبير عن جابر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قريباً من غروب الشمس فلم يُصَلّ المغرب حتى أتى سَرِف ، وذلك تسعة أميال . وأما القول بالنسخ فليس بالبيّن وإن كان التاريخ معلوماً فإن الجمع ممكن . قال علماؤنا : تُحمل أحاديث جبريل على الأفضلية في وقت المغرب ، ولذلك اتفقت الأمة فيها على تعجيلها والمبادرة إليها في حين غروب الشمس . قال ابن خُوَيْزِ مَنْداد : ولا نعلم أحداً من المسلمين تأخّر بإقامة المغرب في مسجد جماعة عن وقت غروب الشمس . وأحاديث التّوسعة تبين وقت الجواز ، فيرتفع التعارض ويصح الجمع ، وهو أولى من الترجيح باتفاق الأصوليين لأن فيه إعمال كل واحد من الدليلين ، والقول بالنسخ أو الترجيح فيه إسقاط أحدهما . والله أعلم . الرابعة : قوله تعالى : { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } انتصب « قرآن » من وجهين : أحدهما أن يكون معطوفاً على الصلاة المعنى : وأقم قرآن الفجر أي صلاة الصبح قاله الفراء . وقال أهل البصرة . انتصب على الإغراء أي فعليك بقرآن الفجر قاله الزجاج . وعبّر عنها بالقرآن خاصة دون غيرها من الصلوات لأن القرآن هو أعظمها ، إذ قراءتها طويلة مجهور بها حسبما هو مشهور مسطور عن الزجاج أيضاً . قلت : وقد استقرّ عمل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرا لا يضر بمن خلفه يقرأ فيها بطوال المفصَّل ، ويليها في ذلك الظهر والجمعة وتخفيف القراءة في المغرب وتوسطها في العصر والعشاء . وقد قيل في العصر : إنها تخفّف كالمغرب . وأما ما ورد في صحيح مسلم وغيره من الإطالة فيما استقرّ فيه التقصير ، أو من التقصير فيما استقرّت فيه الإطالة كقراءته في الفجر المعوذتين كما رواه النَّسائي وكقراءة الأعراف والمرسلات والطور في المغرب ، فمتروك بالعمل . ولإنكاره على معاذ التطويل حين أمّ قومه في العشاء فافتتح سورة البقرة . خرّجه الصحيح . وبأمره الأئمة بالتخفيف فقال : " أيها الناس إن منكم منفّرين فأيكم أمّ الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والمريض والسقيم والضعيف وذا الحاجة " وقال : " فإذا صلى أحدكم وحده فليطوّل ما شاء " كله مسطور في صحيح الحديث . الخامسة : قوله تعالى : { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } دليل على أن لا صلاة إلا بقراءة لأنه سَمَّى الصلاة قرآناً . وقد اختلف العلماء في القراءة في الصلاة فذهب جمهورهم إلى وجوب قراءة أم القرآن للإمام والفَذّ في كل ركعة . وهو مشهور قول مالك . وعنه أيضاً أنها واجبة في جُلّ الصلاة . وهو قول إسحاق . وعنه أيضاً تجب في ركعة واحدة قاله المُغِيرة وسُحْنُون . وعنه أن القراءة لا تجب في شيء من الصلاة . وهو أشدّ الروايات عنه . وحُكي عن مالك أيضاً أنها تجب في نصف الصلاة ، وإليه ذهب الأوزاعيّ . وعن الأوزاعيّ أيضاً وأيوب أنها تجب على الإمام والفَذّ والمأموم على كل حال . وهو أحد قولي الشافعيّ . وقد مضى في الفاتحة مستوفًى . السادسة : قوله تعالى : { كَانَ مَشْهُوداً } روى الترمذيّ عن أبي هريرة " عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله : { وقرآنَ الفجرِ إن قرآن الفَجْرِ كان مشهوداً } قال : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار " هذا حديث حسن صحيح . ورواه عليّ بن مُسْهِر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وروى البخاريّ عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " فَضْلُ صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح " يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم « وقرآنَ الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا » . ولهذا المعنى يُبَكّر بهذه الصلاة ، فمن لم يبكر لم تشهد صلاته إلا إحدى الفئتين من الملائكة . ولهذا المعنى أيضاً قال مالك والشافعيّ : التغليس بالصبح أفضل . وقال أبو حنيفة : الأفضل الجمع بين التغليس والإسفار ، فإن فاته ذلك فالإسفار أوْلَى من التغليس . وهذا مخالف لما كان عليه السلام يفعله من المداومة على التغليس ، وأيضاً فإن فيه تفويتَ شهود ملائكة الليل . والله أعلم . السابعة : استدلّ بعض العلماء بقوله صلى الله عليه وسلم : " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار " على أن صلاة الصبح ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار . قلت : وعلى هذا فلا تكون صلاة العصر أيضاً لا من صلاة الليل ولا من صلاة النهار فإن في الصحيح عن النبيّ الفصيح عليه السلام فيما رواه أبو هريرة : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر " الحديث . ومعلوم أن صلاة العصر من النهار فكذلك تكون صلاة الفجر من الليل وليس كذلك ، وإنما هي من النهار كالعصر بدليل الصيام والأيمان ، وهذا واضح .