Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 41-50)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } المعنى : واذكر في الكتاب الذي أنزل عليك وهو القرآن قصة إبراهيم وخبره . وقد تقدّم معنى الصدّيق في « النساء » واشتقاق الصدق في « البقرة » فلا معنى للإعادة . ومعنى الآية : اقرأ عليهم يا محمد في القرآن أمر إبراهيم فقد عرفوا أنهم من ولده ، فإنه كان حنيفاً مسلماً وما كان يتخذ الأنداد ، فهؤلاء لم يتخذون الأنداد ؟ ! وهو كما قال : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } [ البقرة : 130 ] . قوله تعالى : { إِذْ قَالَ لاَّبِيهِ } وهو آزر وقد تقدّم . { يٰأَبَتِ } قد تقدّم القول فيه في « يوسف » { لِمَ تَعْبُدُ } أي لأي شيء تعبد : { مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } يريد الأصنام . { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } أي من اليقين والمعرفة بالله وما يكون بعد الموت ، وأن من عبد غير الله عذب { فَٱتَّبِعْنِيۤ } إلى ما أدعوك إليه . { أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } أي أرشدك إلى دين مستقيم فيه النجاة . { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } أي لا تطعه فيما يأمرك به من الكفر ، ومن أطاع شيئاً في معصية فقد عبده . { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } « كان » صلة زائدة . وقيل : كان بمعنى صار . وقيل : بمعنى الحال أي هو للرحمن . وعصيا وعاصٍ بمعنى واحد قاله الكسائي . { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي إن متَّ على ما أنت عليه . ويكون « أَخَافُ » بمعنى أعلم . ويجوز أن يكون « أَخَافُ » على بابها فيكون المعنى : إني أخاف أن تموت على كفرك فيمسك العذاب . { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } أي قريناً في النار . { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ } أي أترغب عنها إلى غيرها . { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } قال الحسن : يعني بالحجارة . الضحاك : بالقول أي لأشتمنك . ابن عباس : لأضربنك . وقيل : لأظهرن أمرك . { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } . قال ابن عباس : أي اعتزلني سالم العرض لا يصيبنَّك مني معرّة واختاره الطبري ، فقوله : « ملياً » على هذا حال من إبراهيم . وقال الحسن ومجاهد : « ملياً » دهراً طويلاً ومنه قول المهلهل : @ فَتَصدَّعَتْ صُمُّ الجبالِ لموته وبَكَت عليه المُرْمِلاَتُ مليًّا @@ قال الكسائي : يقال هجرته مليًّا ومَلْوة ومُلْوة ومَلاَوة ومُلاَوة ، فهو على هذا القول ظرف ، وهو بمعنى الملاوة من الزمان ، وهو الطويل منه . قوله تعالى : { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ } لم يعارضه إبراهيم عليه السلام بسوء الرد لأنه لم يؤمر بقتاله على كفره . والجمهور على أن المراد بسلامه المسالمة التي هي المتاركة لا التحية قال الطبري : معناه أمنة مني لك . وعلى هذا لا يبدأ الكافر بالسلام . وقال النقاش : حليم خاطب سفيهاً كما قال : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] . وقال بعضهم في معنى تسليمه : هو تحية مفارق وجوز تحية الكافر وأن يبدأ بها . قيل لابن عيينة : هل يجوز السلام على الكافر ؟ قال : نعم قال الله تعالى : { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ الممتحنة : 8 ] . وقال : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } [ الممتحنة : 4 ] الآية وقال إبراهيم لأبيه : « سلام عليك » . قلت : الأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة وفي الباب حديثان صحيحان : روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه " خرجه البخاري ومسلم . وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد : " أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حماراً عليه إكاف تحته قطيفة فَدَكيّة ، وأردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج ، وذلك قبل وقعة بدر ، حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ، وفيهم عبد الله بن أبيّ بن سلول ، وفي المجلس عبد الله بن رَوَاحة ، فلما غشيت المجلسَ عجاجةُ الدابة ، خمر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه ، ثم قال : لا تُغبِّروا علينا ، فسلّم عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم " الحديث . فالأول يفيد ترك السلام عليهم ابتداء ، لأن ذلك إكرام ، والكافر ليس أهله . والحديث الثاني يجوز ذلك . قال الطبري : ولا يعارَض ما رواه أسامة بحديث أبي هريرة ، فإنه ليس في أحدهما خلاف للآخر وذلك أن حديث أبي هريرة مخرجه العموم ، وخبر أسامة يبين أن معناه الخصوص . وقال النَّخَعي : إذا كانت لك حاجة عند يهودي أو نصراني فابدأه بالسلام فبان بهذا أن حديث أبي هريرة " لا تبدؤوهم بالسلام " إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدؤوهم بالسلام ، من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قِبلهم ، أو حقّ صحبة أو جوار أو سفر . قال الطبري : وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب . وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه قال علْقَمة : فقلت له يا أبا عبد الرحمن أليس يكره أن يبدؤوا بالسلام ؟ ! قال : نعم ولكن حقّ الصحبة . وكان أبو أسامة إذا انصرف إلى بيته لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له في ذلك فقال : أمرنا أن نفشي السلام . وسئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلم عليه ، فقال : إن سلمت فقد سلم الصالحون قبلك ، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك . وروي عن الحسن البصري أنه قال : إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار فسلم عليهم . قلت : وقد احتج أهل المقالة الأولى بأن السلام الذي معناه التحية إنما خص به هذه الأمة لحديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى أعطى أمتي ثلاثاً لم تعط أحداً قبلهم السلام وهي تحية أهل الجنة " الحديث ذكره الترمذي الحكيم وقد مضى في الفاتحة بسنده . وقد مضى الكلام في معنى قوله : « سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي » . وارتفع السلام بالابتداء ، وجاز ذلك مع نكرته لأنه نكرة مخصصة فقرنت المعرفة . قوله تعالى : { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } : الحفي المبالغ في البرّ والإلطاف يقال : حَفِي به وتَحفَّى إذا بَرَّه . وقال الكسائي يقال : حَفِي بي حِفَاوة وحِفْوة . وقال الفراء : { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } أي عالماً لطيفاً يجيبني إذا دعوته . قوله تعالى : { وَأَعْتَزِلُكُمْ } : العزلة المفارقة وقد تقدّم في « الكهف » بيانها . وقوله : { عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } قيل : أراد بهذا الدعاء أن يهب الله تعالى له أهلاً وولداً يتقوى بهم حتى لا يستوحش بالاعتزال عن قومه . ولهذا قال : { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } أي آنسنا وحشته بولد عن ابن عباس وغيره . وقيل : « عسى » يدل على أن العبد لا يقطع بأنه يبقى على المعرفة أم لا في المستقبل . وقيل : دعا لأبيه بالهداية . فـ « ـعسى » شك لأنه كان لا يدري هل يستجاب له فيه أم لا ؟ والأول أظهر . وقوله : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } أي أثنينا عليهم ثناء حسناً لأن جميع الملل تحسن الثناء عليهم . واللسان يذكر ويؤنث وقد تقدّم .