Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كۤهيعۤصۤ } تقدّم الكلام في أوائل السور . وقال ابن عباس في { كۤهيعۤصۤ } : إن الكاف من كافٍ ، والهاء من هادٍ ، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق ذكره ابن عزيز القشيري عن ابن عباس معناه كافٍ لخلقه ، هادٍ لعباده ، يده فوق أيديهم ، عالم بهم ، صادق في وعده ذكره الثعلبي عن الكلبي والسدي ومجاهد والضحاك . وقال الكلبي أيضاً : الكاف من كريم وكبير وكافٍ ، والهاء من هادٍ ، والياء من رحيم ، والعين من عليم وعظيم ، والصاد من صادق والمعنى واحد . وعن ابن عباس أيضاً : هو اسم من أسماء الله تعالى وعن عليّ رضي الله عنه هو اسم الله عز وجل وكان يقول : يا كهيعص اغفر لي ذكره الغزنوي . السدي : هو اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب . قتادة : هو اسم من أسماء القرآن ذكره عبد الرزاق عن مَعْمَر عنه . وقيل : هو اسم للسورة وهو اختيار القشيري في أوائل الحروف وعلى هذا قيل : تمام الكلام عند قوله : « كهيعص » كأنه إعلام باسم السورة ، كما تقول : كتاب كذا أو باب كذا ثم تشرع في المقصود . وقرأ ابن جعفر هذه الحروف متقطعة ، ووصلها الباقون ، وأمال أبو عمرو الهاء وفتح الياء ، وابن عامر وحمزة بالعكس ، وأمالها جميعاً الكسائي وأبو بكر وخلف . وقرأهما بين اللفظين أهل المدينة نافع وغيره . وفتحهما الباقون . وعن خارجة أن الحسن كان يضم كاف ، وحكى غيره أنه كان يضم ها ، وحكى إسماعيل بن إسحاق أنه كان يضم يا . قال أبو حاتم : ولا يجوز ضم الكاف ولا الهاء ولا الياء قال النحاس : قراءة أهل المدينة من أحسن ما في هذا ، والإمالة جائزة في هَا ويَا . وأما قراءة الحسن فأشكلت على جماعة حتى قالوا : لا تجوز منهم أبو حاتم . والقول فيها ما بيَّنه هارون القارىء قال : كان الحسن يشم الرفع فمعنى هذا أنه كان يومىء كما حكى سيبويه أن من العرب من يقول : الصلاة والزكاة يومىء إلى الواو ، ولهذا كتبتا في المصحف بالواو . وأظهر الدال من هجاء « صۤ » نافع وابن كثير وعاصم ويعقوب ، وهو اختيار أبي عبيد وأدغمها الباقون . قوله تعالى : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ * إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } . فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } في رفع « ذكر » ثلاثة أقوال قال الفراء : هو مرفوع بـ « ـكهيعص » قال الزجاج : هذا محال لأن « كهيعص » ليس هو مما أنبأنا الله عز وجل به عن زكريا ، وقد خبّر الله تعالى عنه وعن ما بشّر به ، وليس « كهيعص » من قصته . وقال الأخفش : التقدير فيما يقص عليكم ذكر رحمة ربك . والقول الثالث : أن المعنى هذا الذي يتلوه عليكم ذكر رحمة ربك . وقيل : « ذكر رحمة ربك » رفع بإضمار مبتدأ أي هذا ذكر رحمة ربك وقرأ الحسن : « ذَكَّرَ رَحْمَةَ رَبِّك » أي هذا المتلو من القرآن ذَكَّر رحمة ربك . وقرىء « ذَكِّرْ » على الأمر . « ورحمة » تكتب ويوقف عليها بالهاء ، وكذلك كل ما كان مثلها ، لا اختلاف فيها بين النحويين ، واعتلوا في ذلك أن هذه الهاء لتأنيث الأسماء فرقاً بينها وبين الأفعال . الثانية : قوله تعالى : { عَبْدَهُ } قال الأخفش : هو منصوب بـ « ـرحمة » . « زكريا » بدل منه كما تقول : هذا ذكر ضرب زيد عمراً فعمراً منصوب بالضرب ، كما أن « عبده » منصوب بالرحمة . وقيل : هو على التقديم والتأخير معناه : ذِكر ربك عبده زكريا برحمة فـ « ـعبده » منصوب بالذكر ذكره الزجاج والفراء . وقرأ بعضهم « عَبْدُهُ زكرِيا » بالرفع وهي قراءة أبي العالية . وقرأ يحيـى بن يعمر « ذَكَرَ » بالنصب على معنى هذا القرآن ذَكرَ رحمة عبده زكريا . وتقدمت اللغات والقراءة في « زكريا » في « آل عمران » . الثالثة : قوله تعالى : { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } مثل قوله : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [ الأعراف : 55 ] وقد تقدّم . والنداء الدعاء والرغبة أي ناجى ربه بذلك في محرابه . دليله قوله : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ } [ آل عمران : 93 ] فبيّن أنه استجاب له في صلاته ، كما نادى في الصلاة . واختلف في إخفائه هذا النداء فقيل : أخفاه من قومه لئلا يلام على مسألة الولد عند كبر السن ولأنه أمر دنيوي ، فإن أجيب فيه نال بغيته ، وإن لم يجب لم يعرف بذلك أحد . وقيل : مخلصاً فيه لم يطلع عليه إلا الله تعالى . وقيل : لما كانت الأعمال الخفية أفضل وأبعد من الرياء أخفاه . وقيل : « خَفِيًّا » سِرًّا من قومه في جوف الليل والكل محتمل والأوّل أظهر والله أعلم . وقد تقدّم أن المستحب من الدعاء الإخفاء في سورة « الأعراف » وهذه الآية نص في ذلك لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا . وروى إسماعيل قال : حدّثنا مسدد قال : حدّثنا يحيـى بن سعيد عن أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن وهو ابن أبي كبشة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن خير الذكر الخفيّ وخير الرزق ما يكفي " وهذا عام . قال يونس