Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 51-53)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } قيل : الضمير عائد على إبليس وذريته أي لم أشاورهم في خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ، بل خلقتهم على ما أردت . وقيل : ما أشهدت إبليس وذريته خلق السموات والأرض « ولا خلق أنفسهم » أي أنفس المشركين فكيف اتخذوهم أولياء من دوني ؟ . وقيل : الكناية في قوله : « مَا أَشْهَدْتُهُمْ » ترجع إلى المشركين ، وإلى الناس بالجملة ، فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجّمين وأهل الطبائع والمتحكمين من الأطباء وسواهم من كل من يتخوّض في هذه الأشياء . وقال ابن عطية : وسمعت أبي رضي الله عنه يقول : سمعت الفقيه أبا عبد الله محمد بن معاذ المهدويّ بالمهدية يقول : سمعت عبد الحق الصقليّ يقول هذا القول ، ويتأوّل هذا التأويل في هذه الآية ، وأنها رادة على هذه الطوائف ، وذكر هذا بعض الأصوليين . قال ابن عطية وأقول : إن الغرض المقصود أولاً بالآية هم إبليس وذريته وبهذا الوجه يتجه الرد على الطوائف المذكورة ، وعلى الكهان والعرب والمعظمين للجن حين يقولون : أعوذ بعزيز هذا الوادي إذ الجميع من هذه الفرق متعلقون بإبليس وذريته وهم أضلوا الجميع ، فهم المراد الأوّل بالمضلّين وتندرج هذه الطوائف في معناهم . قال الثعلبي : وقال بعض أهل العلم « مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ » ردّ على المنجّمين أن قالوا : إنّ الأفلاك تُحدث في الأرض وفي بعضها في بعض ، وقوله : « والأرضِ » ردّ على أصحاب الهندسة حيث قالوا : إن الأرض كريّة والأفلاك تجري تحتها ، والناس ملصَقون عليها وتحتها ، وقوله : « ولا خلق أنفسهم » ردّ على الطبائعيين حيث زعموا أن الطبائع هي الفاعلة في النفوس . وقرأ أبو جعفر « ما أشهدناهم » بالنون والألف على التعظيم . الباقون بالتاء بدليل قوله : « وما كنت متخذ » يعني ما استعنتهم على خلق السموات والأرض ولا شاورتهم . { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ } يعني الشياطين . وقيل : الكفار . { عَضُداً } أي أعواناً . يقال : اعتضدتُ بفلان إذا استعنتَ به وتقويتَ . والأصل فيه عضد اليد ، ثم يوضع موضع العون لأن اليد قوامها العضد . يقال : عَضَده وعَاضَدَه على كذا إذا أعانه وأعزّه . ومنه قوله : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } [ القصص : 35 ] أي سنعينك بأخيك . ولفظ العضد على جهة المثَل ، والله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى عون أحد . وخصّ المضلّين بالذكر لزيادة الذم والتوبيخ . وقرأ أبو جعفر الجَحْدَريّ « وَمَا كُنْتَ » بفتح التاء أي وما كنت يا محمد متخذ المضلّين عضدا . وفي عضد ثمانية أوجه : « عَضُداً » بفتح العين وضم الضاد وهي قراءة الجمهور ، وهي أفصحها . و « عَضْداً » بفتح العين وإسكان الضاد ، وهي لغة بني تميم . و « عُضُداً » بضم العين والضاد ، وهي قراءة أبي عمرو والحسن . و « عُضْداً » بضم العين وإسكان الضاد ، وهي قراءة عكرمة . و « عِضَداً » بكسر العين وفتح الضاد ، وهي قراءة الضحاك . و « عَضَداً » بفتح العين والضاد وهي قراءة عيسى بن عمر . وحكى هارون القارىء « عَضِداً » . واللغة الثامنة « عِضْدا » على لغة من قال : كِتْف وفِخْذ . قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أي اذكروا يوم يقول الله : أين شركائي ؟ أي ادعوا الذين اشركتموهم بي فليمنعوكم من عذابي . وإنما يقول ذلك لعبدة الأوثان . وقرأ حمزة ويحيـى وعيسى بن عمر « نقول » بنون . الباقون بالياء لقوله : « شركائي » ولم يقل : شركائنا . { فَدَعَوْهُمْ } أي افعلوا ذلك . { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } أي لم يجيبوهم إلى نصرهم ، ولم يكفّوا عنهم شيئاً . { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } قال أنس بن مالك : هو وادٍ في جهنم من قيح ودم . وقال ابن عباس : أي وجعلنا بين المؤمنين والكافرين حاجزاً . وقيل : بين الأوثان وعبدتها ، نحو قوله : { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [ يونس : 28 ] قال ابن الأعرابي : كل شيء حاجز بين شيئين فهو مَوْبق . وذكر ابن وهب عن مجاهد في قوله تعالى : « مَوْبِقا » قال وادٍ في جهنم يقال له مَوْبق . وكذلك قال نَوْف البِكَاليّ إلا أنه قال : يحجز بينهم وبين المؤمنين . عِكرمة : هو نهر في جهنم يسيل ناراً ، على حافتيه حيات مثل البغال الدّهم ، فإذا ثارت إليهم لتأخذهم استغاثوا منها بالاقتحام في النار . وروى زيد بن درهم عن أنس بن مالك قال : « مَوْبقا » وادٍ من قيح ودم في جهنم . وقال عطاء والضحاك : مَهْلِكا في جهنم ومنه يقال : أوبقته ذنوبه إِيباقا . وقال أبو عبيدة : موعداً للهلاك . الجوهري : وَبَق يبِق وبوقا هَلَك ، والمَوْبِق مثل الموعد مَفعِل من وعد يعِد ، ومنه قوله تعالى : « وجعلنا بينهم موبقا » . وفيه لغة أخرى : وَبِق يَوْبَق وَبَقاً . وفيه لغة ثالثة : وَبِق يَبِق بالكسر فيهما ، وأوبقه أي أهلكه . وقال زهير : @ ومن يشتري حُسنَ الثَّناءِ بمالِهِ يَصُنْ عِرضَه من كلّ شَنْعاء مُوبِقُ @@ قال الفرّاء : جعل تواصلهم في الدنيا مَهلِكا لهم في الآخرة . قوله تعالى : { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ } « رأى » أصله رَأَيَ قلبت الياء ألفاً لانفتاحها وانفتاح ما قبلها ولهذا زعم الكوفيون أن « رأى » يكتب بالياء ، وتابعهم على هذا القول بعض البصريين . فأما البصريون الحذّاق ، منهم محمد بن يزيد فإنهم يكتبونه بالألف . قال النحاس : سمعت عليّ بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : لا يجوز أن يكتب مضى ورمى وكل ما كان من ذوات الياء إلا بالألف ، ولا فرق بين ذوات الياء وبين ذوات الواو في الخط ، كما أنه لا فرق بينهما في اللفظ ، ولو وجب أن يكتب ذوات الياء بالياء لوجب أن يكتب ذوات الواو بالواو ، وهم مع هذا يناقضون فيكتبون رمى بالياء ورماه بالألف ، فإن كانت العلة أنه من ذوات الياء وجب أن يكتبوا رماه بالياء ، ثم يكتبون ضُحاً جمع ضَحْوة ، وكُساً جمع كِسوة ، وهما من ذوات الواو بالياء ، وهذا ما لا يحصل ولا يثبت على أصل . { فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } « فظنّوا » هنا بمعنى اليقين والعلم ، كما قال : @ فَقلْتُ لهمْ ظُـنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج @@ أي أيقنوا وقد تقدّم . قال ابن عباس : أيقنوا أنهم مواقعوها . وقيل : رأوها من مكان بعيد فتوهموا أنهم مواقعوها ، وظنوا أنها تأخذهم في الحال . وفي الخبر : « إن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة » . والمواقعة ملابسة الشيء بشدّة . وعن علقمة أنه قرأ « فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُلاَفُّوها » أي مجتمعون فيها ، واللَّفَف الجمع . { وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا } أي مَهْرَباً لإحاطتها بهم من كل جانب . وقال القتبي : مَعْدِلا ينصرفون إليه . وقيل : ملجأ يلجأون إليه والمعنى واحد . وقيل : ولم تجد الأصنام مصرِفاً للنار عن المشركين .