Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 182-182)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : { فَمَنْ خَافَ } « مَنْ » شَرْط ، و « خاف » بمعنى خَشِيَ . وقيل : علم . والأصل خَوَف ، قُلبت الواو ألفاً لتحرّكها وتحرّك ما قبلها . وأهل الكوفة يميلون « خاف » ليدلوا على الكسرة من فَعِلت . « مِنْ مُوَصًّ » بالتشديد قراءة أبي بكر عن عاصم وحمزة والكسائي ، وخفّف الباقون ، والتخفيف أبين لأن أكثر النحويين يقولون « مُوَصّ » للتكثير . وقد يجوز أن يكون مثل كرّم وأكرم . « جَنَفاً » من جَنِف يَجْنَف إذا جار ، والاسم منه جَنِفٌ وجانف عن النحاس . وقيل : الجَنَف الميل . قال الأعشى : @ تَجَانَفُ عن حجر اليمامة ناقتي وما قَصدَتْ من أهلها لسوَائكا @@ وفي الصّحاح : « الجَنَف » الميل . وقد جَنِف بالكسر يَجْنَف جَنَفاً إذا مال ومنه قوله تعالى : { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً } . قال الشاعر : @ هم المَوْلَى وإنْ جَنفُوا علينا وإنّا مِن لِقائهمُ لَزُورُ @@ قال أبو عبيدة : المَوْلَى ها هنا في موضع الموالِي ، أي بني العمّ كقوله تعالى : { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } . وقال لَبيد : @ إني ٱمرؤٌ مَنعتْ أرومةُ عامرٍ ضَيْمِي وقد جَنفتْ عليّ خصومي @@ قال أبو عبيدة : وكذلك الجانىء بالهمز وهو المائل أيضاً . ويقال : أجنف الرجل أي جاء بالجَنَف . كما يقال : الاَمَ أي أتى بما يلام عليه . وأخَسّ أي أتى بخسيس . وتجانَفَ لإثم أي مالِ . ورجلٌ أجنَف أي منحني الظهر . وجُنَفَى على فُعَلَى بضم الفاء وفتح العين : ٱسم موضع عن ٱبن السكّيت . ورُوي عن عليّ أنه قرأ « حَيْفاً » بالحاء والياء أي ظلماً . وقال مجاهد : { فَمَنْ خَافَ } أي من خشي أن يجنف الموصِي ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الأذيّة ، أو يأتيها دون تعمّد ، وذلك هو الجَنف دون إثم ، فإن تعمّد فهو الجنف في إثم . فالمعنى من وعظ في ذلك وردّ عنه فأصلح بذلك ما بينه وبين ورثته وبين الورثة في ذاتهم فلا إثم عليه . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } عن الموصي إذا عملت فيه الموعظة ورجع عما أراد من الأذية . وقال ٱبن عباس وقتادة والربيع وغيرهم : معنى الآية من خاف أي علم ورأى وأتى علمه عليه بعد موت الموصي أن الموصي جنف وتعمّد أذية بعض ورثته فأصلح ما وقع بين الورثة من الاضطراب والشقاق { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } أي لا يلحقه إثم المبدل المذكور قبل . وإن كان في فعله تبديلٌ ما ولا بدّ ، ولكنه تبديل لمصلحة . والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى . الثانية : الخطاب بقوله : { فَمَنْ خَافَ } لجميع المسلمين . قيل لهم : إن خفتم من مُوصٍ مَيْلاً في الوصيّة وعدولاً عن الحق ووقوعاً في إثم ولم يخرجها بالمعروف ، وذلك بأن يوصي بالمال إلى زوج ٱبنته أو لولد ٱبنته لينصرف المال إلى ٱبنته ، أو إلى ٱبن ٱبنه والغرض أن ينصرف المال إلى ٱبنه ، أو أوصى لبعيد وترك القريب فبادروا إلى السعي في الإصلاح بينهم فإذا وقع الصلح سقط الإثم عن المصلح . والإصلاح فرض على الكفاية ، فإذا قام أحدهم به سقط عن الباقين ، وإن لم يفعلوا أثم الكل . الثالثة : في هذه الآية دليل على الحكم بالظن لأنه إذا ظن قصد الفساد وجب السعي في الصلاح . وإذا تحقّق الفساد لم يكن صلحاً إنما يكون حكماً بالدفع وإبطالاً للفساد وَحسْماً له . قوله تعالى : { فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ } عطف على « خاف » ، والكناية عن الورثة ، ولم يجر لهم ذكر لأنه قد عرف المعنى ، وجواب الشرط « فلا إثم عليه » . الرابعة : لا خلاف أن الصدقة في حال الحياة والصحة أفضل منها عند الموت لقوله عليه السلام وقد " سئل : أيّ الصدقة أفضل ؟ فقال : « أن تَصَدَّقَ وأنت صحيح شحيح » " الحديث ، أخرجه أهل الصحيح . وروى الدَّارَقُطْنِي عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة " وروى النسائي عن أبي الدرداء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَثَلَ الذي ينفق أو يتصدق عند موته مَثَل الذي يهدي بعد ما يَشبع " . الخامسة : من لم يضرّ في وصيته كانت كفارة لما ترك من زكاته . روى الدَّارَقُطْنيّ عن معاوية بن قُرّة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حضرته الوفاة فأوصى فكانت وصيته على كتاب الله كانت كفارة لما ترك من زكاته " فإن ضَرّ في الوصية وهي : السادسة : فقد روى الدَّارَقُطْنِي أيضاً عن ٱبن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الإضرار في الوصية من الكبائر " وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل أو المرأة ليعمل بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيُضاران في الوصية فتجب لهما النار " وترجم النسائي « الصلاة على من جَنَف في وصيته » أخبرنا عليّ بن حجر أنبأنا هشيم عن منصور وهو ٱبن زاذان عن الحسن عن عمران بن حُصين رضي الله عنه : " أن رجلاً أعتق ستةً مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فغضب من ذلك وقال : « لقد هممت ألاّ أصلّي عليه » ثم دعا مملوكِيه فجزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق ٱثنين وأرقّ أربعة " وأخرجه مسلم بمعناه إلا أنه قال في آخره : وقال له قولاً شديداً بدل قوله : « لقد هممت ألا أصلّي عليه » .