Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 28-28)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } هذا مثل قوله { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } في سورة « الأنعام » وقد مضى الكلام فيه . وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه : جاءت المؤلّفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : عيينة بن حِصْن والأقرع بن حابس فقالوا : يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيّت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذرّ وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك ، فأنزل الله تعالى : { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } حتى بلغ { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } . يتهددهم بالنار . فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال : " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات " { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } أي طاعته . وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن « ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغدوة والعشيّ » وحجتهم أنها في السواد بالواو . وقال أبو جعفر النحاس : وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ، ولا تكاد العرب تقول الغدوة لأنها معروفة . وروي عن الحسن « ولا تعدّ عينيك عنهم » أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلباً لزينتها حكاه اليزيدي . وقيل : لا تحتقرهم عيناك كما يقال فلان تنبو عنه العين أي مستحقراً . { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي تتزيّن بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك ولم يرد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك ، ولكنّ الله نهاه عن أن يفعله ، وليس هذا بأكثر من قوله : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] . وإن كان الله أعاذه من الشرك . و « تريد » فعل مضارع في موضع الحال أي لا تعد عيناك مريداً كقول امرىء القيس : @ فقلتُ له لا تبْكِ عَيْنُك إنما نحاول مُلْكا أو نموتَ فنُعْذَرَا @@ وزعم بعضهم أن حق الكلام : لا تعد عينيك عنهم لأن « تعد » متعدّ بنفسه . قيل له : والذي وردت به التلاوة من رفع العينين يؤول إلى معنى النصب فيهما ، إذ كان لا تعد عيناك عنهم بمنزلة لا تنصرف عيناك عنهم ، ومعنى لا تنصرف عيناك عنهم لا تصرف عينيك عنهم فالفعل مسند إلى العينين وهو في الحقيقة موجّه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ } [ التوبة : 55 ] فأسند الإعجاب إلى الأموال ، والمعنى : لا تعجبك يا محمد أموالهم . ويزيدك وضوحاً قول الزجاج : إن المعنى لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة . قوله تعالى : { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } قال : نزلت في أميّة بن خلف الجُمَحِيّ ، وذلك أنه دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من تجرّد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله تعالى : « ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا » يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد . { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } يعني الشرك . { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } قيل هو من التفريط الذي هو التقصير وتقديم العجز بترك الإيمان . وقيل : من الإفراط ومجاوزة الحدّ ، وكان القوم قالوا : نحن أشراف مُضَرَ إن أسلمنا أسلم الناس وكان هذا من التكبر والإفراط في القول . وقيل : « فُرُطاً » أي قدماً في الشر من قولهم : فَرَط منه أمر أي سبق . وقيل : معنى « أغفلنا قلبه » وجدناه غافلاً كما تقول : لقيت فلاناً فأحمدته أي وجدته محموداً . وقال عمرو بن معد يكرب لبني الحارث بن كعب : والله لقد سألناكم فما أبخلناكم وقاتلناكم فما أجبناكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم أي ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين . وقيل : نزلت { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } في عيينة بن حصن الفزاري ذكره عبد الرزاق ، وحكاه النحاس عن سفيان الثوري . والله أعلم .