Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 149-150)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قيل : هذا تأكيد للأمر بٱستقبال الكعبة وٱهتمام بها لأن موقع التحويل كان صعباً في نفوسهم جداًّ فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام به فيخفّ عليهم وتسكن نفوسهم إليه . وقيل : أراد بالأوّل : ولِّ وجهك شطر الكعبة أي عاينها إذا صلّيت تلقاءها . ثم قال : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ } معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها { فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } . ثم قال : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ } يعني وجوب الاستقبال في الأسفار فكان هذا أمراً بالتوجّه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض . قلت : هذا القول أحسن من الأوّل ، لأن فيه حملَ كلّ آية على فائدة . وقد روى الدَّارَقُطْنِي عن أنس بن مالك قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فأراد أن يصلّي على راحلته ٱستقبل القبلة وكَبّر ثم صلّى حيث توجّهت به . أخرجه أبو داود أيضاً ، وبه قال الشافعيّ وأحمد وأبو ثور . وذهب مالك إلى أنه لا يلزمه الاستقبال لحديث ٱبن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي وهو مُقْبل من مكة إلى المدينة على راحلته ، قال : وفيه نزل { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } [ البقرة : 115 ] وقد تقدّم . قلت : ولا تعارض بين الحديثين لأن هذا من باب المطلق والمقيَّد فقول الشافعيّ أوْلَى ، وحديث أنس في ذلك حديث صحيح . ويروى أن جعفر بن محمد سُئل ما معنى تكرير القَصَص في القرآن ؟ فقال : عَلم الله أن كلّ الناس لا يحفظ القرآن ، فلو لم تكن القصة مكّررة لجاز أن تكون عند بعض الناس ولا تكون عند بعض فكُرِّرت لتكون عند من حفظ البعض . قوله تعالى : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } قال مجاهد : هم مشركو العرب . وحجّتهم قولهم : راجعتَ قبلتنا وقد أجيبوا عن هذا بقوله : { قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } [ البقرة : 142 ] . وقيل : معنى { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } لئلاّ يقولوا لكم : قد أُمِرتم باستقبال الكعبة ولستم تَرَوْنها فلما قال عز وجل : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } زال هذا . وقال أبو عبيدة : إنّ « إلا » ها هنا بمعنى الواو ، أي والذين ظلموا فهو ٱستثناء بمعنى الواو ومنه قول الشاعر : @ ما بالمدينة دارٌ غيرُ واحدة دار الخليفة إلاّ دارُ مَرْوانَا @@ كأنه قال : إلاّ دار الخليفة ودارُ مَرْوان وكذا قيل في قوله تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ التين : 6 ] أي الذين آمنوا . وأبطل الزجاج هذا القول وقال : هذا خطأ عند الحُذّاق من النحويين ، وفيه بُطلان المعاني ، وتكون « إلا » وما بعدها مستغنىً عن ذكرهما . والقول عندهم أن هذا ٱستثناء ليس من الأوّل أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجُّون قال أبو إسحاق الزجاجّ : أي عرّفكم الله أمر الاحتجاج في القِبلة في قوله : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } ، { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } إلاّ مَن ظلم بٱحتجاجه فيما قد وضح له كما تقول : مالك عليّ حُجَّةٌ إلا الظلم أو إلاّ أن تظلمني أي مالك حجةٌ الْبَتَّةَ ولكنك تظلمني فسمّى ظلمه حُجّة لأن المحتجّ به سمَّاه حجة وإن كانت داحضة . وقال قُطْرُب : يجوز أن يكون المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلاّ على الذين ظلموا فالذين بدل من الكاف والميم في « عليكم » . وقالت فرقة : « إلاَّ الَّذِين » ٱستثناء متَّصل روي معناه عن ٱبن عباس وغيره ، وٱختاره الطبري وقال : نَفَى الله أن يكون لأحد حُجّةٌ على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ٱستقبالهم الكعبة . والمعنى : لا حُجَّةَ لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة . حيث قالوا : ما وَلاّهم ، وتحيّر محمد في دينه ، وما توجّه إلى قِبلتنا إلاّ أنّا كنا أهدى منه وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلاّ من عابد وثَنٍ أو يهودي أو منافق . والحجَّةُ بمعنى المحاجّة التي هي المخاصمة والمجادلة . وسَمّاها الله حُجّة وحَكم بفسادها حيث كانت من ظَلَمة . وقال ٱبن عطية : وقيل إن الاستثناء منقطع وهذا على أن يكون المراد بالناس اليهود ، ثم ٱستثنى كُفّار العرب ، كأنه قال : لكن الذين ظلموا يحاجُّونكم وقوله : « مِنْهم » يردّ هذا التأويل . والمعنى لكن الذين ظلموا ، يعني كفار قريش في قولهم : رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله . ويدخل في ذلك كلّ من تكلّم في النازلة من غير اليهود . وقرأ ٱبن عباس وزيد بن عليّ وٱبن زيد « ألا الذين ظَلَمُوا » بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى ٱستفتاح الكلام ، فيكون « الذين ظَلَمُوا » ابتداء ، أو على معنى الإغراء ، فيكون « الذين » منصوباً بفعل مقدّر . قوله تعالى : { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } يريد الناس { وَٱخْشَوْنِي } الخَشْيَةُ أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التَّوقي . والخوف : فزع القلب تَخِفُ له الأعضاء ، ولِخفّة الأعضاء به سُمِّيَ خَوْفاً . ومعنى الآية التّحقير لكل مَن سوى الله تعالى ، والأمر بٱطّراح أمرهم ومراعاة أمر الله تعالى . قوله تعالى : { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } معطوف على « لِئَلاَّ يَكُونَ » أي ولأن أتِمَّ قاله الأخفش . وقيل : مقطوع في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر ، التقدير : ولأُتِمَّ نعمتي عليكم عرّفتكم قِبلتي قاله الزجاج . وإتمام النعمة الهداية إلى القِبْلة ، وقيل : دخول الجنة . قال سعيد بن جُبير : ولم تتم نعمة الله على عبد حتى يُدخله الجنة . و { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } تقدّم .