بن عبيد : كان الحسن يرى أن يدعو الإمام في القنوت ويؤمن من خلفه من غير رفع صوت ، وتلا يونس { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } . قال ابن العربي : وقد أسر مالك القنوت وجهر به الشافعي ، والجهر به أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به جهراً . قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ } قرىء « وَهَنَ » بالحركات الثلاث أي ضعف . يقال : وهَنَ يَهِن وَهْنا إذا ضعف فهو واهنٌ . وقال أبو زيد يقال : وَهَن يَهِن ووَهِن يَوْهَن . وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن ، وبه قوامه ، وهو أصل بنائه ، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ولأنه أشدّ ما فيه وأصلبه ، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن منه . ووحّده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية ، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام ، وأشدّ ما تركّب منه الجسد قد أصابه الوهن ، ولو جمع لكان قصد إلى معنى آخر ، وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها . الثانية : قوله تعالى : { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } أدغم السين في الشين أبو عمرو . وهذا من أحسن الاستعارة في كلام العرب . والاشتعال انتشار شعاع النار شبه به انتشار الشيب في الرأس يقول : شخت وضعفت وأضاف الاشتعال إلى مكان الشعر ومَنْبِته وهو الرأس . ولم يُضِف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا عليه السلام . « وشيباً » في نصبه وجهان : أحدهما : أنه مصدر لأن معنى اشتعل شاب وهذا قول الأخفش . وقال الزجاج : وهو منصوب على التمييز . النحاس : قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل فالمصدر أولى به . والشيب مخالطة الشعر الأبيض الأسود . الثالثة : قال العلماء : يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نِعَم الله تعالى عليه وما يليق بالخضوع لأن قوله تعالى : { وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } إظهار للخضوع . وقوله : { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته أي لم أكن بدعائي إياك شقياً أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك أي إنك عودتني الإجابة فيما مضى . يقال : شقي بكذا أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده . وعن بعضهم أن محتاجاً سأله وقال : أنا الذي أحسنتَ إليه في وقت كذا فقال : مرحباً بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته . قوله تعالى : { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } فيه سبع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ } قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين ويحيـى بن يعمر رضي الله تعالى عنهم « خَفَّتِ » بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وسكون الياء من « الموالي » لأنه في موضع رفع « بخفت » ومعناه انقطعت أي بالموت . وقرأ الباقون « خِفْتُ » بكسر الخاء وسكون الفاء وضم التاء ونصب الياء من « الْمَوَالِيَ » لأنه في موضع نصب بـ « ـخفت » . و « الموالي » هنا الأقارب وبنو العم والعصبة الذين يلونه في النسب . والعرب تسمي بني العم الموالي قال الشاعر : @ مَهْلاً بَنِي عمِّنَا مَهْلاً مَوَالِينَا لا تَنْبُشُوا بَيْنَنَا ما كان مَدْفُونَا @@ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق أن يرثه غير الولد . وقالت طائفة : إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين ، فطلب ولياً يقوم بالدين بعده حكى هذا القول الزجاج وعليه فلم يسل من يرث ماله لأن الأنبياء لا تُورَث . وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية ، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة " وفي كتاب أبي داود : " إن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً ورَّثُوا العلم " وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله : " يرثني " . الثانية : هذا الحديث يدخل في التفسير المسند لقوله تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } [ النمل : 16 ] وعبارة عن قول زكريا : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } وتخصيص للعموم في ذلك ، وأن سليمان لم يرث من داود مالاً خلّفه داود بعده وإنما ورث منه الحكمة والعلم ، وكذلك ورث يحيـى من آل يعقوب هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض ، وإلا ما روي عن الحسن أنه قال : " يرثني " مالاً " ويرث من آل يعقوب " النبوّة والحكمة وكل قول يخالف قول النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور قاله أبو عمر . قال ابن عطية : والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا معشر الأنبياء لا نورث " ألا يريد به العموم ، بل على أنه غالب أمرهم فتأمله . والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين ، فتكون الوراثة مستعارة . ألا ترى أنه لما طلب ولياً ولم يخصص ولداً بلّغه الله تعالى أمله على أكمل الوجوه . وقال أبو صالح وغيره : قوله « من آل يعقوب » يريد العلم والنبوة . الثالثة : قوله تعالى : { مِن وَرَآئِي } قرأ ابن كثير بالمدّ والهمز وفتح الياء . وعنه أنه قرأ أيضاً مقصوراً مفتوح الياء مثل عصايَ . الباقون بالهمز والمدّ وسكون الياء . والقراء على قراءة « خِفت » مثل نِمت إلا ما ذكرنا عن عثمان . وهي قراءة شاذة بعيدة جداً حتى زعم بعض العلماء أنها لا تجوز . قال كيف يقول : خَفَّتِ الموالي مِن بعدِي أي من بعد موتي وهو حيّ ؟ ! . النحاس : والتأويل لها ألا يعني بقوله : « مِنْ وَرَائِي » أي من بعد موتي ، ولكن من ورائي في ذلك الوقت وهذا أيضاً بعيد يحتاج إلى دليل أنهم خفّوا في ذلك الوقت وقلّوا ، وقد أخبر الله تعالى بما يدل على الكثرة حين قالوا : « أيهم يكفل مريم » . ابن عطية : « من ورائي » من بعدي في الزمن ، فهو الوراء على ما تقدّم في « الكهف . » الرابعة : قوله تعالى : { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً } امرأته هي إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل ، وهي أخت حنة بنت فاقوذا قاله الطبريّ . وحنة هي أم مريم حسب ما تقدم في « آل عمران » بيانه . وقال القتبي : امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران ، فعلى هذا القول يكون يحيـى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة . وعلى القول الآخر يكون ابن خالة أمه . وفي حديث الإسراء قال عليه الصلاة والسلام : " فلقيت ابني الخالة يحيـى وعيسى " شاهدا للقول الأوّل . والله أعلم . والعاقر التي لا تلد لكبر سنها وقد مضى بيانه في « آل عمران » . والعاقر من النساء أيضاً التي لا تلد من غير كبر . ومنه قوله تعالى : { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } [ الشورى : 50 ] . وكذلك العاقر من الرجال ومنه قول عامر بن الطفيل : @ لبئس الفتى إنْ كنتُ أعورَ عاقراً جبانا فما عُذْرِي لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ @@ الخامسة : قوله تعالى : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } سؤال ودعاء . ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة . قال قتادة : جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة . مقاتل : خمس وتسعين سنة وهو أشبه فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره ولذلك قال : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } . وقالت طائفة : بل طلب الولد ، ثم طلب أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه ، تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد ولكن يُخْتَرم ، ولا يتحصل منه الغرض . السادسة : قال العلماء : دعاء زكريا عليه السلام في الولد إنما كان لإظهار دينه ، وإحياء نبوّته ، ومضاعفة لأجره لا للدنيا ، وكان ربه قد عوّده الإجابة ، ولذلك قال : { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } ، أي بدعائي إياك . وهذه وسيلة حسنة أن يتَشفَّع إليه بنعمه ، ويستدر فضله بفضله يروى أن حاتم الجود لقيه رجل فسأله فقال له حاتم : من أنت ؟ قال : أنا الذي أحسنتَ إليه عام أول فقال : مرحباً بمن تَشفَّع إلينا بنا . فإن قيل : كيف أقدم زكريا على مسألة ما يخرق العادة دون إذن ؟ فالجواب أن ذلك جائز في زمان الأنبياء . وفي القرآن ما يكشف عن هذا المعنى فإنه تعالى قال : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنًّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 37 ] فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته فقال تعالى : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمران : 38 ] الآية . السابعة : إن قال قائل : هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد ، والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد ، ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك فقال : { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [ التغابن : 15 ] . { إِنَّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحذَرُوهُمْ } [ التغابن : 14 ] . فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدّم في « آل عمران » بيانه . ثم إن زكريا عليه السلام تحرز فقال : { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } وقال : { وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } . والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة ، وخرج من حدّ العداوة والفتنة إلى حدّ المسرة والنعمة . وقد " دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس خادمه فقال : « اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته » " فدعا له بالبركة تحرزاً مما يؤدّي إليه الإكثار من الهلكة . وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده ، ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء الأولياء وقد تقدم في « آل عمران » بيانه .