Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 247-247)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } أي أجابكم إلى ما سألتم ، وكان طالوت سَقَّاء . وقيل : دبّاغاً . وقيل : مُكَارِياً ، وكان عالماً فلذلك رفعه الله على ما يأتي : وكان من سِبط بِنْيَامين ولم يكن من سِبط النبوّة ولا من سِبط المُلْك ، وكانتِ النبوّة في بني لاوَى ، والملك في سِبط يهوذا فلذلك أنكروا . قال وهب بن منبّه : لما قال الملأ من بني إسرائيل لشَمْوِيل بن بال ما قالوا ، سأل الله تعالى أن يبعث إليهم ملِكاً ويدُلّه عليه فقال الله تعالى له : ٱنظر إلى القَرَن الذي فيه الدُّهْن في بيتك فإذا دخل عليك رجل فنَشّ الدّهنُ الذي في القَرَن ، فهو مَلِك بني إسرائيل فآدهنْ رأسه منه ومَلِّكه عليهم . قال : وكان طالوت دبّاغاً فخرج في ابتغاء دابة أضَلّها ، فقصد شمويل عسى أن يدعو له في أمر الدابة أو يجد عنده فَرجاً ، فنَشّ الدُّهنُ على ما زعموا ، قال : فقام إليه شمويل فأخذه ودهن منه رأس طالوت ! وقال له : أنت ملِك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى بتقديمه ، ثم قال لبني إسرائيل : « إن الله قد بعث لكم طالوت ملِكاً » . وطالوت وجالوت ٱسمان أعجميان معرّبان ولذلك لم ينصرفا ، وكذلك داود ، والجمع طواليت وجواليت ودواويد ، ولو سميت رجلاً بطاوس وراقود لصرفت وإن كانا أعجميين . والفرق بين هذا والأوّل أنك تقول : الطاوس ، فتدخل الألف واللام فيُمكِّن في العربية ولا يمكِّن هذا في ذاك . قوله تعالى : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا } أي كيف يملكنا ونحن أحق بالملك منه ؟ . جَروا على سنّتهم في تَعْنِيتهم الأنبياء وحَيْدهم عن أمر الله تعالى فقالوا : « أَني » أيْ من أيّ جهة ، فـ « أَنّي » في موضع نصب على الظرف ، ونحن من سِبط الملوك وهو ليس كذلك وهو فقير ، فتركوا السبب الأقوى وهو قَدَر الله تعالى وقضاؤه السابق حتى ٱحتج عليهم نبيُّهم بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ } أي اختاره وهو الحجة القاطعة ، وبَيَّن لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت ، وهو بسطته في العِلم الذي هو مِلاك الإنسان ، والجسم الذي هو مُعِينه في الحرب وعدّته عند اللّقاء فتضمّنت بيان صفة الإمام وأحوال الإمامة ، وأنها مستحقة بالعلم والدين والقوّة لا بالنسب ، فلا حظّ للنسب فيها مع العلم وفضائل النفس وأنها متقدّمة عليه لأن الله تعالى أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوّته ، وإن كانوا أشرف منتسباً . وقد مضى في أوّل السورة من ذكر الإمامة وشروطها ما يكفي ويُغنِي . وهذه الآية أصل فيها . قال ابن عباس : كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل وأجملَه وأتَمّه وزيادة الجسم مما يَهيب العدوّ . وقيل : سُمي طالوت لطوله . وقيل : زيادة الجسم كانت بكثرة معاني الخير والشجاعة ، ولم يرد عِظم الجسم ألم تر إلى قول الشاعر : @ ترى الرّجُلَ النّحِيف فتَزْدَرِيهِ وفي أثْوابه أسَدٌ هَصُورُ ويُعجبك الطّرِير فتَبْتَلِيه فيُخْلِف ظنّك الرجلُ الطّرِيرُ وقد عَظُم البعير بغير لُبٍّ فلم يَسْتَغْنِ بالعِظَم البعيرُ @@ قلت : ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم لأزواجه : " أسرعكنّ لحاقا بي أطولكنّ يداً " فكنّ يتطاولن فكانت زينب أوّلهن موتاً لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدّق خرّجه مسلم . وقال بعض المتأوّلين : المراد بالعلم عِلم الحرب ، وهذا تخصيص العموم من غير دليل . وقد قيل : زيادة العلم بأن أوحى الله إليه ، وعلى هذا كان طالوت نبياً ، وسيأتي . قوله تعالى : { وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } ذهب بعض المتأوّلين إلى أن هذا من قول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : هو من قول شَمْويل وهو الأظهر . قال لهم ذلك لما علم من تعنّتهم وجدالهم في الحجج ، فأراد أن يتمم كلامه بالقطعيّ الذي لا اعتراض عليه فقال الله تعالى : { وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } . وإضافة ملك الدنيا إلى الله تعالى إضافة مملوك إلى ملِك . ثم قال لهم على جهة التغبِيط والتنبيه من غير سؤال منهم : « إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ » . ويحتمل أن يكونوا سألوه الدّلالة على صدقه في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } . قال ابن عطية : والأوّل أظهر بمساق الآية ، والثاني أشبه بأخلاق بني إسرائيل الذميمة ، وإليه ذهب الطبريّ .