Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 128-128)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } أي صيّرنا ، و « مسلمين » مفعول ثان سألا التثبيت والدوام . والإسلام في هذا الموضع : الإيمان والأعمال جميعاً ومنه قوله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [ آل عمران : 19 ] ففي هذا دليل لمن قال : إن الإيمان والإسلام شيء واحد وعَضَدُوا هذا بقوله تعالى في الآية الأخرى : { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الذاريات : 35 - 36 ] . وقرأ ٱبن عباس وعَوْف الأعرابي « مسلِمِين » على الجمع . قوله تعالى : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } أي ومن ذريّتنا فٱجعل فيقال : إنه لم يدع نبيّ إلا لنفسه ولأمته إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته ولهذه الأمة . و « مِن » في قوله : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ } للتبعيض لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين . وحكى الطبري : أنه أراد بقوله : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ } العرب خاصة . قال السهيلي : وذريتهما العرب لأنهم بنو نَبِت بن إسماعيل ، أو بنو تيمن بن إسماعيل . ويقال : قَيْدَر بن نبت بن إسماعيل . أما العدنانية فمن نبت ، وأما القَحْطانية فمن قيدر بن نبت بن إسماعيل ، أو تيمن على أحد القولين . قال ٱبن عطية : وهذا ضعيف لأن دعوته ظهرت في العرب وفيمن آمن من غيرهم . والأمّة : الجماعة هنا ، وتكون واحداً إذا كان يُقْتدى به في الخير ومنه قوله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ } [ النحل : 120 ] ، " وقال صلى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نُفَيل : « يُبعث أمّةً وحده » " لأنه لم يشرك في دينه غيره ، والله أعلم . وقد يطلق لفظ الأمّة على غير هذا المعنى ومنه قوله تعالى : { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [ الزخرف : 22 ] أي على دين ومِلة ومنه قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ الأنبياء : 92 ] . وقد تكون بمعنى الحين والزمان ومنه قوله تعالى : { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [ يوسف : 45 ] أي بعد حين وزمان . ويقال : هذه أُمّة زيد أي أُمّ زيد . والأمّة أيضاً : القامة يقال : فلان حسن الأمّة أي حسن القامة قال : @ وإنّ معاويةَ الأكْرَمِيـ ـن حسانُ الوجوه طِوالُ الأُمَمْ @@ وقيل : الأمّة الشجة التي تبلغ أمّ الدماغ يقال : رجل مأموم وأمِيم . قوله تعالى : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } « أرِنَا » من رؤية البصر ، فتتعدّى إلى مفعولين ، وقيل : من رؤية القلب ويلزم قائله أن يتعدّى الفعل منه إلى ثلاثة مفاعيل . قال ٱبن عطية : وينفصل بأنه يوجد معدّى بالهمزة من رؤية القلب إلى مفعولين كغير المعدّى ، قال حُطائط ٱبن يعفُر أخو الأسود بن يَعْفُر : @ أرِيني جواداً مات هزْلاً لأَننِي أَرى ما تَرَيْنَ أو بخيلاً مُخَلَّداً @@ وقرأ عمر بن عبد العزيز وقتادة وٱبن كثير وٱبن مُحَيْصِن والسُّدّي ورَوْح عن يعقوب ورُوَيْس والسُّوسي « أرْنَا » بسكون الراء في القرآن وٱختاره أبو حاتم . وقرأ أبو عمرو بٱختلاس كسرة الراء ، والباقون بكسرها وٱختاره أبو عبيد . وأصله أَرْئِنَا بالهمز فمن قرأ بالسكون قال : ذهبت الهمزة وذهبت حركتها وبقيت الراء ساكنة على حالها وٱستدلّ بقول الشاعر : @ أَرْنا إداوة عبد اللَّه نملؤها من ماء زمزم إن القوم قد ظَمِئوا @@ ومن كسر فإنه نقل حركة الهمزة المحذوفة إلى الراء وأبو عمرو طلب الخفّة . وعن شُجاع بن أبي نصر وكان أميناً صادقاً أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فذاكره أشياء من حروف أبي عمرو فلم يرد عليه إلا حرفين : هذا ، والآخر { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } [ البقرة : 106 ] مهموزاً . قوله تعالى : { مَنَاسِكَنَا } يقال : إن أصل النُّسك في اللغة الغسل يقال منه : نسك ثوبه إذا غسله . وهو في الشرع ٱسم للعبادة يقال : رجل ناسك إذا كان عابداً . وٱختلف العلماء في المراد بالمناسك هنا فقيل : مناسك الحج ومعالمه قاله قتادة والسُّدي . وقال مجاهد وعطاء وٱبن جُريج : المناسك المذابح أي مواضع الذبح . وقيل : جميع المتعبَّدات . وكل ما يُتعبَّد به إلى الله تعالى يقال له مَنْسَك ومَنْسِك . والناسك : العابد . قال النحاس : يقال نَسَك يَنْسُك ، فكان يجب أن يقال على هذا : مَنْسُك ، إلا أنه ليس في كلام العرب مَفْعُل . وعن زهير بن محمد قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت الحرام قال : أيْ رَبّ ، قد فرغتُ فأرنا مناسكناً فبعث الله تعالى إليه جبريل فحجّ به ، حتى إذا رجع من عَرَفة وجاء يوم النَّحر عَرَض له إبليس ، فقال له : أحصبه ، فحَصَبه بسبع حَصَيات ، ثم الغد ثم اليوم الثالث ، ثم علا ثَبَيراً فقال : يا عباد الله ، أجيبوا فسمع دعوته مَنْ بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذَرّة من إيمان ، فقال : لَبيْكَ ، اللَّهُمّ لَبّيكَ قال : ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعداً ، لولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها . وأوّل من أجابه أهل اليمن . وعن أبي مِجْلَز قال : لما فرغ إبراهيم من البيت جاءه جبريل عليه السلام فأراه الطواف بالبيت قال : وأحسبه قال : والصَّفَا والمرْوَة ثم ٱنطلقا إلى العقبة فعَرَض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حَصَيات وأعطى إبراهيم سبع حَصَيات ، فَرَمَى وكَبّر ، وقال لإبراهيم : اِرم وكَبر فَرَميَا وكبّرا مع كل رمية حتى أفَل الشيطان . ثم ٱنطلقا إلى الجَمْرة الوسطى ، فَعَرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حَصَيات وأعطى إبراهيم سبع حَصَيات ، وقال : اِرم وكَبّر فرميَا وكبرَا مع كل رمية حتى أفَل الشيطان . ثم أتيا الجمرة القُصْوَى فعَرَض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حَصَيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات وقال : اِرم وكَبّر فرميَا وكَبرا مع كل رمية حتى أفَل الشيطان . ثم أتى به جَمْعاً فقال : ها هنا يجمع الناس الصلوات . ثم أتى به عَرَفات فقال : عَرَفْت ؟ فقال نعم فمن ثَمَّ سُمِّي عرفات . وروي أنه قال له : عَرَفْتَ ، عرفتَ ، عرفتَ ؟ أي مِنًى والجَمْع وهذا فقال نعم فسُمّيَ ذلك المكان عرفات . وعن خُصَيْف بن عبد الرحمن أن مجاهداً حدّثه قال : لما قال إبراهيم عليه السلام : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } أي الصَّفَا والمَرْوَة ، وهما من شعائر الله بنصّ القرآن ثم خرج به جبريل ، فلما مَرّ بجَمْرة العَقَبة إذا إبليس عليها ، فقال له جبريل : كَبّر وٱرمِه فٱرتفع إبليس إلى الوسطى ، فقال جبريل : كَبّر وٱرْمِهِ ثم في الجمرة القُصْوَى كذلك . ثم ٱنطلق به إلى المَشْعر الحرام ، ثم أتى به عَرفة فقال له : هل عَرفتَ ما أريتك ؟ قال نعم فسُمِّيتْ عرفات لذلك فيما قيل قال : فأذِّنْ في الناس بالحج قال : كيف أقول ؟ قال قل : يأيها الناس ، أجيبوا رَبّكم ، ثلاث مرار ، ففعل فقالوا : لَبّيكَ ، اللَّهُمّ لَبيْكَ . قال : فمن أجاب يومئذ فهو حاج . وفي رواية أخرى : أنه حين نادى ٱستدار فدعا في كل وجه ، فَلبى الناس من كل مشرق ومغرب ، وتطأطأت الجبال حتى بَعُد صوته . وقال محمد بن إسحٰق : لما فرغ إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه من بناء البيت الحرام جاءه جبريل عليه السلام فقال له : طُفْ به سبعاً فطاف به سبعاً هو وإسماعيل عليهما السلام ، يستلمان الأركان كلها في كل طواف فلما أكملا سبعاً صلّيَا خلف المقام ركعتين . قال : فقام جبريل فأراه المناسك كلها : الصَّفَا والمَرْوَة ومِنىً والمُزْدَلِفة . قال : فلما دخل مِنىً وهبط من العَقَبة تمثّل له إبليس … فذكر نحو ما تقدّم . قال ٱبن إسحٰق : وبلغني أن آدم عليه السلام كان يستلم الأركان كلها قبل إبراهيم عليه السلام . وقال : حجّ إسحاق وسارة من الشام ، وكان إبراهيم عليه السلام يحجّه كل سنة على البراق وحَجّته بعد ذلك الأنبياء والأمم . وروى محمد بن سابط عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان النبيّ من الأنبياء إذا هلكت أُمَّته لحق مكة فتعبّد بها هو ومن آمن معه حتى يموتوا فمات بها نوح وهود وصالح وقبورهم بين زمزم والحِجر " وذكر ٱبن وهب أن شُعَيْباً مات بمكة هو ومن معه من المؤمنين ، فقبورهم في غربي مكة بين دار النَّدْوَة وبين بني سَهْم . وقال ٱبن عباس : في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما ، قبر إسماعيل وقبر شعيب عليهما السلام فقبر إسماعيل في الحِجْر ، وقبر شعيب مقابل الحَجَر الأسود . وقال عبد اللَّه بن ضمرة السلوي : ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيًّا جاؤوا حجاجاً فقُبِروا هنالك ، صلوات الله عليهم أجمعين . قوله تعالى : { وَتُبْ عَلَيْنَآ } ٱختلف في معنى قول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام « وَتُبْ عَلَيْنَا » وهم أنبياء معصومون فقالت طائفة : طلبا التثبيت والدوام ، لا أنهما كان لهما ذنب . قلت : وهذا حسن ، وأحسن منه أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت أرادا أن يبنيا للناس ويعرّفاهم أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصّل من الذنوب وطلب التوبة . وقيل : المعنى وَتُبْ على الظلمة منّا . وقد مضى الكلام في عصمة الأنبياء عليهم السلام في قصة آدم عليه السلام ، وتقدّم القول في معنى قوله : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } فأغنى عن إعادته .