Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 7-7)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } « ما » و « زينةً » مفعولان . والزينة كل ما على وجه الأرض فهو عموم لأنه دال على بارئه . وقال ابن جبير عن ابن عباس : أراد بالزينة الرجال قال مجاهد . وروى عكرمة عن ابن عباس أن الزينة الخلفاء والأمراء . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى : « إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها » قال : العلماء زينة الأرض . وقالت فرقة : أراد النّعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ، ونحو هذا مما فيه زينة ولم يدخل فيه الجبال الصم وكل ما لا زينة فيه كالحيات والعقارب . والقول بالعموم أولى ، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه . والآية بسط في التسلية أي لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما جعلنا ذلك امتحاناً واختباراً لأهلها فمنهم من يتدبّر ويؤمن ، ومنهم من يكفر ، ثم يوم القيامة بين أيديهم فلا يعظُمنّ عليك كفرهم فإنا نجازيهم . الثانية : معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون " وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قال : وما زهرة الدنيا ؟ قال : « بركات الأرض » " خرجهما مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدريّ . والمعنى : أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى فابتلى الله بها عباده لينظر أيّهم أحسن عملاً . أي من أزهد فيها وأترك لها ولا سبيل للعباد إلى بغضة ما زيّنه الله إلا أن يعينه على ذلك . ولهذا كان عمر يقول فيما ذكر البخاري : اللهمّ إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زيّنته لنا ، اللّهمَّ إني أسألك أن أنفقه في حقه . فدعا الله أن يعينه على إنفاقه في حقه . وهذا معنى قوله عليه السلام : " فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع " وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همّته جمعها وذلك لعدم الفهم عن الله تعالى ورسوله فإن الفتنة معها حاصلةٌ وعدم السلامة غالبة ، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه . وقال ابن عطية : كان أبي رضي الله عنه يقول في قوله : « أحسن عملاً » أحسن العمل أخذٌ بحقّ وإنفاقٌ في حق مع الإيمان ، وأداء الفرائض واجتنابُ المحارم والإكثارُ من المندوب إليه . قلت : هذا قول حسن ، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ، وقد جمعه النبيّ صلى الله عليه وسلم في لفظ واحد وهو " قوله لسفيان بن عبد الله الثَّقَفيّ لما قال : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك في رواية : غيرك . قال : قل آمنت بالله ثم استقم " خرّجه مسلم . وقال سفيان الثّوريّ : « أحسن عملاً » أزهدهم فيها . وكذلك قال أبو عصام العسقلاني : « أحسن عملاً » أترك لها . وقد اختلفت عبارات العلماء في الزهد فقال قوم : قصرُ الأمل وليس بأكل الخشن ولبس العباء قاله سفيان الثّوريّ . قال علماؤنا : وصدق رضي الله عنهٰ فإن من قَصُر أملهُ لم يتأنّق في المطعومات ولا يتفنّن في الملبوسات ، وأخذ من الدنيا ما تيسّر ، واجتزأ منها بما يبلِّغ . وقال قوم : بغضُ المحمدة وحبِّ الثناء . وهو قول الأوزاعيّ ومن ذهب إليه . وقال قوم : ترك الدنيا كلها هو الزهد أحَبَّ تركها أم كره . وهو قول فضيل . وعن بشر بن الحارث قال : حبُّ الدنيا حبُّ لقاء الناس ، والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس . وعن الفضيل أيضاً : علامة الزهد في الدنيا الزهد في الناس . وقال قوم : لا يكون الزاهد زاهداً حتى يكون ترك الدنيا أحبَّ إليه من أخذها قاله إبراهيم بن أدهم . وقال قوم : الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك قاله ابن المبارك . وقالت فرقة : الزهد حبّ الموت . والقول الأول يعم هذه الأقوال بالمعنى فهو أولى .