Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 231-231)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ست مسائل : الأُولىٰ قوله تعالىٰ : { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } معنى « بَلَغْنَ » قاربْن بإجماع من العلماء ولأن المعنى يضطرّ إلى ذلك لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك ، وهو في الآية التي بعدها بمعنى التناهي لأن المعنى يقتضي ذلك ، فهو حقيقة في الثانية مجاز في الأُولىٰ . الثانية قوله تعالىٰ : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } الإمساك بالمعروف هو القيام بما يجب لها من حق على زوجها ولذلك قال جماعة من العلماء : إن من الإمساك بالمعروف أن الزوج إذا لم يجد ما ينفق على الزوجة أن يطلقها فإن لم يفعل خرج عن حدّ المعروف ، فيطلِّق عليه الحاكم من أجل الضرر اللاحق لها من بقائها عند من لا يقدر على نفقتها ، والجوع لا صبر عليه وبهذا قال مالك والشافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ويحيى القطّان وعبد الرّحمٰن بن مهديّ ، وقاله من الصحابة عمر وعلي وأبو هريرة ، ومن التابعين سعيد بن المسيّب وقال : إن ذلك سُنّة . ورواه أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقالت طائفة : لا يفرّق بينهما ، ويلزمها الصبر عليه ، وتتعلق النفقة بذمّته بحكم الحاكم وهذا قول عطاء والزهريّ ، وإليه ذهب الكوفيون والثوريّ وٱحتجوا بقوله تعالىٰ : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } [ البقرة : 280 ] وقال : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } [ النور : 32 ] الآية فندب تعالىٰ إلى إنكاح الفقير ، فلا يجوز أن يكون الفقر سبباً للفرقة ، وهو مندوب معه إلى النكاح . وأيضاً فإن النكاح بين الزوجين قد ٱنعقد بإجماع فلا يفرّق بينهما إلاَّ بإجماع مثله ، أو بسُنّة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا معارض لها . والحجّة للأوّل قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاريّ : " تقول المرأة إما أن تطعِمنِي وإما أن تطلقني " فهذا نص في موضع الخلاف . والفرقة بالإعسار عندنا طلقة رجعية خلافاً للشافعيّ في قوله : إنها طلقة بائنة لأن هذه فرقة بعد البناء لم يستكمل بها عدد الطلاق ولا كانت لِعوض ولا لضرر بالزوج فكانت رجعية أصله طلاق المُولِي . الثالثة قوله تعالىٰ : { أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } يعني فطلقوهنّ وقد تقدّم . { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } روى مالك عن ثور بن زيد الديلي : أن الرجل كان يطلِّق ٱمرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها كيما يطوّل بذلك العدّة عليها وليُضارّها فأنزل الله تعالىٰ : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } يعِظهم الله به . وقال الزجاج : « فقد ظلم نفسه » يعني عرض نفسه للعذاب ، لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرّضٌ لعذاب الله . وهذا الخبر موافق للخبر الذي نزل بترك ما كان عليه أهل الجاهلية من الطلاق والارتجاع حسب ما تقدّم بيانه عند قوله تعالىٰ : { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } . فأفادنا هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب وذلك حبس الرجلِ المرأة ومراجعته لها قاصداً إلى الإضرار بها وهذا ظاهر . الرابعة قوله تعالىٰ : { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } معناه لا تأخذوا أحكام الله تعالىٰ في طريق الهزو بالهزو فإنها جِدٌّ كلها فمن هزل فيها لزمته . قال أبو الدرداء : كان الرجل يطلّق في الجاهلية ويقول : إنما طلقت وأنا لاعب وكان يعتِق وينكح ويقول : كنت لاعباً فنزلت هذه الآية فقال عليه السَّلام : " من طلّق أو حرّر أو نكح أو أنكح فزعم أنه لاعب فهو جدٌّ " رواه مَعْمَر قال : حدّثنا عيسى بن يونس عن عمرو عن الحسن عن أبي الدرداء فذكره بمعناه . وفي موطأ مالك أنه بلغه أن رجلاً قال لابن عباس : إني طلقت ٱمرأتي مائة مرّة فماذا ترى عليّ ؟ فقال ٱبن عباس : طُلِّقت منك بثلاث ، وسبع وتسعون ٱتخذت بها آيات الله هزواً . وخرّج الدارقطنيّ من حديث إسماعيل بن أبي أُمية القرشي " عن عليّ قال : سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً طلق البتة فغضب وقال : « تتخذون آيات الله هزواً أو دِين الله هزواً ولعباً من طلق ٱلبتة ألزمناه ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره » " إسماعيل بن أبي أُمية هذا كوفيّ ضعيف الحديث . وروي عن عائشة : أن الرجل كان يطلق ٱمرأته ثم يقول : والله لا أورّثِك ولا أدعِك . قالت : وكيف ذاك ؟ قال : إذا كِدتِ تقضين عدّتك راجعتك فنزلت : { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } . قال علماؤنا : والأقوال كلها داخلة في معنى الآية لأنه يُقال لمن سخر من آيات الله : ٱتخذها هزواً . ويُقال ذلك لمن كفر بها ، ويُقال ذلك لمن طرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها فعلىٰ هذا تدخل هذه الأقوال في الآية . وآيات الله : دلائله وأمره ونهيه . الخامسة ولا خلاف بين العلماء أن من طلق هازلاً أن الطلاق يلزمه ، وٱختلفوا في غيره على ما يأتي بيانه في « براءة » إن شاء الله تعالىٰ . وخرّج أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث جِدّهن جِدّ وهزلِهن جِدّ النكاح والطلاق والرّجعة " وروي عن عليّ بن أبي طالب وٱبن مسعود وأبي الدّرداء كلهم قالوا : ثلاث لا لعب فيهنّ واللاعب فيهنّ جادّ : النكاح والطلاق والعِتاق . وقيل : المعنى لا تتركوا أوامر الله فتكونوا مقصرين لاعبين . ويدخل في هذه الآية الاستغفار من الذنب قولاً مع الإصرار فعلاً وكذا كل ما كان في هذا المعنى فٱعلمه . السادسة قوله تعالىٰ : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي بالإسلام وبيان الأحكام . { وَٱلْحِكْمَةِ } : هي السنة المبيِّنة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرادَ اللَّهِ فيما لم ينص عليه في الكتاب . { يَعِظُكُمْ بِهِ } أي يخوّفكم . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } تقدّم .